الرئسيةرأي/ كرونيكسياسة

بعد أن أهدرت البلاد عاماً كاملاً من التكوين.. تساؤلات عن مالات أزمة كليات الطب بالمغرب

تحرير: جيهان مشكور

شهدت كليات الطب بالمغرب سنة دراسية استثنائية…أو لنقل: سنة “لا دراسية” بامتياز، حيث قرر طلبة الطب الإضراب طيلة 11 شهراً احتجاجاً على قرارات حكومية، أبرزها خفض سنوات التكوين من سبع إلى ست سنوات.

هذه “الاحتجاحات التي غطت والي السنة” و انتهت باتفاق بين الطرفين، بعد أن أهدرت البلاد عاماً كاملاً من تكوين الأطباء الذين نعاني أصلاً من قلة أعدادهم.

ولكن، دعونا نطرح السؤال الأهم: هل ما حدث كان نضالاً من أجل الوطن وصحة مواطنيه، أم مجرد دفاع عن مصالح الطلبة أنفسهم؟

أولاً، لنعترف أن هذا الاحتجاج الطلابي، كغيره من الاحتجاجات الفئوية يحمل في طياته بعداً مزدوجاً: الدفاع عن حقوق مهنية ومعيشية فئوية، والدفاع عن جودة التكوين لضمان مصلحة المواطن مستقبلاً، لكن، إذا تأملنا تفاصيل الإضراب الأخير، نجد أن الطلبة طالبوا بتوسيع سنوات التكوين لأنهم مقتنعون بأن ست سنوات غير كافية لضمان تكوين طبيب جاهز للميدان، ومن الناحية المبدئية، هذا مطلب منطقي، فأن نختصر تكوين طبيب في وقت أقل يعني، ببساطة، أننا نختصر جودة الرعاية الصحية لمواطن يحتاج في الأصل إلى منظومة صحية لا تختضر تحت ضغط نقص الكفاءات وضعف الإمكانيات.

لكن المشكلة ليست في المطلب نفسه، بل في طريقة تعاطي الأطراف معه، فمن جهة، رأت الحكومة أن النظام الجديد يُواكب التطورات العالمية في مجال التعليم الطبي، ومن جهة أخرى، رأى الطلبة فيه انتهاكاً لجودة تكوينهم وفرصة لتحويلهم إلى أطباء “أنصاف جاهزين”.

بعد أشهر طويلة من التوتر، وافقت الحكومة على تمكين الأفواج الحالية من إنهاء دراستها وفق النظام القديم (7 سنوات)، مع السماح للفوج الأول بأربع دورات تدريبية إضافية، فيما سيُطبق نظام الست سنوات على الأفواج القادمة، بدا الاتفاق وكأنه انتصارٌ للطلبة، لكن هل حقاً ربح أحد في هذه المعركة؟ أم أن الجميع خسر، بمن فيهم المواطن الذي ينتظر في طوابير المستشفيات العمومية وبنقص واضح في جودة الخدمة؟.

إن إصرار الطلبة على “7 سنوات أو لا دراسة” يثير تساؤلاً: لماذا لم يُركزوا على تحسين جودة التكوين بغض النظر عن عدد السنوات؟ لماذا لم يكن المطلب هو ربط تقليص سنوات التكوين بتعزيز الدورات التدريبية، والمعدات الطبية، وعدد الأساتذة المؤطرين؟ أليس من الأجدى أن نطالب بما يخدم مصلحة الجميع بدلاً من التمسك برقم “7” وكأنه عقيدة طبية؟

قد يبدو للبعض أن الطلبة دافعوا عن مصلحة وطنية، وأنهم أرادوا ضمان جودة التكوين لأنفسهم وللأطباء القادمين من بعدهم، لكن، إذا كان الهدف وطنياً خالصاً، لماذا لم يطالبوا بتطبيق الاتفاق على جميع الأفواج القادمة؟ أليس في الأمر شيء من الأنانية عندما يُحارب الطلبة الحاليون من أجل مكتسباتهم فقط، ثم يتركون الأفواج اللاحقة تواجه نظاماً أقل جودة حسب تفسيرهم؟

وإن كان الاحتجاج لأسباب شخصية بحتة، فهذا أيضاً لا يُعيب الطلبة، فمن حق أي فئة الدفاع عن مكتسباتها، لكن يجب أن نكون واضحين مع أنفسنا: هل نناضل من أجل الوطن أم من أجل ذواتنا فقط؟ وهل يمكن للوطن أن يتحمل عاماً دراسياً ضائعاً مرة أخرى إذا قرر طلبة المستقبل الاقتداء بأسلافهم؟

كثيراً ما نوجه أصابع الاتهام إلى الحكومة، لكن ماذا عنّا نحن؟ الطلبة أضربوا، والحكومة ساومت، والمستشفيات عاشت فراغاً قاتلاً، والمواطن صفق وانتقد وكتب على “فيسبوك”. ألم يحن الوقت لندرك أن الدولة ما هي إلا مرآة لمجتمعها؟

نحن جميعاً مسؤولون عن هذا الواقع، فلو كانت هناك رقابة مجتمعية حقيقية، لما استمر الإضراب 11 شهراً.

ولو كانت هناك شجاعة حكومية أكبر، لكانت الأولوية هي تحسين التكوين الطبي في جوهره، وليس فقط تعديل عدد سنواته.
ولو كانت هناك رؤية واضحة من الطلبة، لكان نضالهم قائماً على خطط واقعية لا على شعارات عامة.

مثلما ننظر في المرآة الخلفية عند الحلاق لنرى انعكاس رؤوسنا، علينا النظر في مرآة الواقع لنعرف أننا جزء من هذه الفوضى، الحكومة والطلبة والمواطن، الجميع مسؤول، وإذا أردنا منظومة صحية حقيقية تخدم الوطن، فعلينا أن نتوقف عن التفكير بمنطق “كل يضرب على عرامو” بمعنى شخصنة النظال ، ونبدأ التفكير بمنطق “البيت” المشترك.

فهل نحن مستعدون لذلك؟ أم أننا سننتظر حتى يأتي جيل آخر يطالب بحقوقه، ونبدأ دورة جديدة من النضال الفئوي، الذي لا نسقط مشروعيته وشرعيته، على حساب الزمن الذي لا نملكه، أمام التحديا الكبرى التي تواجهها البلاد على كافة المستويات للنهوض؟٠

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى