الرئسيةثقافة وفنونرأي/ كرونيك

الروائي والإعلامي خالد أخازي يكتب ..البيان الأدبي: التاريخ لا يرحم

من بِدَع هذا الزمن الثقافي الملتبس حد الغثيان أن دورا للنشر تناسلت كالفطر وتناسل معها الكِتَاب الخديج والهجين والهويات الثقافية الواهمة… ولم تعد لنا مفاتيح جمالية لفك شفراتها المكتوب، وظهر موسم الشهادات الكثيرة الخواتم والصفات والإحالات على لندن وأمريكا وهما، والتي توزع بعد صياغتها بالفوتوشوف من درجات عليا ودكتوراه وشهادات فخرية من أكاديميات فيسبوكية وتعيينات غريبة، وسفراء وسفيرات للإنسانية والثقافة…تروج الوهم…ووراء هذه العملية التي تنخرط في التفاهة نصابون أو مؤثرون ركبوا الموجة دون نية النصب والاحتيال.

بقلم الاعلامي والروائي خالد أخازي

أما دور النشر التي تنشر إسهالا حد التقزز ما لا هوية له ثقافية جنسا أدبيا كان أم فكرا… ولا يهمها سوى الكتبة الواهمين وتحويلاتهم فهي مجرد مدير فاشل وملصق مستخرج باحتيال جمالي وحسابات بنكية… وأشياء أخرى يندى لذكرها الجبين..
لا مقر لها ولا لجنة قراءة ولا منقح ولا مسؤول عن التحرير، ولا هيكلة لصناعة الكتاب.. الكل يختزل في شخص واحد أوحد له طابع وعقود نمطية وكثير من الوعود وقد يكون مكتبه في مدينة ما طاولة مقهى تطل على العبث.

ويعلن من حين لآخر عن مسابقة للنشر… وكل مسابقة بالضرورة رمزية، وأكبر صفقات احتيالات العصر ” الكتاب الجماعي” الذي يساهم الكتبة في نفقات إصداره مع هامش مالي كبير وخفي للناشر المحتال الذي يزف للفائزين خبر قبول نشر أعمالهم، ولا نعرف بقية التفاصيل… كل ما نعرف أن التفاهة وجدت لها سوقا يتوسع بالتدليس والوهم والرغبة في نجومية خارج المعايير الصارمة للأدب والفكر.

تتشابه الأغلفة لأنها من موقع واحد مجاني مع تعديلات بسيطة، وتنمو ظاهرة والعناوين الغريبة، عناوين كأنها من كوكب آخر، بحجة الإثارة، وغالبا لا تشكل عتبة لنص غارق في الهجنة الهوياتية وبلا أفق جمالي…
حتى الذين يجدون في تيار التجريب الذي يوهمهم به بعض الساقطين ظلما على النقد، لا يطيق هلوساتهم وشطحاتهم ولغتهم المغتالة نحوا وصرفا وتركيبا وأسلوبا وبلاغ وبيانا.

تتناسل الأوهام…والكتابات الواهمة التي يحتفظ بها في الظلام… لا يسمع بها غير الحواريين الذين يشربون نخب كتاب مصيره مزبلة التاريخ…
فليس كل حكي أدبا، وليس كل استنماء أسلوبي شعرا، وليس كل كتابة تزعم أنها عارفة عالمة، هي نقد… فما أكثر النقد المزيف مقابل المال والدولار والمنافع المتبادلة والليالي الحمراوات…
باسم الرواية ينحر السرد واللغة والحكي…
باسم الشعر تطبع شبه دواوين لا يشتريها غير الأهل… بل يشترونها رغما عن أنفهم أو إشفاقا…
وكثير من المحظوظين والمحظوظات التأموا في قبائل وشبكات ريعية لتبادل أنخاب الإبداع المزيف…وأقسموا على ماسونيتهم الثقافية الخفية…. لنا لا لغيرنا…. وتمتد أطرافهم لما وراء البحار، ويخترقون كل التظاهرات، وكل اللقاءات من الفن الصفر إلى الفن التاسع…
كل يزكي كلا…

واللقاءات والتكريمات تصنع الوهم والرموز المزيفة… لكن موج الفساد الثقافي عات، وأطرافه كثر وأقوياء بعلاقاتهم وقدرتهم على طحن الآخر والتأليب ضده…
هم يعرفون أنفسهم … ونعرفهم… بيننا التاريخ….

ففضائح الثقافة لا تقل عفونة عن فضائح المخدرات والاتجار في البشر وبيع البحوث والشهادات الأكاديمية والمجاملات للإستثمار في مكاسب مؤجلة…
إنها مافيا… ثقافية…. وليس كل الرموز الثقافية رموزا بالفعل بل بالصناعة الذكية والترويج الممنهج… وأحيانا يكون الأمر أكثر عفنا مما نتوقع…

الغريب أن بعض الجوائز العربية صنعت أغنياء القلم، وظهرت قبيلة من الكتاب مطيعة خانعة تنشر الاستمناء التاريخي، وتهرب من قضايا الوطن العربي وثيمات القهر والظلم والتسلط والاستبداد بكتابة تخرج من جلاليب ابن سينا والمعري والمتنبي والصوفية وغلمان قرطبة وسجون المماليك، لأنهم عاجزون عن مقاربة الواقع المر للأمة العربية والإنسانية بجمالية لغة لا تنهل من مهاجم الصوفية والفقراء وأدباء السلاطين…

وأكثرهم جبناء ماكرون هربوا من الصدام مع السلطة الغاشمة، ومع الفساد الذي ينخر مجتمعاتهم بمغازلة تاريخ الفرس والترك والعجم…والحلم مع المعتمد بن العباد.. وإخراج سرديات سلطانية من دهاليز فضاءات تحقيق المخطوطات، واختطاف لغتها وأسلوبها وإضافة جرعة من العشق إليها، وكثيرا من الوهم.

وبذلك…ظهرت رموز تافهة تروم الجوائز والكونية بكتابات تغازل الغرب وترضي الحكام…. تبرر الاحتلال وتشيطن حماس، تصنع تاريخا كما يرتضيه الغرب، هي مكة ليس بمكة والمسجد الأقصى مجرد خراب على الطريق، وكثير من المعاول تهد أسس الحضارة العربية والإسلامية والعربية المسيحية والعبرية والأمازيغية بصناعة استغراب جديد يتصدى له عرب أشداء على أمتهم رحماء على الصهيو- مسيحية
منهم من لا يجد غضاضة في تحويل أهل بفلسطين إلى دخلاء وشيطنة قضاياهم ونضالهم مع البحث للكيان المحتل عن جذور وهمية لترويج حقه في الاحتلال……

و من الجوائز ما تشترط عدد الكلمات وعدم الاقتراب من الدين والسياسة كشرطين لأي مسابقة وهو اغتيال ماكر لخيال الكاتب وقهر له وتمرير للتسلط الثقافي التحكم الفكري…ولا عيب عندها في ترجمة روايات وثنية و شبه بونوغرافية…
فالكتاب المترجم غدا رمزا علامة ارستقراطية جديدة… لهذا وجد له سوقا للرواج و التقاط الصور..

ما ينتج الآن ويتوج نصوص هاربة من شعوبها، مرتمية في جنس ثقافي جماعي، وعزل للكاتب عن المجتمع وتحويل ذكي بالمال والمناصب والجاه الأكاديمي والوهم عن وظيفة الأدب الجمالية والاجتماعية…
نعم الكتابة التزام.. قضية… وليست مجرد ترف قبل النوم….ليست الرواية حكاية للاسترخاء ولا حكاية تقرأ قرب مدفأة للتسلية…بل هي شغب مستمر… تعبير عن زمن حارق وانتظارات شعب، واصطفاف جمالي لا أبديولوجي لهموم المظلومين والمقهورين، وأداة نبش في النفس والمجتمع والتاريخ…
الرواية مشروع جمالي برؤية مجتمعية… لا مجرد حكاية في ساعة تبهر السائحين…
هي مشروع اجتماعي وفلسفي وبيان أدبي يعلن الانحياز للشعب وقضايا الأمة…للخير للفضلية…هي أداة تشكيل للوعي، لا لتكريس مجتمع الجهل التطبيع مع الخنوع وتبرير التسلط والقهر…

الأدب المضاد يتشكل على الهامش… مستبعد عن المنصات لأنه يخيف… مشاغب لا يهادن… لأنه لا يجوع… ويصمد كما صمدت روايات حنا مينا و جبرا ابراهيم جبرا وعبد الرحمن منيف…
لأن هذا الأدب مختلف…تهرب منه المؤسسات الرسمية ويحاصره الإعلام الرسمي والإعلام الذي يقتات من ريع خفي لكن مقابل توجه يخدم التفاهة وتكريس قيم الخنوع والانبطاح

الأدب المضاد لا جوقة له ولا حواريون مزيفون يتقاسمون الريع حد التدليس… ويفتحون الأبواب الموصدة، والممرات الخفية….
نعرفهم…. ويعرفوننا….

هم خائفون… لهذا يسكرون كثيرا… أو يؤجلون البوح…يسرقون خيالا من زمن تاريخي صعب الاقتفاء صعب أن تتبع أثرع، يغيرون معالمه… يعرفونه… يسلخونه من سياقه القديم …فيربحون هدنة مع الحاضر وخيالا يرضي الحاكم العربي…والناقد الذي لم يعد قادرا على القراءة… أو المتناقد الذي يأخذ مقابل كل سطر نخبا أو صبا إو عبا أو رنينا..
لا يجد أكثرهم حرجا في أن يصمت…يصمتون في أصعب الأوقات، وبختفون في الزمن الجارح حيث الكلمة مكلفة…
يختفي الشاعر والكاتب والمفكر وغزة تدك، وألف شهيد كل يوم تزفهم السماء، لأنه يريد موقفا لا يبعده عن الجوائز واللجن والملتقيات…. لأنه يجعل في المرجعية الإسلامية لحماس زورا علة لتبرير جبنه ولهطه
يريد أن يكون كاتبا أبيض باسم شرقي…وعطر باريسي وضحكة من فلوريدا…

يريد أن يكون كاتبا عالميا كحاو يلاعب الثعابين أمام دهشة سياح سقط في أيديهم… وترضى عنه فيينا ولندن وبقية العجم…
آه لو عادى الإسلام وحماس وحزب الله والعثمانيين الجدد، فتلك خطوة مهمة نحو العالمية….
لا يريد بعض مثقفينا العرب أن يؤدوا ثمن رأي ولا موقف قد يكلفهمهم آلاف الدولارات وليالي الفنادق الفخمة ودعوات لقول كل شيء إلا الحقيقة….

أما أنت أيها الشاعر والأديب والمفكر الذي اختار صف العدالة والكرامة بدل خندق المتحالفين مع التسلط وظلت مع فلسطين قضيته حتى النصر و ظل وفيا لقضايا الشعوب بدل الهروب نحو عيدان الغلمان والإماء والخصيان والمجاديب… وظفء قصور المماليك وقرميد قبب قلاع ملوك بني الأحمر ومجانين العصر الوسيط.. فعليك أن تنتظر… فالتاريخ لا يرحم الجبناء ومن باعوا قضايا شعوبهم…

لا تيأس… لا تنس كلنا قرأنا أولاد حارتنا… ومدن الملح والمستنقع…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى