الرئسيةسياسةشواهد على التاريخ

الاحتكار العقاري الذي كانت له اليد الطولى في قصفها..مسلسل هدم المدرسة العمومية طمسا لذاكرة الدار البيضاء+صور

بقلم علال بنور

في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات، نشطت المقاولات العقارية خاصة بمقاطعة انفا، بحي كل من المعاريف ورسين وغوثي والمعاريف الممتد الذي يتجاوز شارع بئر انزران ، الذي كان يعرف سابقا بشارع DONTON، تحولت المنازل السفلية و الأراضي العارية الى عمارات ، فدخل المستثمرون المغاربة والعراقيون الى انفا ، رفقة الرأسمال الخليجي في الوقت الذي كانت فيه الدار البيضاء في اوج تطورها، هذا التطور الذي سيغير ملامح الاحياء السكنية بتراب عمالة انفا ، وسيدفع بالدار البيضاء الى ان تكون نموذجا للمدن الصاعدة في مجال المعمار العصري .

هذه المدينة ورثت المعمار الكولونيالي في احيائها القريبة من البحر، اما احياؤها الداخلية فقد حافظت على الطابع المعماري المغربي نموذج حي الحبوس.

في ظل هذه التحولات، بدأت مدينة الدار البيضاء يتوافر لها العناصر القوية، لكي تلعب دور المتروبول المالي/ الاقتصادي. ومن هذا المنطلق بالذات، بدأ المستثمرون في العقار يتهافتون ويتنافسون في بناء مظاهر التحديث العمراني للمدينة.

ان التحولات السوسيومجالية التي عرفتها احياء انفا، كانت وراء العوامل الموضوعية، التي أدت الى تراجع المؤسسات التعليمية العمومية، لصالح المدرسة الخصوصية، من عوامل هذا التحول:

– ظهور الاحتكار العقاري الذي كانت له اليد الطولى في قصف المدرسة العمومية والتي تعتبر جريمة تاريخية.

– ظهور احياء الطبقة الوسطى، التي تفضل تدريس أبنائها بالتعليم الخاص، الشيء الذي شكل ضربة تلقتها المدرسة العمومية.

– انسياق الحكومة في تجاوبها، مع قوة الرأسمال الاحتكاري العقاري على حساب الامن المعرفي للشعب.

– سياسة التقويم الهيكلي منذ 1983، ساهمت في تراجع دور المدرسة العمومية، ولا زالت هذه السياسة مستمرة بشكل او آخر، تتمظهر في تراجع الدولة عن دعم التعليم العمومي، والدفع بالاستثمار في التعليم الخصوصي.

عرف تراب جماعة انفا ، تحولات مجالية منذ أواخر السبعينيات ، انتقل كل من حي المعاريف و راسين وغوثي وأجزاء من حي بركون ، من سكن سفلي وفيلات الى عمارات عصرية، رافق ذلك أنشطة تجارية وغذائية عصرية، هذا التحول ارتبط بظهور طبقة اجتماعية وسطى، الشيء الذي انعكس على جغرافية المدرسة، ومعها انتشرت المدارس الخصوصية، التي تزامنت مع هدم العديد من المدارس العمومية التي سناتي على ذكرها، وبعضها اغلق في انتظار الهدم ، وذلك ارتبط بالذهنية الجديدة للأسرة الممتدة ، التي تيقنت ان لا تعليم لأطفالها الا بالتعليم الخصوصي، فبدأت الهجرة ،ويبقى المتضرر من عملية الهدم ، الاسر الفقيرة كحراس العمارات وخادمات البيوت والتجار الصغار والحرفيين وباقي القطاعات ذات الدخل المحدود .

ما السر في اغلاق وهدم المدرسة العمومية خاصة بتراب عمالة انفا؟
ما مصير الرصيد العقاري العمومي الذي سيطوله قريبا عملية الهدم والاغلاق؟
باي طريقة تحولت المدرسة من ملكية عمومية الى ملكية خاصة؟

ظهرت مافيات عقارية تتربص بالمؤسسات التعليمية العمومية المهجورة والمهدومة، بالمعاريف وسيدي بليوط وانفا، بهذه المقاطعات الترابية يساوي المتر المربع للشقق ما بين 15 و20 ألف درهم وهو اعلى سعر بالمدن المغربية.

وقفنا على العديد من المؤسسات التعليمية العمومية في الميدان، بالرغم اننا لم نتمكن من الحصول على احصائيات كافية وشاملة، يقول بعض العارفين، ان الوسط الحضري للدار البيضاء أصبح عقيما، لان التمدين اتجه نحو ضاحية المدينة. هل لهذا الكلام من معنى؟ ويقول عارفون اخرون بخبايا التعليم بمديرية انفا، ان الاغلاق والهدم يستهدف المدرسة العمومية، وتعد مقاطعة انفا من أكثر المقاطعات بالدار البيضاء التي شهدت الاغلاق والهدم للمدرسة العمومية. هل لصفوة ساكنتها الجديدة؟ ام يرجع ذلك الى سوء التدبير للقطاع؟ ام هي سياسة تهدف لضرب المدرسة العمومية؟

فمن بين المدارس التي تعرضت للقصف الرأسمالي العقاري نذكر:

– مدرسة ابن عباد لم يعد لها وجود، شيد مكانها إقامة طلابية جامعية خصوصية لطلبة المعاهد الخاصة.


– مدرسة la ferme blanche تحول اسمها الى مولاي يوسف، والمعروفة عند الساكنة بمدرسة القبة بنيت منذ الاستعمار الفرنسي ، لم يبق لها اثر ، حل مكانها حديقة بئيسة واغلب المساحة تحولت الى ملاعب القرب، فيها نادي لكرة القدم، تقع في مجال جغرافي به 10 مؤسسات تعليمية ابتدائية واعدادية تشكل مركب تعليمي ، اغلبها من خلال الواجهة، يعود بناؤها الى مرحلة الحماية الفرنسية ، و بعضها توقف نشاطها التعليمي فتحولت الى سكن ، والبعض منها لا زالت نشيطة تستقبل أبناء سكان المدينة القديمة، حدود هذا المجمع المدرسي ، شرقه درب الطليان وغربه شارع بوردو وشارع مولاي يوسف، ومن أسماء هذه المدارس مدرسة “كوغيي” يبدو من انعدام الاسم والعلم الوطني انها تحولت الى سكنيات ، ومدرسة ابي حنيفة واعدادية مولاي يوسف ومدرسة امنة بنت وهب، واخرى تحولت الى مركز دعم تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة ذهنية، وهناك أخرى تحولت الى سكن يضم عائلات فيهم عمال واداريين، بالقرب من هذا التجمع المدرسي توجد مدرسة الكندي لا زالت شامخة بتاريخها .

– مدرسة الكندي، لا زالت شامخة شاهدة على مرحلة الحماية الى بداية الاستقلال ، يقول مرافقي وهو من قدماء تلامذتها : كانت تسمى ” أيزنهاور” تطل البناية على شارعين ، شارع بوردو عبره المدخل الخاص بأبناء اليهود ، وشارع مولاي يوسف منه مدخل خاص لأبناء المغاربة ، تضم مسرحا ومطعما و بدون سكن داخلي ولا ملاعب رياضية ، كان التعليم ينقسم الى تعليم عام وتعليم مهني، يخص جميع التلاميذ من يهود ومغاربة ، اما بالنسبة للتعليم العام ، يتم الاختلاط فقط في مادة اللغة الفرنسية .

عند زيارتي لها من الباب المطل على شارع مولاي يوسف ، تبين لي بها سكن ، غير ان ساحتها تعكس بؤسها بالأزبال والاعشاب الجافة التي تدل على سنوات الإهمال . في السنوات الأخير كانت مطمح جمعية ثقافية، لتحول الى اكاديمية للفنون والثقافة، يستفيد منها أبناء الدار البيضاء بالمجان، غير ان هذا المشروع باء بالفشل، بل اقبر في مهده لسبب من الأسباب.

– مدرسة ابن باجة، عند زيارتنا لها، كانت الدهشة، تحولت من خراب الى مدرسة تحمل اسم مدرسة الفرصة الثانية ابن باجة، علقت على بابها لافتة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، كما تضم التعليم الاولي تحت اشراف اكاديمية التعليم بشراكة مع جمعية مؤسسة “جود ” للتنمية وجمعية “شروق”، صعب علينا الوصول الى مرجعية هاتين الجمعيتين.
– مدرسة رحال الفاروقي، دخلت في مرحلة حذف مستويات دراسية في افق اغلاقها.

– مدرسة عمر الخيام ومدرسة ابن عبد العزيز ومدرسة محمد اقبال في انتظار الهدم.

– مدرسة المنار، بمنطقة العنق تم اغلاقها.


– مدارس شارع الزراوي، منها مدرسة المنفلوطي، التي تحولت الى سكن لعائلات عرفت دورهم الهدم بالمدينة القديمة، بسبب تهالكها، ثم مدرسة الزراوي بنات وأخرى محاذية لها تسمى مدرسة الزراوي مختلطة تحولتا في هذه السنوات الأخيرة الى إقامة جامعية خصوصية.- بحي المعاريف هدمت اعدادية ابن طفيل، ومدرسة انس بن مالك المحاذية لها، حسب اللافتة، سيحل محلهما مركب سوسيو ثقافي لأسرة التعليم، غير ان الورثة الشرعيين رفضوا بناء المشروع على أساس ان والدهم وهب الأرض لبناء مؤسسة تعليمية منذ عهد الحماية، ولا زال المشكل عالقا الى يومنا هذا. قريبا من ابن طفيل توجد اعدادية ابن حبوس، التي تقلص عدد تلامذتها في افق الهدم. غير بعيد عن المعاريف يوجد بمحيط درب غلف ثلاث مدراس، منها مدرسة الحطيئة الواقعة امام مدرسة للأمينة والقريبة من المقاطعة 10 توقفت عن نشاطها التعليمي تنتظر الهدم.

– بشرق ولاية امن الدار البيضاء ومحاذاة لثانوية شوقي التي كانت تعرف بثانوية البنات، توجد اعدادية محمد عبده، التي تحولت الى مركز علاج الاسنان الخصوصي، وبجانبه مدرسة الشابي التي تحولت الى جامعة خاصة تدعى جامعة محمد السادس لعلوم الصحة. ما ثانوية شوقي التي تخرج منها تلميذات اليوم فيهن العالمات في العديد من التخصصات والكاتبات والمبدعات واستاذات واطر إدارية.

– مدرسة النخيل بحي النخيل، الذي كان عبارة عن سكن فيلات، اليوم تحول الى عمارات بشرق درب غلف. فتحولت معه، مدرسة النخيل الى مؤسستين خصوصيتين مدرسة النخيل للتعليم الاولي الخصوصي منذ 2017 تحت رقم رخصة 17/ 289/ 7، وجزء من المدرسة تابع لجمعية تحت اسم باب ريان منذ 2015 تحت رقم رخصة 1167/ 20 وبينهما مكاتب إدارية تابعة للتضامن الجامعي المغربي وهي كذلك تابعة لمدرسة النخيل التي طالها النزع.

 

ومن المؤسسات التعليمية التي تقلص فيها عدد التلاميذ، مدرسة خالد بن الوليد بحي المعاريف وثانوية ابن تومرت ومدرسة وادي المخازن المجاورة لها.

كل هذه المؤسسات التعليمية، شكلت مشتلا للعديد من الأطر المغربية، التي هي اليوم تحتل مناصب مهمة في دواليب الدولة والقطاع الخاص. ومن الغريب ان هذه المدارس التي هدمت واخرى في طريق الهدم في مجتمع تسوده الامية الابجدية.

عموما كانت مقاطعة أنفا الى حدود 2003 تضم 78 مؤسسة تعليمية عمومية، بين ابتدائية واعدادية منها 22 شملها الهدم او الاغلاق، والعدد في تزايد، في المقابل أصبحت انفا تضم 101 مدرسة خصوصية، يعود هذا التراجع في اعداد المدرسة العمومية بالأساس الى صمت وزارة التربية الوطنية، والتي فسحت الطريق للمضاربات العقارية، التي تقودها لوبيات، والتي تسعى للحصول على مشاريع مربحة، ولا يهمها المكانة التاريخية لهذه المدارس العمومية بقدر ما يهما الربح العقاري.

ثانوية الخوارزمي في القديم

بحسرة جلت مواقع هذه المؤسسات بالمعاينة، مع جمع معلومات حولها، وهي تذكرني بطفولتي، وللأسف طالتها يد المستثمر الذي لا يهمه تاريخ وعمران وجمالية تلك المؤسسات التعليمية، سوى الربح السريع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى