مجتمع

«ثورة» المساواة بالميراث.. صراع جديد بين المحافظين و«الحداثيين»

في قرية «ولاد بن موسى» الواقعة غرب المملكة المغربية، تعيش السيدة مريم حداد مع ست شقيقات في معاناة كبيرة، فقد حرمن من ميراث والدهن المتوفى بعد أن استولى عليه ابن عمهن، سمحت الأعراف بهذا السلوك من ابن العم بسبب عدم إنجاب والدة مريم لذكور.

ولحل مشكلة «مريم» يرى مجموع من المثقفين المغاربة أهمية تعديل القوانين المغربية لفرض المساواة بالميراث بين النساء والرجال، فتلك التغيرات المجتمعية تفرض إقرارًا لهذه المساواة، لكن ردًا على هذا الخيار يرى الصف المحافظ في المغرب أن طلب المساواة أمر يخالف نصوص الشريعة الإسلامية، كما أن هذا الخلاف يظهر وجود صراع محتدم بين الصفين المحافظ والحداثي في المغرب، حيث تدعم جهات سيادية ما يعرف بملف «إصلاح الحقل الديني».

«ثورة» المساواة بالميراث
وقّع يوم 21 من مارس الحالي، عشرات المثقفين المغاربة على عريضة تدعو إلى إنهاء ما يعتبرونه تمييزًا ضد المرأة في قوانين الميراث، مطالبين بإلغاء «قاعدة التعصيب» في الإرث بذريعة أنه: «لم يعُد يتوافق مع ما طرأ على الأسرة المغربية من تحولات في السياق الاجتماعي الراهن؛ إذ تجعل النساء الأكثر فقرًا وأكثرَ هشاشة، وتجبر الكثير من الآباء على التخلي عن ممتلكاتهم لبناتهم وهم على قيد الحياة».

واحتدم الصراع حول المساواة في الميراث في المغرب مع دعوة رئيسة «مركز الدراسات النسائية في الإسلام»، التابع للرابطة المحمدية لعلماء المغرب «أسماء المرابط» للمساواة في الميراث بين الجنسين، واشتد النقاش بعد استقالة «المرابط» في 17 مارس 2018، أمام رفض دعوتها.

وحسب نداء مؤلفي كتاب «ميراث النساء»، فإن: «قاعدة التعصيب في قانون المواريث تعطي الحق للرجل في الاستفادة من الإرث كاملًا في حال كان الوريث الوحيد، في حين لا تستفيد المرأة من هذا الحق؛ إذ ترث فقط نصيبًا مقدّرًا معلومًا يسمى فرضًا، مما يعني أن الوارثات اللواتي ليس معهن شقيق ذكر، ينبغي عليهن تقاسم الإرث مع الذكور الأقربين من إخوة وأبناء إخوة وأعمام وأبناء عم وإن بعدوا».

وتصاعد صوت المغاربة المطالبين بتعديل قوانين الميراث بذريعة أهمية تماشيها مع التحولات التي يشهدها المغرب والتغيرات الاجتماعية، حيث أصبحت النساء تساهم في الثروة سواء بالبيت أو الثروة الوطنية، كما يرجع المنادون بالمساواة مطلبَهم إلى حرمان بعض المناطق في المغرب للنساء من حقهن في الميراث بسبب العادات، فعدم إنجاب الذكور يحرم الفتيات من الميراث وفقًا للأعراف التي تحكم.

تقول رئيسة فيدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة (فوزية العسولي) إن: «مدونة الأسرة حققت فعلًا طفرة مهمة في ظرف كان فيه المجتمع يعيش صراعًا بين القوى المحافظة والحداثية، وحاولت أن توفق بين الاتجاهين؛ ولكنها اليوم أظهرت مجموعة من التناقضات وجب تغييرها، لأنها تعرقل التطور المنشود»، وتضيف لموقع «هسبريس» الإلكتروني: «هناك فهم خاطئ للنص الديني، وأساس الإسلام هو العدل، وليس التشبث بالقشور والميز الذي لا تقبله الإنسانية، فهذا التيار يعمل على تشويه صورة الإسلام ومحاولته لعرقلة تطور المغرب، في وقت تعيش فيه الأمم والشعوب ثورات تكنولوجية».

ويظهر تقرير لهيئة الأمم المتحدة للمرأة وجود «تمييز كبير بين الإناث والذكور في موضوع المساواة بالإرث» بالمغرب، كما يتحدث التقرير عن أن 33% من المغربيات يؤيدن تغيير قانون الميراث من أجل المساواة بين الجنسين، وذلك مقابل تأييد 5% فقط من رجال المغرب.

ويذكر أنه قبل نحو 18 عامًا دخل المغرب في نقاش حول المساوة في الميراث حين طرح ما يُعرف بـ«خطة إدماج المرأة في التنمية»، ثم جاء التقرير الذي طرحه المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالتوصية بالمناصفة بين الرجل والمرأة في نظام الإرث في عام 2015 ليحدث جدل آخر، وقد لاقت هذه التوصية نقدًا ورفضًا، فاتهم رئيس الحكومة المغربية حينذاك «عبد الإله بنكيران» المجلس بإثارة الفتنة وأكد أن: «الإرث دينًا وليس سياسة، والله تعالى حسم الموضوع بقوله (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين)».

سلفيو المغرب يرفضون بحزم
«إن وجود أمثال هذه المنحرفة عن الشرع الجاهلة بأحكامه لا محل له من الإعراب ضمن مؤسسة علمية كبيرة، بل بقاؤها يفقد المؤسسة مصداقيتها وثقة الناس فيها»، هكذا هاجم أحد رموز التيار السلفي بالمغرب الشيخ (حسن الكتاني) رئيسة مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام (أسماء المرابط) على إثر مناداتها بالمساواة بالميراث بين الرجال والنساء.

وقد أطلقت رموز سلفية مغربية، عريضة إلكترونية تطالب بـ«الحفاظ على الميراث كما شرعه الله والمحافظة على التشريعات القانونية، التي يعتمدها المغرب، بما يتماشى مع النص القرآني المؤسس لقواعد الإرث في الإسلام»، كما أصدرت «الرابطة المحمدية للعلماء» كتابًا تحت عنوان «بصائر العارفين في تبيان حظوظ الوارثات والوارثين»، للتأكيد على رفضها فكرة المساواة في الميراث.

ويضم الكتاب الجديد «20 درسًا تطبيقيًا لعلم المواريث، خصص منها سبعة دروس للتعريف بعلم الفرائض، والأسس التي ينبني عليها التمييز بين الذكر والأنثى في الإرث، وبيان أركانه، كما بين أنواع الحقوق المتعلقة بالتركة، والفروض المقدرة شرعًا، وأنواع الورثة حسب استحقاقهم في الإرث» حسب المصادر المغربية.

وبين قطبي التأييد والرفض لقضية المساواة في الميراث، تتوسط أصوات تنادي بمناقشة المنظومة متكاملة، حيث تقول رئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية (عزيزة البقالي) إن: «قضية المساواة في الإرث تصعب مناقشتها معزولة، فهي جزء من منظومة متكاملة، فيها مجموعة من المسؤوليات والواجبات والتبعات، فيها نوع من التقسيم متكافئ في مجموعه وليس في بعض الأنصبة»، وتساءلت «البقالي»: «هل منظومة الإرث هي التي تساهم في كون النساء لا يأخذن حقوقهن فيما أنتجن من ثروة؟ أم أن هناك أمورًا أخرى تتم في الحياة العادية في حياة الأسر والمجتمع تجعل المرأة لا تأخذ حقها؟».

كما سخر نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي من مطالب المساواة بالميراث، ونددوا بما اعتبروه انفصالًا عن الواقع المأساوي في المغرب، لكون الأولى المطالبة بالعدالة الاجتماعية للشعب المغربية، وطلب هؤلاء بـ«العدالة والإنصاف للمناطق التي تئن تحت وطأة الفقر والهشاشة»، مؤكدين على أن: «المغاربة قد يتناقشون في بعض الأمور الدينية التي قد تحتاج إلى اجتهادات، لكن لا يمكن أن يجتهدوا مع نص قرآني».

صراع الإصلاح الديني والتيار المحافظ بالمغرب
عُرفت أسماء المرابط بمواقفها الجريئة فيما يخص تحليل النص الديني، فقد دعت إلى إنشاء لجنة ملكية يتناقش فيها الكل لاعتماد المساواة في الميراث بين الجنسين، وذكرت أن «إعطاء حصة متساوية للمرأة في الإرث في عمق مقاصد الإسلام، وليس ضده»، الأمر الذي عرضها لانتقادات شديدة من قبل السلفيين بالأخص كما أسلفنا، وقد دفعت لاتخاذ قرار بالاستقالة من منصبها يوم 17 مارس الحالي، وكذلك غادرت الفضاء الأزرق، وتوقفت عن الرد على أسئلة الصحافة واستفساراتها ولم تشارك في فعاليات حدد موعدها مسبقًا.

وقد أصدر «التحالف المدني من أجل تفعيل الفصل التاسع عشر» بيانًا أكد فيه على أن استقالة المرابط: «جاءت على إثر ضغوط قوية على الرابطة، من تيار التقليد والرجعية المختلفة، والتي ما فتئت تتربص بالمقومات والمكتسبات الديمقراطية للبلاد، على هشاشتها وفي غياب الحسم النهائي في الاختيارات الضامنة للمساواة التامة في إطار المواطنة».

وشدد على أن: «قرار إقصاء أسماء المرابط يتعارض مع التزامات الدولة المغربية ومع سعيها إلى إقرار فقه معتدل ومنفتح يتماشى مع الاختيارات الديمقراطية المعلنة في الدستور المغربي، الذي ينصّ على أن الاختيار الديمقراطي من بين ثوابت المملكة، وأنّ المرجعية الدولية لحقوق الإنسان كلّ غير قابل للتجزئة».

وتكشف استقالة المرابط عن وجود صراع محتدم خفي بين الجهات المكلفة بملف الإصلاح الديني بالمغرب، والتيار المحافظ، فـ«المرابط» التي تقود ما يعرف بملف «إصلاح الحقل الديني» بناء على تكليف من جهات عليا في الدولة تعرضت لضغوط قوية من قبل ما يسميها المغاربة بـ«رابطة العبادي» كناية عن معارضة الأمين العام للرابطة المحمدية «أحمد العبادي» لدعوات «المرابط»، ولذلك أحدثت استقالتها شرخًا بين الأقطاب، إذ لا يستبعد أن تطيح هذه الاستقالة بـ«العبادي» من منصبه لكون «المرابط» يُعول عليها بشكل كبير في الإصلاح الديني.

وعلى إثر هذه الاستقالة أصدر وزير الداخلية المغربي (عبد الوافي لفتيت) «أوامره لمواكبة الصراع المحتدم بين التيار الحداثي والآخر المحافظ عن كثب، خصوصًا تلك الآراء المتشددة الصادرة عن الفقهاء وشيوخ السلفية بالمغرب»، حسب موقع «هسبريس» الذي نقل عن مصادر مغربية تأكيدها أن «رفض كل من أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، والمجلس العلمي الأعلى، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، التعليق على الموضوع، يعكس عدم وجود إرادة ملكية في الفترة الراهنة لإثارة قضية إلغاء الإرث أو إلغاء قانون الإرث بالتعصيب، على مستوى المؤسسات الرسمية للبلاد».

«رفيقي».. سلفي طالب بـ«المساواة»
في أبريل تسببت دعوة سلفي سابق هو «محمد عبد الوهاب رفيقي»، بالمساواة بين الجنسين في الميراث بموجة من الاتهامات والانتقادات في المغرب.

فقد قال «رفيقي» في حلقة برنامج «حديث الصحافة» التي أذيعت يوم 16 أبريل إن: «موضوع الإرث يستحق أن يأخذ مكانًا في الحوار المجتمعي لعدة أسباب من ضمنها أن السياقات الاجتماعية التي شرعت فيها أحكام الإرث تغير كثير منها من قبيل البنية الاجتماعية والأدوار الاجتماعية للرجل والمرأة»، وتابع القول في البرنامج المقدم على القناة الثانية المغربية: «التشريعات التي تنظم العلاقات البشرية ليس بإمكانها أن تكون ثابتة بل تتطور والأصل في كل قانون أن يكون متغيرًا تبعًا لهذه المتغيرات».

ويقول «رفيقي» الذي يعمل الآن مديرًا لمركز الميزان للوساطة والدراسات والإعلام إن: «الثقافة الدينية السائدة متصلبة في هذا الموضوع، وتشيطن مثل هذه الدعوى، وتجعلها مناقضة للدين وغير قابلة للنقاش، مما يولد خوفًا عند الكثير من تجاوز ما يزعم أنه مُسَلمة دينية، رغم اقتناعهم بعقلانية الفكرة وموافقتها للمنطق»، ويضيف في تصريح لـ«العربي الجديد»: «بنية المجتمع المحافظة لا تتقبل مثل هذه الدعوة، بسبب العقلية الذكورية التي ما زالت مسيطرة، وحتى عند كثير من النساء، بحكم التدين والخوف من الله».

هذه التصريحات أغضبت العديد من المشايخ ودعاة السلفيين الذين اعتبروا هذه القضية خطًا أحمر، لا يناقش ولا يجادل، وقد وصل الأمر إلى حد تأكيد «رفيقي» أنه تلقى العديد من التهديدات وتم تكفيره، وقد رد العضو بحركة التوحيد والإصلاح الشيخ «عبد الله النهاري» على دعوة «رفيقي» في مقطع مصور، بالقول إن: «النصوص ثابتة لا يجوز أبدًا أن يتعداها الإنسان، الإرث قسمه الله، والآن جئتم أنتم، تستدركون، وتزعمون أن هؤلاء لم يفهموا القرآن وتتحدثون عن التغيرات كأن الله لم يكن عالمًا».

فيما قال الشيخ السلفي عمر الحدوشي، إن مسألة الإرث: «أمر مفروغ منه تمامًا مثل عدد الركعات، لأن ربنا تعالى هو الذي تولى قسمة التركة، وتوزيع الأنصبة الشرعية في الميراث، ولم يجعل أمرها في يد عالم من العلماء، مهما بلغ كعبه في أنواع العلوم، بل ولا جعل ذلك في يد الأنبياء والمرسلين»، ووجه «الحدوشي» وصفًا للداعين للمساواة بالميراث بالقول: «المتمسحون والمتزلجون على ثلج النفاق، من الإمعات الذين يخطبون ود الملحدين».

يذكر أن «رفيقي» كان ذا توجه سلفي، قبل أن يعتقل بسبب أفكاره إثر اعتداءات عام 2003 بالدار البيضاء، وتقول المصادر المغربية إنه قام في السجن بمراجعات فكرية، وأصبح يوصف لدى علمانيي المغرب بـ«المتنور والإصلاحي» بسبب دعوته العلنية للتجديد في النصوص الدينية وملاءمَتِها مع المتغيرات السياسية والاجتماعية في المغرب.
المصدر: موقع ساسة بوست الصحافية الفلسطينية ميرفت عوف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى