الرئسيةرأي/ كرونيكشواهد على التاريخ

عبدالرحيم تفنوت يكتب: عبدالله الذي، كان يزعزع ” تحجرنا ” و ” كسلنا ” …

بقلم الإعلامي عبدالرحيم تفنوت

– حتى موته لم يكن على شاكلة موت الآخرين!!!
هكذا علق أحد الرفاق بنباهة بعدما استمع لي جيدا ودون قطع أو بثر، وأنا أقص عليه سفر ( بكسر السين وتسكين الفاء ) التفاصيل الروائية لشريط رحلته ، أي رحلة انسحاب هذا الذي كنا نلقبه بالصنديد!!!
– هو الذي كان يكتفي بتعريف نفسه تواضعا واختصارا ب
” مناضل من اليسار” ،
ويسمي ما يقدم عليه من أفعال ومبادرات ومشاريع ب
” المعارك “…

– وحتى أدقق قليلا فيما أنا بصدد قوله وسط زفير حزن يزعج وضوح إدراكي، أخذت على نفسي بعد موته الحزين أن أسأل نفسي على الطريقة التالية:

– هل كان عبدالله مجرد مناضل في معارك اليسار القديمة منها والجديدة ؟
أم أنه كان شخصا آخرا “يقيم ” حقا في بقاع أرض اليسار ودون تلعثم ، لكنه في هاته “الإقامة ” الخاصة به كان يحمل سره “المختلف ” الذي جعله أحيانا يتجسد، ويتشخصن بمعاني أكبر من محتويات السقف الفكري لكل غصون شجرات اليسار؟

-ثم بعد ذلك كله وقبله هل كان الرجل الذي نتحدث عنه رفيقا وفقط شبيها بأقرانه
( رفاقه ) الذين التحق بهم ليركب معهم صهوة
” تمرد ” ثقافي شبابي كان يريد مسح الطاولة ومن عليها ورمي الظالمين إلى مزبلة التاريخ ” كما كانت آنذاك تبتغي النفوس في أقصى متمنياتها الدفينة؟؟

أم أن عبدالله صاحب “الرقصة المتواصلة ” ذات المسحة الخلاصية قد اقتحم على تنظيمات أقصى اليسار
” بنيتهم” المرصودة للسر وهو مدفوع ” بريح ” أخرى لاتتقاطع كلية مع اكفهرار رياحهم الساخنة والمتعالية ؟؟.

في السجن المركزي بالقنيطرة

– في ذلك اليوم الشديد كلحة من فرط وقع الخسارة التي كنت أتقطع باطنيا بسكاكينها في صمت، نعم في ذاك اليوم وأنا أتابع خروج تابوته نحو المدفنة ، أسلمت نفسي، أو بالأحرى استسلمت ، للخيط الرقيق الدقيق لجاذبية الوقائع والحوادث التي اختزنتها ذاكرتي عن عبدالله العنيد والودود ، وعن عجائب الرفقة معه في سياق مابعد الأسر مطلع تسعينيات القرن الماضي بكل سحرها وفتنة مغامراتها، وبكل ما تخفيه من التساؤلات و من القضايا التأملية، فقلت لنفسي:
ياصاحبي صاحبك
” العفيف ” ( l’incorruptible ) هذا قد رحل ولن يعود ليوقظك في الصباح المبكر كي يقرأ عليك بيانا جديدا عن قضية جديدة !!! و يذكرك بأن الموعد القادم الذي لايجب أن تنساه سيكون في قرية بعيدة، مع رفاق نقابيين، يحملون معهم من الأسئلة النضالية الكثير، أسئلة تتقاسم وتتقاطع
مع مااقترحناه في الساحة الجماهيرية !!
هذا الذي رحل بعد صبر عظيم وكضم للغيظ ألا يمكن اقتراح مخارج أخرى في قراءة من هو
” هذا الفتى النبيل حقا” ؟؟
و الذي عرفناه وعرفنا ،
وحاورناه وحاورنا، اختلفنا معه، واختلف معنا، وربما في كثير من اللحظات اعتبرناه المعبر
” الصفي” عما يخالجنا وينام في جوف آمالنا المكبوحة…

وفي جولات أخرى قد نكون اعتبرنا العمل معه “مضنيا و قد يكون مكلفا ” يتطلب منا طاقة قصوى في العمل السياسي ، قد تضع كل رفيق أو حليف له في مواقع ووضعيات تكون فيها نار “القمع ” غير بعيدة، أو تتعملق فيها آلة الإقصاء والمصادرة مستعدة كي تقضم بشراسة مكاسب الكفاح المتراكم على طول مرحلة ما، أو في بحر سياق اعتقد فيه الفاعلون من أجل التغيير أنه بحر انتقال سالك إلى منطقة آمنة هادئة لا حوادث فيها
” قاتلة ” على أكبر طرقاتها الواصلة نحو الأهذاف المفترضة والمتمنات… !! ]

…………………………

– فمن هو إذن هذا “العبدالله ” الذي نقف قرب روحه اليوم وهو في حضرة الرياح لايتكلم ولاينصت لمانقول؟؟..
– إنه السؤال الذي طالما طرحته على نفسي، خلال نوازل ووقائع جمعتني به منذ سنة إطلاق سراحنا نهاية 1989…سنوات كنت فيها الأقرب منه على العموم، والمختلف معه أيضا في محطات بصدد قضايا صنعنا فيها توافقات رفقة رفاق تقاسمنا معهم حس وذكاء المنهج ..

– وبمعنى أكثر دقة فإني أقصد بماقلت إن هذ السؤال الذي طالما شكل لدي انشغالا نظريا شخصيا كانت له على الدوام صيغة السؤال ” العملي ” بالمعنى الفلسفي/ السياسي للكلمة…

– فالأمر هنا ليس على الإطلاق متعلقا بتعريف أو تعريفات مدرسية لماهية ” الرجل “، أو لما قد يكون طبع شخصيته المنفلتة بأبعاد أخلاقية استثنائية…. كما لا يتعلق الأمر أيضا ببحث مافوق- واقعي عن خاصيات تنظيرية مفرطة في “التجريد ” نقرأ فيها ومن خلالها “مسار” عبدالله العامل الثوري الذي كانه، وكأنه بشر غير البشر الذي نراه بأعيننا، لا يأكل الطعام في البيت، و لا يسير في الطريق ليلا ونهارا، و لا يجلس على كراسي المقاهي، و لا يتبادل أطراف الحديث ومختلف الكلام مع الناس وكأنه ليس من الناس..!!!


– وحتى إن أصررنا على السير في هذا الإتجاه وفي أفق هذه التعريفات الممتنعة عن الصرف، فإن فرادة عبدالله وطرافته الذهنية ستمتنع عن مسايرتنا والإستجابة لنا، ولن تزودنا إلا بالمادة الوقائعية التاريخية، التي ستسعفنا على إعادة رسم مساره، وفهمه ضمن منحى مختلف هو الذي أصطلحنا عليه أعلاه بمنحى” فلسفة السياسة العملية” التي كانت الثورات الكونية الحديثة تشكل بهذا المعنى ” معامل ” لبلورة أسسها المعرفية العلمية والميدانية… والتي أكثر رفيقنا الملحمي من الإطلاع عليها قراءة ( وخصوصا الثوراث الفرنسية منذ سنة 1789) عبر استنشاق نسائمها الرقيقة وخطوطها التوجيهية الناظمة خلال ” قراءاته السجنية ” التي كان لي حظ الحواروالنقاش معه حول معالمها ومنعرجاتها العامة….

– ولقد تشكلت لدي مع مرور الوقت قناعة اتجاه هذا الموضوع يقول فحواها مايلي: فكما كان لأنطونيو غرامشي دفاتر سجنه الإيطالي “زمن الفاشية “، كانت لعبدالله زعزاع قراءاته في ” زمن أسره الإستبدادي “، بحيث يكاد يحصل شبه اتفاق عام على هذه الخلاصة بين أغلب رفاقه القدامى الذين قاسموه محنة الإختطاف والتعذيب والإقامة القسرية في سجون الحسن الثاني…

– لكن على الرغم من أن هاته الإحالة (على سبيل الإستئناس والتشبيه بين وضعين تاريخيين مختلفين) لا تبتغي الإستنساخ الجاهز والقفز الطائش على معطيات الزمنية التاريخية، فإنها مع ذلك قد تفيدنا في إعداد جيد، نظري ومنهجي، للتعرف الفلسفي على هذا “البروفايل” الشيوعي المغربي من بوابة تعريفية تنحث إسمه على اللائحة
” الكونية ” الإشتراكية في تقابله وتناظره بأسمائها الكبرى، و التي لم يتنازل ” زعزاع ” أبدا على الإعلان المكشوف بالإنتماء إليها(أي اللائحة الكونية ) كأممي راسخ في جدلية الإنتماء المتعدد الوجود والوجوه …
………………….
( يتبع قريبا )

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى