الرئسيةرأي/ كرونيك

تأملات في سياق التعديل الحكومي الأخير

بقلم الناشطة الحقوقية: لطيفة البوحسيني

كُنّا في السابق نُميز بين أحزاب الأعيان وأحزاب المناضلين…بين أحزاب تخدم المصالح الشخصية لمكوناتها والأحزاب التي تتطلع لخدمة مصالح المجتمع.

كُنّا نميز بين أحزاب، تمثل مشروعها في القرب من مربع السلطة للاستفادة المتبادلة بينهما، أحزاب توفر “القاعدة الاجتماعية للسلطة” مقابل قيام هذه الأخيرة بتسهيل كل المأموريات والإغداق عليها من إمكانيات الدولة، بما في ذلك وكلما اقتضت الضرورة اللجوء إلى وسائل العنف الدولتي لقمع معارضيها ومنتقديها، وبين أحزاب حاولت جهد المستطاع تقديم مشروع مجتمعي وبديل سياسي ينافح عن ضرورة اعتماد أدوات الديمقراطية من أجل النهوض بأوضاع المجتمع.

كُنّا نميز بين أحزاب “خلقت” لتستحوذ على أغلب مقاعد البرلمان عبر انتخابات غير شفافة ولا نزيهة، ولتكون عنصرا ضروريا وحيويا في كل الأغلبيات منذ الأزل، وأحزاب تُقاتل بإمكانياتها المتواضعة ووسائلها المحدودة لتستقطب أصوات المغاربة المتطلعين لإصلاح أحوالهم وأوضاعهم.

وبشكل عام، كُنّا نميز بين أحزاب السلطة (السلطوية) وأحزاب الفئات العريضة للمجتمع.

كُنّا نعم، كان ذلك في الماضي، أما اليوم فقد اختلط الحابل بالنابل، و”حيانا الله” حتى أصبحت تطالعنا تدوينات وكتابات وأصوات “لمناضلي” الأحزاب التي صالت وجالت دفاعا عن الديمقراطية كنمط حكم وعن العدالة الاجتماعية كهدف مهيكل لمشروعها…تدوينات تُسلم أن الريع والمحسوبية والزبونية والارتقاء في المناصب أمر طبيعي وعادي، وما وُجدت الأحزاب إلا لهذا الغرض…يكتبون ذلك بكل صراحة وصلافة وهم يخلطون بشكل مقصود بين طموح شخصي ومشروع لمناضل لكنه حامل لفكرة ولمشروع مجتمعي يشكل بوصلته، وبين تطلع أناني لشخص لا يهتم للفكرة ولا للمشروع السياسي.

هي تدوينات يكتبها جيل من شباب هذه الأحزاب الذين تربّوا في أحضان قيادات أصبح كل همها هو أن تضمن مستقبل ذريتها، نقدا وعينا.

لا يناقش هؤلاء الشأن السياسي ولا البرنامج…وليسوا منشغلين بسؤال السياسة ولا بالتراجعات الخطيرة التي تعيشها بلادنا ولا بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الكارثية لفئات واسعة من المغاربة…لا لا لا…كل همهم، هو التساؤل عن عدم استفادة حزبهم ومعه استفادتهم هم كذلك من الريع الحكومي.

إن هؤلاء الشباب يُجسدون من حيث لا يدرون الانتقال الذي شهدته أحزابهم من أحزاب “المناضلين” إلى أحزاب بدون لون ولا طعم ولا رائحة…فهم لا يشبهون أحزاب “الأعيان” ولا يتوفرون على الموارد الضرورية لذلك، ولن تثق السلطة فيهم مهما حاولوا السقوط في المهاوي والمنحدرات ومهما غيروا من جلدهم (أو ربما بسبب ذلك)…

إنها أحزاب تتكون اليوم من جيش عرمرم من الانتهازيين والخنوعين والساقطين والكسالى الذين لا يتوفرون على أي مورد أو كفاءة عدا القدرة على العهر بكل أنواعه و”التطبال” الذي لا يتقنون لغته الجديدة…ولذلك تتخلى السلطة عنهم اليوم بعد أن قضت وطرها منهم (ما بقاو صالحين حتى لحاجة).

هذا هو حالنا…ولتغييره سنحتاج إلى أن نتداوى وجدانيا ونصحو فكريا ونتشجع للانطلاق في التفكير في مشروع الغد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى