حول العالمميديا و أونلاين

الفيزيائية والروائية المعارضة أسلي أردوغان: تركيا الآن ألمانيا النازية في الثلاثينيات

لإسكات كلمتها، في أحد أيام غشت العام 2016، اقتحمت الشرطة التركية المسلّحة والمقنّعة، شقّتها في اسطنبول.
في فجر عيد ميلادها الخمسين، أُلقِي بالكاتبة والفيزيائية التركية “أسلي أردوغان” في السجن، ضحية لعمليات التطهير التي يمارسها رئيس الجمهورية التركية على نطاق واسع جداً: أكثر من ألف شخص يتم اعتقالهم وسجنهم كل أسبوع، أحياناً بسبب تغريدة بسيطة. بعد أربعة أشهر ونصف في السجن، أصبحت أسلي أردوغان لاجئة في فرانكفورت؛ حيث تنتظر نتائج محاكمتها.

نظام فاشي مثل ألمانيا النازية

الفيزيائية السابقة أسلي أردوغان، تشير إلى الفترة التي عزّز فيها النازيون صلاحياتهم عن طريق قمع خصومهم المتّهمين بالتآمر.
ترى أسلي أردوغان، الكاتبة التركية المعرضة للسجن المؤبد في بلدها، والمقيمة في المنفى في ألمانيا، أنّ الوضع خطير: تركيا التي يقودها الرئيس رجب طيب اردوغان، تحولت إلى نظام فاشي.
لا تذهب الروائية، التي لا ترتبط برئيس الدولة التركي بأي صلة قرابة، إلى الهدف من طُرق كثيرة؛ إذ قالت الكاتبة، البالغة من العمر 51 عاماً، لوكالة “فرانس برس”، من فرانكفورت، أرضها في المنفى: “الطريقة التي تسير بها الأمور في تركيا، هي مثل ألمانيا النازية “.
“أعتقد أنه نظام فاشستي. ليس الوضعُ -في تركيا- وَضْعَ ألمانيا في الأربعينيات، ولكنه وضعُ ألمانيا في الثلاثينيات، تقول الفائزة بجائزة سيمون دي بوفوار 2018 لحرية المرأة، في إشارة الى الفترة التي عزّز فيها النازيون السلطة من خلال قمع المعارضين المتّهمين بالتآمر.
لا ثقة في العدالة
ولذلك فإنّ السيدة أردوغان التي يطاردها النظام التركي بتهمة “الدعاية الإرهابية “، وخصوصا بسبب عملها في الصحيفة الكردية “أوزغور غونديم”، التي تم إغلاقُها منذ اتهامها بارتباطاتها مع حزب العمال الكردستاني (PKK )، وهي منظمة مصنّفة على أنها “إرهابية” من جانب أنقرة وفي الغرب، لا تشعر بأي ثقة في العدالة.
“ثمة عنصرٌ حاسم، وهو عدم وجود نظام قضائي”، تقول الكاتبة، التي تصف بلداً تكتظ سجونه بالمعتقلين، وفيما قاعات محاكم أردوغان يديرها قضاةٌ في العشرينيات من العمر، لا يملكون الخبرة ولكنهم موالون للسلطة، والذين حلوا محل شيوخهم الذين أقيلوا من مناصبهم بسبب القمع الذي أعقب الانقلاب الفاشل في (يوليوز) العام 2016 ضد الرئيس أردوغان.

“مضحك بشكل مثير للشفقة”

تنتمي الكاتبة، التي صُدِمت أيما صدمة جراء 136 يوماً من الاحتجاز، إلى عشرات الآلاف من الأشخاص الذين استهدفتهم الحكومة التركية.
هذه الاعتقالات استهدفت أنصار الداعية فتح الله غولن ، المتهمين بتنظيم الانقلاب، وكذلك وسائل الإعلام المعارضة، والأشخاص الذين يُشتبَه في تعاطفهم مع القضية الكردية.
أنقرة ترفض الاتهامات بالانتهاكات الجسيمة للحقوق، وتؤكد أنها تواجه التهديد الوجودي للدولة.
“أردوغان مطلق السلطة تقريباً”، تقول الكاتبة، “إنه يقرّر سعر الدواء، ومستقبل الباليه الكلاسيكي، وأفراد أسرته يقعون على مسؤولية الاقتصاد… والأوبرا، التي يكرهها، مرتبطة مباشرة به”.
وتضيف “إنّ ما هو جيد مع الفاشية، مضحك بشكل مثير للحزن والشفقة أحياناً”.
تحذير الغرب
وتحذّر أسلي أردوغان الغربَ من أنْ لا ينخدع بالاعتقاد بأنّ الأمور ستتحسّن، الآن بعد أن عزّز الرئيس أردوغان سلطاته في الانتخابات العامة في (يونيو) الماضي.
وتتهم قائلة: “إنها حالة طوارئ دائمة”؛ حيث سيتم إصدار قانون “ضد الإرهاب” جديد، مثير للجدل، لاستئناف إجراءات حالة الطوارئ التي رفعت للتو بعد عامين.
وبالتالي، لا تملك الفيزيائية السابقة في مركز الأبحاث النووية في جنيف، أيّ أمل في تبرئتها من قِبل محاكمتها، التي من المقرر عقد جلسات استماع إليها في تشرين الأول (أكتوبر)، وآذار (مارس). وتقول: “إنهم لا يتراجعون”، مشيرة إلى العديد من الصحفيين المحكوم عليهم هذا العام، وبعضهم بالسجن مدى الحياة.

الكتابة “بالدم”

حتى لو كان نفيُها في ألمانيا يمنحها بعض الأمن، ترى أسلي أنّ انتظار الحكم “لا يكاد يطاق”، “إنّ أعظم عذاب يمكن أن توجّهه لإنسان هو أن تجعل مصيره مجهولاً”.
تم إطلاق سراح أسلي أردوغان من السجن في نهاية كانون الأو (ديسمبر) العام 2016، وقد تمكنت من استرداد جواز سفرها في (سبتمبر) العام 2017 وهاجرت البلاد على الفور، مثل غيرها من الفنانين والمثقفين .
منذ ذلك الحين وهي تعيش في فرانكفورت، وتتمتع بشقة وبمنحة كجزء من المشروع الدولي “مدن الملجأ” Cities of Refuge. يهدف هذا البرنامج إلى تزويد الكتاب المضطهدين بمكان آمن للعيش والعمل.
لكنّ المؤلفة لم تتمكن بعدُ من استئناف الكتابة. فهي تعاني من الصدمات النفسية، ومن الأرق، وتعاني من نوبات اكتئاب ومشاكل صحية، وتركز فقط على المشاركة في الأحداث الأدبية والمحاضرات.
هدفُها هو الدفاع عن أولئك الذين ما يزالون وراء القضبان في تركيا “لقد وجدتُني في دور سياسي، وأنا أحاول أن أحمله بفخر واعتزاز.”
وعندما تشعر في النهاية أنها مستعدّة كل الاستعداد ستُفرغ كلَّ خبرتها في السجن على الورق، “إنها مواجهة ثقيلة للغاية”، لأنه في “الأدب، عليك أن تكون صادقاً أكثر من 200٪. لأنك تكتب بالدم “.

أسلي أردوغان بين السجن والجوائز العالمية

عمِلت أسلي أردوغان، وهي فيزيائية متخصصة، خريجة جامعة البوسفور الناطقة باللغة الإنجليزية (إسطنبول)، في مركز الأبحاث النووية الأوروبي في جنيف، ثم أمضت عامين في ريو دي جانيرو، ثم عادت إلى اسطنبول؛ حيث عملت في الصحافة الييومية، وواصلت عملها كروائية. بعد محاولة الانقلاب في 15 (يوليوز) العام 2016، تمّ سجنها من غشت إلى (ديسمبر) العام 2016، بسبب مشاركتها في صحيفة Özgür Gündemالتي تدعم المطالبات الكردية. وقد طلبت المحكمة بسجنها مدى الحياة بسبب الاتهامات التالية: “الدعاية لمنظمة إرهابية”، “الانتماء إلى منظمة إرهابية”، “التحريض على الفوضى”.
ومنذ خروجها من السجن تلقت الكاتبة العديد من الجوائز، في ألمانيا، وهولندا، والسويد والنمسا وتركيا نفسها (جائزة جمعية الناشرين التركية (“جائزة حرية الفكر والتعبير”سُلّمت إليها في 23 (مايو) العام 2017). لكنْ لا شك أنّ جائزة سيمون دي بوفوار التي حصلت عليها في باريس، في (يناير) العام 2017 هي التي تكرس بشكل واضح وضعها كأيقونة المقاومة ضد الحكم الاستبدادي الذي يطبق قانونه الحديدي في تركيا”.
امرأة متمرّدة
الفيزيائية السابقة، التي أصبحت كاتبة في غضون ذلك، هي في المقام الأول امرأة متمرّدة. في سجلاتها الجريئة بعنوان “الآخرون”، تُحطم العديد من التابوهات (الموضوعات المحظورة)، مثل اغتصاب الكرديات القاصرات الذي ارتكبه أفراد القوات شبه العسكرية التركية، والتعذيب في سجون الدولة. هذه الأعمدة الصحافية سرعان ما وصلت إلى جمهور واسع للغاية، ولم تترك السلطات السياسية غير مبالية. ولذلك تعرضت أنشطتها الصحفية للخطر، مما أفقدها وظيفتها، وذلك بعد صدور أمرٍ بالفصل تلقته هيئة التحرير، بسبب كشفها في سلسلة مقالات عن الإضرابات عن الطعام المتعددة للسجناء السياسيين في تركيا، والتي أسفرت عن وفاة 120 شخصاً. وهي مأساة حدثت منذ أربعة عشر عاماً قررت الكاتبة أسلي أدوغان أن تخصص لها أحد كتبها القادمة.

كتاب: “مبنَى من حجر”

كما تُرجِم التزامُها الصحافي لفائدة حقوق الإنسان، إلى عملٍ أدبيّ فريد من نوعه، في نثرٍ شعري، “مبنَى من حجر”، الصادر عن دار Actes Sud) 2013). وهو تحية مثيرة ووداع أخير لرفيقها الأفريقي الذي فُقِد ومات في سجن تركي، ربما تحت التعذيب. في هذه القصة الحميمة، تتقمص الكاتبة معاناة كائن معزول داخل زنزانة صغيرة، وبلا حراكٍ، في “حاضر غير محدود”.
أسلي أردوغان التي تتعرض لخطر الاضطهاد من قبل قوات الشرطة بسبب التزامها بقضية الأكراد، تتمتع حالياً بمنحة دراسية تقديراً لشجاعتها، من قبل ICORN. وهي شبكة دولية لمدن الملاذ، تحمي الكُتّاب المضطهدين بسبب أنشطتهم.

صدى لعالم مرعب

في قلب ظواهر الحلم، على الحدود الفاصلة بين المرئي وغير المرئي، ما بين الذاكرة والحلم والصراخ، تتذكر امرأةٌ مبنى من حجر. في هذا السجن، وجد نشطاء سياسيون، ومثقفون مقاومون للرقابة المفروضة عليهم، وأطفال شوارع – أنفسَهم محاصرين. ومع ذلك فمن هذا العالم المرعب الحقيقي، عادت الراوية، وصوتُها يردّد، في رقة غريبة، صدى ملاك، رجلٍ فارق الحياة في هذا السجن، بعد أن ترك لها عينيه.
مبنى من حجر، هذا الكتاب نص نادر حول واحد من الأشياء غير المعلَنة في حياة تركيا.

المصدر: elishean وLiberation
مدني قصري كاتب ومترجم جزائري لصالح حفريات
عن حفريات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى