حوارات

سعيد ناشيد: نمط التدين الموروث لم يعد مناسبًا للدولة الوطنية 2/1

تعيد “دابا بريس” نشر نص الحوار الذي أجرته صحيفة الدستور المصرية مع المفكر والباحث المغربي، سعيد ناشيد وباتفاق معه.

يري المفكر المغربي سعيد ناشيد، أن نمط التدين الذي ورثناه عن فقه عصر التوسعات الإمبراطورية لم يعد مناسبًا لزمن الدولة الوطنية، بل بات يمثل تهديدًا صريحًا للأمن والسلام، وأشار في حواره لـ”الدستور” إلى ضرورة تخليص الخطاب الديني من المفاهيم القديمة من قبيل “الطاعة، والبيعة، والجماعة، وأهل الذمة، والولاء والبراء، ودار الحرب ودار الإسلام”.

وحول إمكانية أن تتحول تنظيرات تجديد الخطاب الديني إلى واقع ملموس، قال إن ذلك ممكنًا عندما تُترجم التنظيرات إلى برامج إصلاحية واقعية فيما يخص خطب الجمعة، ومناهج التعليم الديني، وبرامج الإعلام ذي الصبغة الدينية، لافتًا إلى أن ثمة علماء دين بدأوا ينتفضون ضد “الجهل المقدس” لأجل الإصلاح الديني، وإلي نص الحوار:

ــ يذهب مفكرون إلي أن القهر والتعذيب الذي تعرض له دعاة “الإسلام السياسي” هو سبب تنامي ظاهرة الإرهاب.. كيف تري الأمر؟

* إذا كان الحكام الذين دعموا الإسلام السياسي لم يسلموا من غدره في لحظات الشعور بالتمكين (أنور السادات، بيناظير بوتو، إلخ)، فهذا يعني أن المآل لا يتعلق بسوء المعاملة أو حسنها، وأن الأمر يصعب تفسيره بمنطق الفعل ورد الفعل، ولا يخفى على أحد أن “الجهاديين” يتمتعون بقدر كبير من الحرية والكرامة الإنسانية داخل المجتمعات الغربية، ورغم كل ذلك لا يتورع كثيرون منهم عن التسبب في مشاكل أمنية مجانية.

ولذا يمكنني القول، إن المعضلة أعمق من المستوى السياسي أو الاقتصادي؛ فهى تكمن تحديدًا في مستويات اللاشعور الجمعي، وأقصد بذلك وجود حالة مرضية بلغتها مجتمعاتنا جراء الشعور بالهزيمة والعجز والفشل، وتغول الانفعالات السلبية داخل الخطب الدينية في غالبية المساجد، ومناهج التعليم الديني، فضلاً عن أدعية الحقد والكراهية والتي تنمي الانفعالات السلبية.

ـــ في كتابك “رسائل في التنوير العمومي” قدمت روشتة لعلاج مظاهر التدين الشكلي٬ والتطرف الديني الذي لم يحمل سلاحًا بعد٬ متي يمكن أن تتحول هذه الرسائل لواقع علي الأرض؟

* سيتحقق ذلك عندما يدرك الجميع حاكمين ومحكومين بأن نمط التدين الذي ورثناه عن فقه عصر التوسعات الإمبراطورية لم يعد مناسبًا لزمن الدولة الوطنية، بل بات يمثل تهديدًا صريحًا للأمن والسلام، وسيتحقق ما رميت إليه في “التنوير العمومي” عندما يدرك الجميع أن الإصلاح الديني مطلب أمني وتنموي، وهو بعد كل ذلك حاجة حيوية لأجل حفظ الدين نفسه.

ــ متي وكيف يتحرر الله من أسر الفقهاء والمتطرفين؟

* لأجل استرداد الله الذي اختطفه الفقهاء والمتطرفون لابد من تحديث الخطاب الديني، لابد من تخليص الخطاب الديني من مفاهيم القدماء، مثل الطاعة، والبيعة، والجماعة، وأهل الذمة، والولاء والبراء، ودار الحرب ودار الإسلام، إلخ.

لابد من تخليص الخطاب الديني من الانفعالات السلبية، من قبيل انفعالات الغضب والغيرة والثأر والخوف، والتي يعتبرها بعض الخطباء -ويا للأسف- من أخلاق المؤمن؛ إذ يكثرون من ترديد عبارة “الغضب لله”، و”الغيرة لله”، و”الخوف من الله”، بينما حين يملأ الغضب أو الغيرة أو الخوف القلب لا يترك فيه لله من مكان؛ فهذه في آخر المطاف بمثابة انفعالات سلبية سرعان ما تنتهي إلى تدمير القدرة على العيش المشترك.

ــ هل مطلب العلمانية يتماشي ومجتمعاتنا العربية؟

* معنى العلمانية أن تقف الدولة على مسافة واحدة من كل الأديان والمذاهب والتيارات الدينية، أي ما يسمى بالحياد الديني والمذهبي للدولة.

دور الدولة بشكل عام هو تحسين ظروف الحياة الدنيوية، من قبيل شق الطرق، وتشييد القناطر، وبناء المصانع، إلخ، وكل هذا لا يتحقق إلا في الحياة الدنيا، ثم أننا نطالب الدولة بهذه الأشياء حتى مع علمنا بأنها في الدنيا تنفع “المؤمن الناجي” و”الكافر الهالك” على حد سواء، ولن تنفع “المؤمن الناجي” في الآخرة. بل ندرك بالحس السليم بأن الحياة في الآخرة ليست مهمة الدولة بأي حال من الأحوال، وليست مهمة الآخرين في آخر الحساب، بل كل شخص مسئول عن رهانه بمفرده طالما (لا تزر وازرة وزر أخرى)، وأن لا أحد يملك اليقين حول مآله الأخروي مهما فعل، أو ظن أنه فعل. أعتقد أن هنا بالذات يكمن مبدأ المرجئة قديما (فرقة من فرق علم الكلام).

ــ كيف تتحول تنظيرات الإصلاح الديني لواقع ملموس؟

* سيصبح ذلك ممكنًا عندما تُترجم التنظيرات إلى برامج إصلاحية واقعية فيما يخص خطب الجمعة، ومناهج التعليم الديني، وبرامج الإعلام ذي الصبغة الدينية، ونحو ذلك. البوادر بادية، وثمة علماء دين بدأوا ينتفضون ضد “الجهل المقدس” لأجل استرداد إنسانيتهم. لكن ينتظرنا الكثير من الجهد والعمل.
قلت “إذا لم تكن لديك حلولا لمشاكل الناس فقل لهم: الإسلام هو الحل٬ لن يفهموا ولكن لا أحد سيجرؤ علي الاعتراض”!

“الإسلام هو الحل”، هذا هو الشعار الذي سوق له الإسلام السياسي سواء في المغرب أو مصر أو في كل مكان، أن تقول “الإسلام هو الحل” معناه ألا يكون لديك أي حل، بل معناه ألا تكون لديك أصلًا أي مسألة واضحة، لأن ادعاء أن الإسلام هو الحل يقتضي طرح السؤال أولا: أين المسألة؟ أن ترفع شعار الإسلام هو الحل، بمناسبة أو بدون مناسبة، معناه أنك فقط تريد أن تحرج المسلمين بالإسلام تمامًا مثل ذلك الشخص الذي يقول لك “إن شاء الله” لكي لا يلزم نفسه بأي وعد نهائي، أو برنامج عمل واضح، وفي آخر المطاف هو يريد أن يخرسك باسم مشيئة الله. هذا هو مغزى الإحراج بالدين.

ــ ما هو دور المثقف في المواجهة الفكرية للإرهاب؟

* دوره الأساس هو التنوير العمومي. وهذا أعز ما يطلب في هذه الظروف المشحونة بالفتن والحقد والكراهية، لم يعد المثقف التنويري تعوزه الوسائل، فهى متوفرة في زمن ثورة المعرفة والتواصل، يحتاج فقط إلى الأسلوب المناسب والذي أختزله في ثلاث كلمات: البساطة، الوضوح، والمصداقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى