
“جرح قديم” دراما مغربية تخطف الأنظار في رمضان بمشاهدة قاربت 10 ملايين
لقي مسلسل “جرح قديم”، الذي يعرض على قناة “الأولى” منذ بداية شهر رمضان الجاري، إشادة من قبل الجمهور المغربي، حيث حقق نسب مشاهدة عالية، قاربت العشر ملايين، وذلك خلال حلقة السبت 8 مارس الجاري، حسب إحصائيات شركة “ماروك ميتري” المتخصصة في قياس نسب المشاهدات.
وانتزع المسلسل المرتبة الأولى ضمن قائمة المسلسلات الدرامية الأكثر مشاهدة خلال النصف الأول من الشهر الفضيل، بحصة تراكمية بلغت 38.5 في المائة.
جاء ذلك في بلاغ صادر في الموضوع، حيث اعتبر صناع العمل أن نجاحه راجع لحبكته الدرامية وأداء أبطاله المتميز، والمواضيع التي يتناولها، مؤكدين أن المسلسل يجمع بين التشويق والإثارة الدرامية، ويطرح أسئلة جوهرية حول العدالة، الحقيقة، والندوب التي لا تندمل مع مرور الزمن.
ووفق البلاغ، الذي توصلت “دابا بريس” بنسخة منه، يقدم “جرح قديم”، الذي يشهد مشاركة عدد من الممثلين من بينهم عزيز داداس، ماجدولين الإدريسي، عادل أبا تراب، راوية، زهيرة صديق، ونادية آيت، وآخرون، شخصيات تحمل أبعادا إنسانية معقدة، حيث لا يوجد خير مطلق أو شر خالص، بل مجموعة من التناقضات التي تعكس واقع الحياة. وتنجح الشخصيات في نقل مشاعر عميقة تتراوح بين الصراع الداخلي والبحث عن الحقيقة، ما يدفع المشاهد إلى الغوص في تفاصيل القصة والدخول في حالة ترقب مستمر.
وصرح مراد الخودي مخرج العمل وكاتب السيناريو، في البلاغ نفسه، أن نجاح المسلسل وحصده إشادات واسعة من النقاد والجمهور على حد سواء، يؤكد أن الدراما المغربية قادرة على منافسة أعمال عربية، مشيرا إلى أن “جرح قديم” تجربة درامية تطرح أسئلة عميقة وتدفع الجمهور للتفكير وإعادة النظر في مفاهيم العدالة والانتقام، والمصالحة مع الماضي.
و تدور أحداث المسلسل حول طبيبة نفسية تدعى “طام”، تعود إلى المغرب بعد سنوات من الغربة، حيث تقرر الانتقام من عائلتها التي حاولت قتلها وهي طفلة.
ويناقش سيناريو المسلسل ظاهرة يعانيها المجتمع المغربي، وهي انتشار الشعوذة وربطها بجرائم اختطاف الأطفال، فحبكة “جرح قديم” ترتكز على شبكة من الأحداث المتداخلة بين الشعوذة كوسيلة لتحقيق المصالح الشخصية، وبين العواقب النفسية والاجتماعية التي تسببها، بينما يمكن للحسد والغيرة بين أفراد العائلة، أن يتحول إلى سبب رئيسي للجرائم، كما حدث مع الطفلة “زينب” التي وضعتها عمتها “الباتول” وعمها “هاشم” في صندوق خشبي، ورموها في جرف البحر، وكانت الطفلة ضحية لهذه المشاعر السلبية المتجذرة في الأقارب. كما يبرز العمل كيف أن بعض العائلات تعيش في دوامة من التنافس المرضي الذي قد يصل إلى حدود القتل، وهو ما يجسد أحد أوجه الصراعات الداخلية في المجتمع المغربي.
كما تتعرض بعض الحلقات إلى ظاهرة عمليات التجميل، وقضية انحراف الأطفال، بسبب الأب غير المسؤول الذي يزرع في أبنائه قيما منحرفة، إذ تصبح السرقة سلوكا متوارثا بدلا من أن يكون الأب قدوة حسنة، وهذه الظاهرة تكشف عن خلل أخلاقي داخل بعض الأسر التي تعاني من الفقر أو التفكك الأسري.
فيما تسلط الضوء بعض المشاهد الأولى على الهوس المتزايد بعمليات التجميل، كما حصل مع شادية ابنة لباتول، التي تعرضت لتشوه على مستوى الوجه، بسبب كثرة عمليات التجميل، فخسرت زوجها ونفسها واضطرت لتلقي العلاج في مصحة للأمراض النفسية.
ويعتبر عودة طام إلى المغرب بعد سنوات الغربة نقطة تحول رئيسية في الأحداث، إذ تضع هدفا أساسيا أمامها وهو الانتقام من عائلتها، التي حاولت قتل الطفلة التي كشفت مشاريعهم غير المشروعة، لتتجسد فكرة العدالة المؤجلة والبحث عن الانتقام كوسيلة لاستعادة الحقوق، مما يخلق صراعا داخليا داخل الشخصية بين الواجب المهني كطبيبة نفسية والرغبة في الانتقام.
وتتأسس دراما “جرح قديم” على تحليل سوسيولوجي للتحولات الخطيرة في العادات والتقاليد المغربية، إذ تناقش حياة الطبقات الشعبية وما تواجهه من أزمات، مثل الفقر والتفكك الأسري، والصراعات العائلية التي تتحول أحيانا إلى صراعات قاتلة، كما في حالة زينب التي كانت ضحية لحقد وغيرة أقاربها، ثم من خلال تناوله لقضية الشعوذة وربطها بجرائم اختطاف الأطفال، والاعتقاد الراسخ ببعض الخرافات، وكيف تستغل هذه الممارسات لتحقيق المصالح الشخصية، وخروج الأبناء عن سيطرة الآباء وهو في الحقيقة يعبر عن خلل في الوعي المجتمعي والتنشئة الأسرية.
كما يعمد المسلسل إلى توظيف مشاهد سيكولوجية للشخصيات التي تعاني من اضطرابات داخلية نتيجة الضغوط الاجتماعية والبيئية المحيطة بها، فالغيرة والحسد في عائلة زينب يتحولان إلى دوافع عدوانية تدفع أفرادها إلى ارتكاب الجرائم، وهذا جانب نفسي معقد، كما يظهر تأثير الهوس بالمظهر الخارجي من خلال شخصية “شادية” التي دفعتها عمليات التجميل المفرطة إلى التشوه والانهيار النفسي والاجتماعي.