سياسة

ادريس جطو.. من صناعة الأحذية إلى رجل ثقة القصر الملكي

صدر تقرير للموقع الإعلامي “ساسة بوست”، أمس الخميس، يستعرض فيه أهم محطات التي مرّ منها إدريس جطو رئيس المجلس الأعلى للحسابات، أهم المؤسسات العمومية التي أصبحت تضج مراقد بعض الساسة، بتقاريرها النارية التي تتميز بلغة مباشرة.

وجاء في التقرير أن إدريس جطو، تحوّل من “رجل الأعمال المغربيّ الشهير في عالم التجارة، إلى أحد أهمّ رجال صناعة القرار داخل القصر الملكي في المغرب، وواحد ممّن يضع فيهم الملك المغربي محمد السادس ثقته المُطلقة، خصوصًا مع رئاسته للمجلس الأعلى للحسابات، التي باتت الجِهة الآمرة الناهية في استمرار مسؤول من عدمه.”

حيث بدأت صِلته بالقصر في عهد الملك الحسن الثاني من بوّابة صناعة الأحذية، إذ لفتت الأحذية التي تصنعها شركته وشهرتُها العالمية انتباه الملك، كما يشر التقرير. ليبدأ بعد ذلك رحلته في الصعود السياسي إلى جانب نشاطه التجاري، ويتحوّل خلال سنوات إلى أحد الرجال الأقوياء أصحاب النفوذ داخل القصر.

من صناعة الأحذية.. إلى القصر الملكيّ

ولد إدريس جطو، سنة 1945 في مدينة الجديدة، لأسرة من الطبقة الوسطى ممتهِنًا حرفة إلى جانب مساره التعليمي، كحال أغلب أبناء نفس الطبقة في تلك الفترة الزمنية، “محققا من وراء العمل في التجارة، في سنواته الأولى خِبرات متنوّعة في عالم المال، ونظرةً أشمل على المجتمع المغربي، وقدرًا وفيرًا من المال، أتاح له استكمال دراسته في لندن، قبل أن يعود بعد الانتهاء من الدراسة لبلاده، ويتوسّع في مجال أعماله.”

وعقِب عودته إلى المغرب بعد نهاية دراسته، “قرّر جطو التوسُّع في مجال صناعة الأحذية، عبر خطواتٍ محسوبة، ودراسة احتياجات السوق المغربي، ليؤسِّس خلال سنواتٍ معدودة امبراطوريته في صناعة الأحذية، والتي تحوّلت إلى إحدى أكبر الإمبراطوريات الاستثمارية، إذ تتوزّع منتجاتها في الداخل والخارج.”

وقد أعجب الراحل الحسن الثاني، بدقّة منتجات الشركة وجودتها، وواظب على شراء مستلزماته منها، مُساهمًا بهذه الخطوة في نمو تعاملات الشركة التجارية، ومُحققًا لصاحبها نفوذًا واسعًا، وشهرة استثنائية، ساعدته على مُناطحة الجميع من رجال المال. ما ساعده على الاستثمار في قطاعات أخرى مثل الجلد والعقار والبناء والخدمات والنسيج،” وخلال سنوات، أصبح واحدًا من كبار رجال المال النافذين باستثماراتٍ واسعة، عززتها صِلته مع القصر، وارتياح الملك له.”

ولم تمض سنوات، إلى أن وضع الحسن الثاني ثقته فيه، وبدأ يأخذ برأيه في الكثير من القضايا الداخلية، ويستعين برأيه دومًا في إدارة استثمارات المملكة، قبل أن يتم تعينه وزيرًا للتجارة الخارجية سنة 1994، ثمّ أصبح وزيرًا للمالية عام 1997، وبعدها غادر الحكومة ويعود إلى أعماله التجارية.

وبمرور السنوات، عاد الرجل الذي يثق فيه الملك، إلى “الساحة السياسية مانحًا إيّاه صلاحياتٍ واسعة، بعدما عرف عنه استقامته ودقّة سياساته، قبل أن تثير هذه العلاقة غيْرة الكثير من أقرانه من الوزراء، كحال الصدامٌ الذي وقع بينه وبين وزير الداخلية آنذاك، إدريس البصري، إذ قرر الأخير على إثرها الإطاحة به، بإبلاغه الملك بأنّه معترض على حملة التطهير التي أعلنها.”

اعترض جطو بالفعل على هذه الحملة، لكن كان اعتراضه على طريقة تنفيذها، “معتقدًا أن هذه الآلية التي يتبنّاها وزير الداخلية ستؤدي إلى الإطاحة بمئات التجّار الصغار والمتوسطين،” وقد صدق توقعه، حيث أدت الحملة إلى توقيف ما يزيد عن 1200 مستثمر، وانتهت في النهاية إلى إعلان الحسن الثاني صدور عفو لصالح جميع المعتقلين على خلفية هذا الملف في 16 أكتوبر من سنة 1997، حينها اكتشف الملك خطأه الكبير الذي وقع فيه جرّاء تنفيذ الأمر بتلك الطريقة.”

إدريس جطّو عاد من جديد، إلى “ممارسة أعماله التجارية، واستثماراته الضخمة داخل وخارج بلاده، إلى جانب الانخراط في تأسيس جمعيات معنيّة بمساعدة الأسر الفقيرة، والشباب على أعمالهم التجارية، سواء بتقديم منح مالية أو قروض لهم بشروط ميسّرة، من خلال الجمعية التي أسستها  ‘الأمانة’، المختصّة في القروض الصغيرة، والتي تحولت إلى الآلية الأهم داخل المجتمع المغربي لتقديم يد العون للشباب الطامحين، فضلًا عن دورها في محاربة الفقر والتهميش.”

جطو يعود من جديد في عهد الملك محمد السادس

بعد تربع محمد السادس للحُكم، وخلال سنوات حكمه الأولى قام بتعيين رجال جُدد له في كافة القطاعات، حيث كان جطو على رأس هؤلاء، ليتم استدعاه مُجدّدًا بصلاحياتٍ أوسع مما كان يستحوذ عليها خلال عهد والده، ليصير مؤتمنًا من جانب الملك على استثمارات العائلة المالكة، ومخوّلًا بسلطاتٍ واسعة، وصلاحياتٍ مُطلقة في إدارتها.

وتأتي في مُقدمة هذه الاستثمارات، “مجموعة «سيجر»، التابعة لـ”الهولدينغ الملكي”، كما اشتغل بـ”المكتب الشريف للفوسفاط”، إحدى أثرى المؤسسات الاقتصادية المغربية.” علاوة على الصندوق الاستثماري المملوك للعائلة الملكية في المغرب، والذي تحول بفضله لعملاق مالي وصناعي وخدميّ يحتكر أغلب القطاعات، والذي “يُضمّ كياناتٍ تجارية عملاقة، كـ”الشركة الوطنية للاستثمار” (SNL) و”مجموعة أومنيوم شمال إفريقيا” (ONA) التي تأسست في العشرينيات، و”شركة سيجر القابضة” (SIGER)، وبنوك داخل وخارج المغرب.

ساهم رجل القصر في نجاح إدارة استثمارات العائلة المالكة، وقدرته على نسج صِلاتٍ نافذة داخل وخارج البلد، وبهذا تمت ترقيته من قبل الملك لمنصب رئيس الوزراء (وزير أول) له، وذلك في عام 2002، حيث حضي بمزيد من ثقة الملك، متحوّلًا إلى الآمر الناهي في القصر الحاكم، بدعمٍ من الملك.”

وتعززت صلاحيات رئيس الوزراء، التي امتدت خمس سنوات من 2002 إلى 2007، خصوصًا مع تحسّن الوضع الاقتصادي نسبيًّا، وحصوله علي إجماعٍ سياسيّ كونه ليس حزبيًا، وكان جطو يقدّم نفسه دومًا كتكنوقراطي، حيث يروى بن يونس المرزوقي، أستاذ القانون الدستوري بجامعة وجدة، في تصريحه لموقع “أصوات مغاربية” أن “تعيين جطو وزيرًا أول سنة 2002 جعل منه الورقة التي قلبت رأس الحكومة من التوجهات السياسية التي شرعت فيها حكومة التناوب إلى توجهات اقتصادية، جعلته يحصل على إجماع كل الأحزاب السياسية.”

وبعد مدة الرجل عاد من جديد لمزاولة أنشطته التجارية، بعيدًا عن المشهد الحكومي والسياسي لخمسِ سنواتٍ، قبل أن يعود ثانية من خلال استدعاء الملك له لشغل منصب أكثر تأثيرًا ونفاذًا، كرئيس لـ”المجلس الأعلى للحسابات”، والتي تعدّ أعلى هيئة حكومية رقابية على مالية القطاعات العمومية المختلفة.

ثقة القصر الملكيّ للرجل تعيده لتصدر المشهد

تطلق على ادريس جطو مسميات عدة تصفه بالمقرب للقصر ك”رجل ثقة القصر الملكي” و”رجل العهد الجديد”، وذلك تزامنا مع اختياره من جانب الملك، عام 2012، لرئاسة المجلس الأعلى للحسابات، بصلاحياتٍ واسعة وسلطاتٍ مفتوحة، حيث “تحولت التقارير الصادرة عن المجلس إلى دافع رئيسي للملك في إعفاء مسؤول من عدمه، دون اعتبار لمنصبه، شبيهة بـ’الزلزال السياسي’ الذي وقع في المغرب، كما يصفونها، بعدما باتت المرجع الرئيسي للملك في أي قضية فساد أو تقصير حكومي.”

ومن بين هذه القضايا التي نال بعدها جطو ثقة الملك، وصلاحيات أوسع لمجلسه، مشروع “الحسيمة منارة المتوسط” الذي بدأ العمل فيه منذ عام 2015، وأدى تباطؤ الحكومة في استكماله إلى نشوب تظاهرات احتجاجية واسعة بمنطقة الريف، واجهتها الحكومة بالقمع الأمني لها من خلال إطلاق حملة اعتقالات لمئات النشطاء.

غير أن المقاربة الأمنية لم تكن في محلها، ليكلف الملك مجلس جطّو بالتحقيق وراء عدم تنفيذ هذا المشروع، بعدها وضع المجلس تقريرا شاملا عن كلّ جوانب المشروع أمام الملك، حدد فيه الوزراء المُقصّرين؛ ليصدر الملك سلسلة قرارات إقالة أكبر عدد من المسؤولين في تاريخ المغرب، والتي باتت تعرف بـ”الزلزال السياسي.”

وفضلا عن ذلك، “لعب جطّو أدوارًا مشابهة في الكشف عن العديد من وقائع الاختلاسات المالية، بالإضافة إلى اضطلاعه بإعادة هيكلة العديد من القطاعات التي شهدت الكثير من المشاكل كقطاع الصحة، إذ رصد تقرير للمجلس “ضعف تجهيز عدد من المستشفيات حتى في المدن الكبرى، وخاصة بشأن تخصّصات جراحية دقيقة مثل جراحة المخ والأعصاب وغيرهما، إذ إن افتقار هذه المراكز للمعدات اللازمة يدفع إلى إرجاء المواعيد الطبية مددًا زمنية طويلة.”

وبهذا وكما يصفه بلقاضي بالقول، “جطو رجل ثقة القصر، ومن يحظى بهذه الثقة، يتحول إلى سُلطة قوية تكون لها الفاعلية في كل المسؤوليات التي تسند إليها من طرف هرم السلطة. قوّته تأتي من كيفية اشتغاله، المبنية على السريّة وعدم الانحياز وعدم الخضوع للوبيات.” وذلك بحكم قربه من الملك.

المصدر.. ساسة بوست

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى