الرئسيةرأي/ كرونيك

‬مجرد النية في‮ ‬الإصلاح‮ … ‬ممنوعة‮!‬

لقد كانت هناك سابقة في‮ ‬الغرفة الثانية‮ ‬،‮ ‬عندما تم إخبار النواب برفض الحكومة لمشاريع قوانين قبل إحالتها على‮.. ‬اللجن‮!‬ وسرعان ما انتقلت العدوى إلى الغرفة الأولى،‮ ‬فأصبحت تُرفَض من قبل أن‮ ‬يرتد للفرق طرْفها‮!.‬

حميد اجماهري
بقلم الصحافي والكاتب حميد اجماهري

قد تدفعنا الحكمة إلى أن نعتقد‮ ‬بأن البرلمان المغربي‮ ‬والحكومة كيانان منفصلان،‮ ‬غير أن المشهد الذي‮ ‬صار‮ ‬يتكرر أمامنا‮ ‬يدفعنا إلى الاعتقاد بأن فصل السلط في‮ ‬ما بينهما،‮ ‬مجرد احتمال من بين احتمالات أخرى،‮ ‬وليس‮ ‬بالضرورة ثابتا سياسيا ودستوريا‮…!‬

فلم‮ ‬يجد البرلماني‮ ‬الاتحادي‮ ‬محمد ملال،‮ ‬في‮ ‬جلسة الاثنين الماضي‮ ‬أمامه من منفذ سوى أن‮ ‬يستنجد بالدستور والنظام الداخلي‮ ‬للقبة،‮ ‬لكي‮ ‬يستنكر ما اقترفته الحكومة في‮ ‬حق البرلمان بمشاركة سلبية من رئيس الغرفة الأولى‮. ‬

وفي‮ ‬نقطة نظام،‮ ‬هي‮ ‬في‮ ‬مرتبة‮ «‬الحوقلة‮./ ‬لا حول ولا قوة إلا بالله‮»‬،‮ ‬نبه إلى أن الحكومة راسلت اللجن عن طريق رئيس البرلمان،‮ ‬لتخبر رؤساءها برفض مقترحات القوانين التي‮ ‬يكونوا قد فكروا فيها‮!‬

وقد كان على السي‮ ‬محمد ملال أن‮ ‬يلجأ إلى لغة كنا نعتقد بأنها‮ «‬نسيت‮ » ‬مرحلتها،‮ ‬لغة تعود إلى ما قبل إصلاحات‮ ‬2011‮ ‬وربما إلى ما قبل‮ ‬1996،‮ ‬لكي‮ ‬يضع الأمور في‮ ‬نصابها‮ ‬،‮ ‬ويذكر‮ ‬رئاسة البرلمان ورئاسة الحكومة ببداهات الديموقراطية‮.‬

‮ ‬وأمامنا مشهد كامل‮ ‬يدل على هذا الاستنتاج،‮ ‬عندما‮ ‬يضطر البرلماني‮ ‬إلى تذكير رئيسه في‮ ‬الغرفة الأولى بأنه ليس ساعي‮ ‬بريد لرئيس الحكومة ولو‭ ‬كان رئيسه في‮ ‬الحزب،‮ ‬وتذكيره بأن التواجد في‮ ‬نفس الأغلبية لا‮ ‬يعني‮ ‬أن‮ ‬يصير البرلمان ظلا للحكومة،‮ ‬ولا مجرد شِعْب‮ ‬من شعاب البلاد تُرجع الصدى كما‮ ‬يصلها،‮ ‬مع فارق واضح في‮ ‬خفوت الصوت‮ !‬

‮ ‬والواقع أن هذه الصورة تثير القلق،‮ ‬وقد تكررت مرتين إلى حد الساعة،‮ ‬وهي‮ ‬من نوع المسلكيات السياسية والمؤسساتية التي‮ ‬لا تمر بدون عواقب على السير الديموقراطي‮..‬

فأن تراسل الحكومة رؤساء الفرق‮ ‬والمجموعات،‮ ‬عن طريق رئيس البرلمان،‮ ‬تخبرهم فيها بأنها ترفض مقترحات قوانين‮ ‬ينوون مناقشتها،‮ ‬فمعنى ذلك مصادرة على المطلوب،‮ ‬ورَدٌّ‮ ‬يسبق‮… ‬النية‮!‬

لقد‮. ‬اضطر‮ ‬البرلماني‮ ‬الاتحادي‮ ‬للاحتماء بالنظام الداخلي‮ ‬للمجلس والدستور معا،‮ ‬لكي‮ ‬يعرب عن الغضب والاستنكار،‮ ‬واستنفر المكتب الموقر للقبة ورؤساء الفرق،‮ ‬محفزا لهم على الهمة الديموقراطية والحمية الدستورية‭ ‬لعل ذلك‮ ‬يفضي‮ ‬إلى حل لما سماه عن حق بـ‭”‬المعضلة‭”‬‮..!‬

‮ ‬وما كان له أن‮ ‬يفعل ذلك لو أن كل مؤسسة عرفت قدرها الديموقراطي‮. ‬أما ما حدث،‮ ‬فهو‮ ‬يقنعنا كما لو أن الحكومة والبرلمان‮ ‬غير معنيين بتقديس النص الدستوري‮ ‬ومقتضيات‮ ‬النظام الداخلي‮..‬

رشيد الطالبي

‮ ‬ورئيس مجلس النواب الذي‮ ‬وجد نفسه،‮ ‬باسم التضامن الأغلبي،‮ ‬مجرد ساعي‮ ‬بريد للحكومة،‮ ‬كان عليه أن‮ ‬يَجْنح إلى تنبيه رئاسة الحكومة‮..‬لا إلى تنفيذ أوتوماتيكي‮ ‬لإرادتها‮.‬

كل الذين‮ ‬يتابعون المشهد أو‮ ‬يشاركون في‮ ‬اللعبة،‮ ‬يجدون من الروتيني‮ ‬تكرار هذه المخاوف بعد أن استقرت الأغلبية في‮ ‬نعيم تغولها‮.. ‬وفصلت المؤسسات على مقاس رغباتها‮… ‬ولم‮ ‬يعد لنا ما ندافع عنه من أدوار‮… ‬

‮ ‬لقد كانت هناك سابقة في‮ ‬الغرفة الثانية‮ ‬،‮ ‬عندما تم إخبار النواب برفض الحكومة لمشاريع قوانين قبل إحالتها على‮.. ‬اللجن‮!‬
وسرعان ما انتقلت العدوى إلى الغرفة الأولى،‮ ‬فأصبحت تُرفَض من قبل أن‮ ‬يرتد للفرق طرْفها‮!.‬

‮ ‬ولا شك أن الذي‮ ‬يقرأ في‮ ‬الأمر نوعا من تعليق السياسة،‮ ‬بفعل تعليق المعنى الدستوري‮ ‬لها،‮ ‬سيكون على حق‮..‬
والمؤسسات لم تشيَّد لكي‮ ‬تسعف المتحكمين في‮ ‬ميزان القوة السياسي،على‮ «‬كاستنغ‮» ‬فارغ‮ ‬وعابر في‮ ‬تدبير الشرط الديموقراطي‮..‬

لأن ذلك معناه اختلال الأدوار الديموقراطية لها‮..‬

 

‮ ‬نضيف إلى ذلك بأن المناخ العام لا‮ ‬يسمح بذلك‮.. ‬لا‮ ‬يسمح وسط الشكوك في‮ ‬الإقلاع الاقتصادي،‮ ‬والشكوك في‮ ‬الرفع من نسبة النمو والشكوك في‮ ‬انخفاض البطالة بالشكل المطلوب والمساعد على‮ «‬تحفيز المواطنة‮» ‬لدى المغاربة‮..‬وعندما‮ ‬يكون المناخ مناخ أزمة وترقب‮ ‬للتضخم والبطالة والغلاء في‮ ‬المعيشة،‮ ‬لا‮ ‬يمكن أن نستسهل ما‮ ‬يقع في‮ ‬القبة،‮ ‬من تقليص لأدوار اللجن‮ ‬والبرلمانيين‮.‬

على الناس أن‮ ‬يجدوا في‮ ‬المؤسسات تعبيرات عن‮ ‬غضبهم حتى لا‮ ‬يختاروا الشارع‮..‬
ولقد سبق أن عبرنا عن مخاوفهم بجنوح بالكاد‮ ‬يخفي‮ ‬نفسه في‮ ‬إغلاق الحقل السياسي،‮ ‬ولعل ما‮ ‬يحدث في‮ ‬القبة هو أحد عناوينه‮..‬المثيرة للقلق‮.‬

‮ ‬ومن قراءاتي‮ ‬النابعة مما‮ ‬يمور في‮ ‬خرائط سياسية أخرى قطعت أشواطا في‮ ‬الممارسة الديموقراطية وصلابة المؤسسات،‮ ‬ما ورد‭ ‬في‮ ‬أرضيات الاشتراكيين الديموقراطيين،‮ ‬الذين‮ ‬يرون اليوم في‮ ‬دولة‭ ‬هي‮ ‬مهد الديموقراطية النموذج،‮ ‬ما‮ ‬يفتح الباب للتأمل النقدي‭.‬‮ ‬

‮ ‬وتفيد تخوفات الديموقراطيين الاشتراكيين،‮ ‬الذين نعتبر جزءا من أفقهم الإنساني‮ ‬والفكري،‮ «‬أن إحدى علامات ضعف ديموقراطيتنا وتضعضعها‮ ‬الأكثر بروزا للعين،‮ ‬هي‮ ‬الاحتكار المتنامي‮ ‬لسلطة عمودية،‮ ‬من طرف نخبة متجانسة سوسيولوجياً‮ ‬ومحدودة‮. ‬

وسواء في‮ ‬دواليب القرار أو في‮ ‬المقاولات والمؤسسات الإنتاجية،‮ ‬توجد السلطة بين أقلية محدودة تنسى‭ ‬أن الرفض قبل وضع المشاريع وقبل عرضها على النقاش العمومي‮ ‬والمؤسسات،‮ ‬لا معنى له سوى أن‮ ‬الحكومة حاسمة في‮ ‬قناعتها‮:‬‭ ‬ وأن‮ ‬مجرد النية‮ ‬في‮ ‬الإصلاح‮ …. ‬ممنوعة‮!‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى