مجتمع

أنسنة  اللغة الحقوقية ضرورة  إنسانية… (هل من افتحاص لوقع ألفعل الحقوقي اجتماعيا وسياسيا )

لست ادري لماذا يصر بعضنا على تضليل الذات أن الدولة وحكومتها محايدة  وغير متحيزة وفوق الصراع؟ ولست ادري لماذا يتم تكريس هذا الاعتقاد الواهم،  والحال أن الدولة أنشأت لحماية مصالح التحالف الطبقي المهيمن  اقتصاديا والمسيطر سياسيا  وايديولوجيا؟.

صحيح أن الدولة تتحصن وراء المقاربة الحقوقية بافتعال معارك  لامتصاص النقمة والالتفاف على جدول الأعمال الوطني  المفترض،   ألا وهو استكمال  ورش الإصلاحات السياسية والدستورية والتشريعية والمؤسساتية في أفق القطع مع الماضي،  وصحيح أن الحركة الحقوقية لا تنساق مع التيار كما يحصل مع الأحزاب والنقابات، عبر ديناميات الصفقات والتسويات.

ولكن يظل سؤال تأهيل الفعل الحقوقي مطروحا بإلحاح،  فليس المهم التباهي (غرورا أو استيلابا )، بأننا  حقوقيون  من الدرجة الأولى أو من الدرجة الثانية،  وليس مهما أيضا التباهي بالتاريخ والعودة إلى المنشأ  أو أسباب النزول، وإنما يكفي تثمين لحظات التأسيس، وتقييم المنجزات وكلفة  التضحيات وتحصين المكتسبات، إن كان لها محل.

نعم  عدد الأنشطة مهم، غير أن المفيد والمنتج هو كيف يمكن تأهيل هذا التنشيط ومقارنته مع نسبة الوقع الاجتماعي والثقافي، وليس درجة الآثار  الإعلامية المغرضة و العابرة أو المنتجة للمظلومية والتأزيم المجاني،   بل إن الأجدر من هذا وذاك هو أن يشعر المرتفقون لمجال حقوق الإنسان  أنهم تحولوا بفعل  النضال الحقوقي، إلى مواطنين يتمثلون الحقوق والواجبات تجاه أنفسهم وتجاه الوطن الذي يحضنهم، مع اعتبار أن  الفضل لا يعود للأشخاص وحدهم فقط، وإن كانوا روادا أو أبطالا،   وإنما يعود للحركة الحقوقية عامة والمجددة للمقاربات، باعتبار تكامل الأدوار وتنوع التضحيات وتفاعل الكفاءات،  مع حفظ الحق في التمتع بواجب الاعتراف الاجتماعي .

إنه  فعلا عصر حقوق الإنسان بامتياز، ولكنه طويل من حيث الزمن وممتد من حيث المكان والمجالات، وعصي عن الفهم في اللحظة ذاتها،   وهذا يتطلب منا الجواب عن سؤال  الوقع الإنساني  المستدام،  بما يعنيه  تقييم اتجاه البوصلة الحقوقية، ليس فقط تجاه  تحقيق المقاربة الحقوقية  وفق المعايير الكونية، بل رصد كل إمكانيات  تقويم المنحى الإنساني  للنضال الحقوقي  ذي البعد الاجتماعي والثقافي قبل البعد المدني والسياسي،  لأن هذا الأخير لن يكون محل سجال  في العلاقة  مع الكلفة،   السياسية والمالية، في حين تتطلب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية  والثقافية والبيئية  إنفاقا عموميا كبيرا، في ظل تخلي الدولة عن« اجتماعيتها» المفترضة والملزمة  معا، حسب السياقات، وفي ظلال إكراهات الوصاية المالية للخارج / الاستغلالي،  لذلك  لابد من أن نفرع عن السؤال السابق أسئلة مدعمة،  منها  سؤال مدى نجاحنا  في  بلورة  لغة إنسانية مشتركة،  لغة وليس خطابا،  نشدد  مرة أخرى لغة إنسانية وليس خطابا،  تفاديا للسقوط في فخ أدلجة المقاربة الحقوقية،  فالحقوق  يشرعنها  القانون  وليس الأخلاق أو الدين  أو السياسة،  فلنجرب  تحليل  السلطة والقوة  للتوصل إلى الغاية الحقوقية والتي تتنافر مع هذه المعطيات، أي الدين والأخلاق  والسياسة وأحيانا الاقتصاد، لأن استدعاء شرعنة القوة والسلطة  يفيد في الحالات التي  قد يبدو فيها أن  مطلب التحرير والمقاومة  إرهابا، يعفي من إعمال المقاربة الحقوقية،  والذي قد يسقطنا في تبرير  محاربة  الانتهاك  بانتهاك  آخر،  فليس الخطأ يصلحه الخطأ، وليس  يكفي  فضح الانتهاك دون العمل على معالجة أسبابه،  فالصراع السياسي والاقتصادي والاجتماعي له ثمنه، ومهمة الحقوقيين ليس  التفكير في تجذير نضالهم، بصفتهم تلك، من أجل  تغيير منظومة الحكم  والحلول محل الحاكمين، وإنما قد يسمح بهامش المعارضة من باب الإصلاح والحد من تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان،   دون الانشغال بطبيعة النظام أو التفكير في  نيل السلطة وامتلاك القوة العمومية،  التي هي حكر  للدولة  وحدها، لأن القانون يشرعن لها الحق في استعمال  العنف  المشروع، طبعا دون التعسف في استعماله.

فاللغة الإنسانية المشتركة هي الخضوع طوعا لمقتضيات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، الضامنين  لكل تدبير سلمي،   في أفق دمقرطة، الصراع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والفكري  والبيئي  حتى، أما الصراع الديني  فيصعب تدبيره سلميا لتعطش  أصحابه  وغلو مضامينه  بالعنف  المحقق  للحق  في خلافة الله على الأرض .

لقد تم استهلاك كل التراكم  الحقوقي  المنتوج، ودون إبداع  مستمر  مقرون باستشراف، فسوف تنتصر المقاربة الأخلاقية المغلفة للنفحات الايديولوجية والعقائدية، تهيمن في توجيه  بوصلة استكمال حلقات مسلسل  عولمة اللغة الإنسانية المشتركة، لأنه لكل جيل  خصوصياته القيمية  الكونية، وليس المحلية، والتعددية والتنوع  عوامل ستسعف  لابتكار الممكنات  مادامت الحقوق  ستظل مكتسبة  ومقاومة  لكل حقوق احتمالية، وربما سنظل سجناء توجسنا من عقدة صراع الأجيال، مخافة تكريس  قانون النفي المطلق، اللهم إذا أحسنا  تطوير مسار ومساطر أنسنة  اللغة الإنسانية المشتركة  بتخليص  سلوكاتنا اليومية من التباهي والمزايدات التي قد تؤدي في حالة النكوص وعدم القدرة على الإقناع بالحقيقة السوسيولوجية أو الإعلامية، إلى تسييس المقاربة أو الاستنجاد بالتاريخ  والاقتصاد  أو السلطة حتى، بما في سلطة المعلومة أو سلطة الأخلاق  والسياسي  الموجه لكل ماهو ثقافي .

نعم  الأخلاق مفيدة  ولكن إذا تمثلناها جميعا كسلاح  لقتل  ثقافة التحقير والوصم  الماسة بالحق في الكرامة والحق في  التعايش  السلمي  في بيئة سليمة من  النرجسيات،  الفردية أو الجماعية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى