الرئسيةرأي/ كرونيكميديا وإعلام

انتقلت من حالة مَرضية معتادة إلى اعتياد مَرضي..حسن أوريد يكتب: الشعبوية أو الخطر الزاحف

بقلم حسن أوريد

أعادت التظاهرات، التي هزّت فرنسا ضد قانون إصلاح التقاعد، موضوع الشعبوية إلى واجهة الأحداث، بعد فصل السترات الصفراء. التمرد الراديكالي الذي يغذي الاحتجاج، هو وجه من وجوه الشعبية اليسارية، وهو توجه لا يستنكف من استعمال العنف.

 

وندرك أن اللجوء إلى العنف هو مؤشر على نهاية السياسة؛ لأن السياسة، من خلال الميكانيزمات التي أفرزتها التجربة الديمقراطية، من انتخابات وأحزاب وهيئات تمثيلية، هي محاولة لتصريف العنف وكبح جماحه.

لقد أضحت الديمقراطية في الغرب مُعتلّة، أو مصابة بما يسمى الوعكة الديمقراطية، ومن أعراض هذه الوعكة الشعبوية، سواء في شقها اليميني الذي يتجنى على الأغيار، أو اليساري الذي يصب جام انتقاده على الأوليغارشيات.

لم تعد الشعبوية حالة عَرضية، بل جوهرية، وانتقلت حسب واحد من كبار المختصين في الموضوع، من جامعة هارفارد، كاس ماد Cas Mudde، من حالة مَرضية معتادة، إلى اعتياد مَرضي، ومن ظاهرة قدحية، إلى رؤية إيجابية.

لم يعد كثير من السياسيين الغربيين يتورعون عن الفخار بكونهم شعبويين، ولا يجدون غضاضة في ذلك.

يمكن أن نوجز بعض عناصر الشعبوية، أو القواعد الناظمة لها في المناداة بالعودة للشعب، والنأي على كل ما يسيء التعبير عنه، من هيمنة النخب، ومؤسسات بيروقراطية، وهيئات وسيطة، وتوجهات عالمية، ولذلك تقترن الشعبوية بنقيض ما قد يَشين للسيادة الشعبية، بمناهضة النخب، ومعاداة المؤسسات، وتجاوز الهيئات الوسيطة، والمناداة بالنزوع الهوياتي، والدعوة إلى الحمائية، سواء السياسية بالتركيز على السيادة، أو الاقتصادية من خلال إجراءات حمائية، أو اجتماعية من خلال صفاء جنس أو عقيدة، بالدعوة كما في الحالة الأوروبية إلى أوروبا بيضاء ومسيحية، والتخندق ضد ما يسمى إلغاء الثقافة Cancel Culture.

الشعبوية والعالم العربي

تفشّي الظاهرة يثير الكثير من التساؤلات، فهل العالم العربي، يا تُرى، بأمن من موج الشعبوية؟ وبتعبير آخر هل يقع العالم العربي تحدت تهديد الشعبوية؟

ينبغي أن نقر بأن العالم العربي، لم يكن في منأى من الاتجاهات العالمية الكبرى، وسعت نخبه في حالات معينة، أن تسكب بعضاً منها وفق ثقافته، فالقومية العربية مثلاً، تحمل تأثير الإحياء الإيطالي والوحدة البروسية، والمؤثر الاشتراكي، وتأثر العالم العربي بعد موج النيوليبرالية بما كان يسمى توافق واشنطن، أي أن العالم العربي ليس قلعة مغلقة.

طرقت الشعبوية العالم العربي، في حالة مكتملة، تتوافر فيها عناصر الشعبوية، وهي الحالة التونسية، وتقوم على عناصر ناظمة حددها بعض علماء السياسية في وضع اليد على المؤسسات، والتأثير في مجريات اللعبة السياسية، وتغيير قواعد اللعبة، من خلال المقارنة مع كرة القدم، حيث يسعى اللاعب التأثير في الحَكم، ومعاكسة الخصم، وفي الختام، تغيير قواعد اللعبة.

عدا الحالة التونسية، يعيش العالم العربي، حالة من الشعبوية، في أسلوب الحكام، وفي وسائل الإعلام، التي تتأثر بما يسمى ما بعد الحقيقة، أي أن غايتها ليست تَجْلية الحقيقة وإبرازها بل طمسها، من خلال نصف حقائق، أو حقائق خارج سياقها، أو التعتيم، بل السقوط في البذاءة.

هذا الوضع الذي يتّسم بنوع من الشعبوية الذائعة، هو ما ينعته علماء السياسة بالشعبوية الأولى Proto-populisme يمكن أن ينتقل إلى شعبوية معلنة أو صريحة.

ظاهرياً، الشعبوية هي العودة إلى الشعب، وهي محاولة لاستعادة السيادة الشعبية.

ولكن الحقيقة هي أن الشعبوية تفضي إلى الإجهاز على السيادة الشعبية، وتنتهي إلى ما أطلق عليه عالم السياسة الفرنسي بيير روزانفالون Pierre Rosanvallon بالديمكتاتورية Démoctature بنحت كلمة، شطرها الأول من الديمقراطية والثاني الديكتاتورية، أي أن الشعبوية تفضي إلى ظاهر ديمقراطي، مع واجهة ديمقراطية، من أحزاب وانتخابات، ولكنها تنتهي إلى حكم فردي، وهيمنة حزب، وسطوة أوليغارشية وتحلل الهيئات الوسيطة.

الديكتاتور الإيطالي الفاشي بينيتو موسوليني – Flickr

التاريخ يعيد نفسه ولا يتكرر. التوجهات العامة تعيد نفسها، ولكن في أشكال مختلفة. هناك من يعقدون المقارنة ما بين الشعبوية والفاشية؟ يصعب عملياً المطابقة بينهما، لأن الشعبوية أسلوب، والفاشية أيديولوجية، ولكن عناصر القرابة قائمة، إذ يرى البعض أن الشعبوية متحورة عن الفاشية.

ولئن تفشّت الفاشية في أوروبا حسب الكاتب الفرنسي جوليان بويندا، فلأن هناك ما سماه “خيانة النخب”، عنوان كتاب أسال الكثير من المداد، لأن النخبة تعايشت مع الداء، ولم تواجهه قبل أن يستفحل.

فهل يجوز للنخب الفكرية والسياسية في العالم العربي، أن ترتكن لحالة تُنذر بالتوتر، وتقضي على المكتسبات المتراكمة فيما يخص المشاركة السياسية؟ الخطر حقيقي، ولا يمكن تجاهله، أو التقليل منه، قبل أن يبلغ حالة اللاعودة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى