رأي/ كرونيك

تحرير الملك العام بعين السبع ومسؤولية استفحال الأمر

أخازي5
بقلم: خالد أخازي روائي وإعلامي

فجأة… خرج باشا بمنطقة ما بعين السبع وبكل حزم وصرامة لتحرير الملك العمومي، تسبقه تلك الجرارة الهدامة التي قلبها من حديد لا تسمع أنينا ولا نحيبا..
تقوم بما تؤمر به…
تلتهم الخشب والحجر والحلم…
أنيابها تغرسها في السقوف البهية.. والحيطان الخشبية… فيشعر أصحابها كأنها رماح في صدروهم…
هذا هو القانون…. سامحوني… قاس وأعمى..
لا تفرق بين مقهى كلود وأخرى بطواجين يدبر يومها حماد أو الجيلالي….

في البداية انطلقت العملية في أماكن مصنفة بأحياء الهشاشة…
قال: البعض…. “حكروا علينا امشو للأحياء الغنية… ومقاهي الشاطئ… و…. و…..”
المهم… هذه الجرافة… لا ترحم… قد تصل يوما لأحياء كل شيء فيها مراقب بالكاميرا…حتى حينما يتغوط كلب الجيران…
ها هي تهد الأحلام والاوهام…!
والباشا بين حزم حين يتطلب الأمر ورقة حين يتطلب موقف لينا يعقبه شدة..
هذه الجرافة…لا مشاعر لها… لا تفهم نظرة حزينة لبائع محطم الإرادة…ولا شهية لها وهي تتربص بالطواجين واللحم والخصر والفواكه
وليكن… فهي دكاكة كباقي الدكاكات…
تحرير الملك العمومي مطلب شعبي… لا شك في الأمر.. وإعادة الاعتبار لسلطة الدولة وهيبة الداخلية…
احتلال الملك العمومي وتحويله إلا سقوف عشوائية وممرات مقرصنة يشوهان زينة العمران والبنيان… ولا يحتاج إلى مسطرة… بل فقط التدخل الآني لرجل السلطة…
نرفع القبعة لهذا الباشا الرشيق الذي يبتسم للمواطنين ويقسو حين تجب القسوة والحزم….لا مساومة نفسية عند تطبيق القانون…باشا بعين السبع صاحب البدلة الزرقاء الذي كان حادا وصارما… وناعما مع ” المواطن الصالح”…
لا أعرف… هل هو باشا جديد…؟
يبدو محبوبا رغم صرامته..
لأن مثل هذه العمليات…أحيانا تكون إعلانا لحاكم جديد لمنطقة…
أو تكون… إعلانا لقطيعة مع سياسة سلطوية سابقة…
أو تنفيذا لتوصيات مسؤول ترابي أعلى… له حسابات وطموحات.. والإعلام أصبح وسيلة تضاف للسيرة الذاتية…
وقد تكون حملة سنوية لا غير… يعقبها تراكم جديد..

لكني أريد أن أسال سي لفتيت….
وأعلم أن له قلبا يتسع لأسئلتنا مهما كانت محرجة وقاسية…
ألا ترى أن هذه العمليات التي تكون موسمية لتحرير الملك العمومي وبتلك القوة والكثافة تدين بعض المسؤولين الترابيين ..؟
فالواقع مؤشر زمني…. والزمن شاهد أن هذا الواقع هو عملية دامت لسنوات…؟
فالتراكم… ووجود هذه الخروقات… وكثرة المقاهي التي تتناسل بشكل قوي مع احتلال الأرصفة وغيرها واحتلال ما يمكن احتلاله تم تحت أنظار أعوان السلطة والذين يخبرون مسؤول السلطة الترابية بكل لقلاق احتل هانة نخلة… بل هل رجل السلطة لا يملك خريطة منطقته ويقوم بزيارت ميدانية ليؤشر على التحولات غير القانونية….؟

لمَ لا يكون العمل فوريا… وفي حينه… حتى لا تتحول عملية الهدم الجماعية وهي شرعية دراما إنسانية ومأساة للأسر الذين بنوا حياتهم على الصمت والإهمال والتقاعس….ولأننا ننزه رجال السلطة ونساءهم… نقول إن الأمر مرتبط فقط بغياب إرادة الفعل الميداني اليومي… وفي غياب هذه المقاربة يصبح المحتل مظلوما… واحتلال الملك العام حقا… لأن الزمن يلعب دورها في تغيير خرائط الأحياء في ظل الصمت…
هو أن مركزة القرار تقيد فعالية رجل السلطة في منطقته…ربما… مجرد افتراض…

نعم… أتابع من حين لآخر… هذه العمليات القانونية والتي تترك ارتياحا غامرا في قلوب المواطنين لكنها غالبا تأتي في زمن متأخر جدا… عمليات تحول المحتل ضحية… وخارق القانون مظلوما… تأتي بعد أن تتحول معالم حي أو شريط ساحلي لمدة من زمن وتعطي انطباعا مزيفا عن قسوة رجال ونساء الداخلية… لأن العملية ليست يومية ومن صميم العمل الميداني سياسة القرب…. فالخروقات تتراكم والتحولات والتشوهات تتفاقم وتستفحل لأن هناك عينا لا تريد أن ترى… وأذنا تسمع لكن بها وقرا… ولأن هناك من لا يريد تخليق عمل الإدارة وتنزيل الحكامة ومنح رجال ونساء السلطة الضمانات القانونية والدعم الأمني لإنفاذ القانون في جو لا يعرض حياتهم للخطر.. فالبلطجيون… “سابو” وعاثوا فسادا ونشروا الرعب… واحتلوا الزوايا والأرصفة…هم مخيفون حقا…

سي لفتيت… فتت هذه المنظومة التي لا تتأسس على التعاقد بالمؤشرات… وربط الترقية بالأداء… والتفتيش الميداني…. فعمل رجل السلطة لا أن يقول عنه الأخرون” مزيان” فالصرامة والجدية قد تحصدان الأعداء… وتقييم /تقويم رجال ونساء السلطة يجب أن يتأسس على دفتر تحملات… على مشروع شخصي.. لا على ملفات تحصي ما قد يكون مضرا لمسؤول ترابي يخدم بجدية ولكن جهة ما حشره في زاوية” دخل سوق راسك”..

الحماية المعنوية والنفسية ضرورية لرجال ونساء السلطة… فالبلطجة آلة خطيرة تحول دون تطبيق القانون…
لا تغرنك الوقفات الاحتجاجية ضدهم فأحيانا تكون مغرضة والهدف منها الحد من فعالية رجل سلطة صارم… والتآمر ضده ليصمت…
لنعد إلى العمليات الهوليودية لتحرير الملك العمومي التي تأتي على الأخضر واليابس خيث يكون فيها رجال ونساء أشداء… لكن في وضع حساس وخطير..
قد يبدو للآخر من لا يعرف القانون أن العملية ظالمة..
والسبب كما أكدت هو هذا التراكم… والتدبير غير الجيد للزمن…
العمل الميداني اليومي هو الحل…

لا الحملات التي تبدو قاسية لأنها تطال المئات… وتأتي بعد استفحال الظاهرة… والتطبيع معها حتى يصبح الخرق حقا…
القضية ليست مرتبطة بعمليات تستهدف ضحايا هم أصلا خارقون القانون…
المشكل أؤكد في تدبير الزمن…وفي وجود إرادة للعمل الميداني وعن قرب… في عدم التساهل… مع حماية رجال ونساء السلطة من البلطجة والإهانة والمس بشرفهم وهم يقومون بعملهم…
وهنا لابد من تنسيق مع كل قوى الأمن وحفظ القانون .. فهيبة الدولة لا تجزأ
في التدخل الفوري قبل تراكم الحالات وتحول العملية إلى مهرجان للدموع.. مما يسئ لصورة الوزارة…
وأنتم تتدخلون بقوة لإعادة الأحياء والأرصفة إلى المواطنين…. يجب أيضا مساءلة المسؤولين عن تلك المناطق عن استفحال الظاهرة وعن الصمت الذي يخلق واقعا عشوائيا….
يجب مساءلة كل مسؤول عن هذا التراكم الذي يصعب إنسانيا عملية التحرير…
ويظل سؤال المواطنين بعمالة مقاطعات عين السبع الحي المحمدي وربما مناطق أخرى… عن طبيعة العملية التي تبدو لهم انتقائية وتتحاشى فضاءات راقية…
الإحساس بالغبن وعدم الإنصاف والعدل والمساواة في تطبيق القانون يصنع اليأس…
فلا تكونوا من صناع اليأس وأنتم تعلمون خطورته…

لم نر هذا يقع في الصخور السوداء مثلا…
لم نر مقاهي ذات سمعة دولية تلتهم واجهاتها أنياب الجرارة التي قلبها من حديد..
ولأننا ننزه ونحسن الظن برجال ونساء لفتيت نظن أن الأمر مرتبط بخطة إقليمية دقيقة… وأنه سيحين وقت إسقاط ما يجب أن يسقط مع ربط المسؤولية بالمحاسبة. وفق تعاقد بين المسؤول الترابي وإدارته… و مساءلة كل مسؤول تتناسل العشوائية على بعد أمتار من مقر عمله ضروري لهيبة الدولة وسلطتها الشرعية .
ننتظر مرور الجرافات وباشا ببدلة زرقاء صارم بروش نوار والساحل البحري…
ليصمت من أحسوا ب “الحركة”…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى