مجتمع

في رمضان تكثر انحرافات التديّن..

الكاتب والباحث سعيد لكحل

جميل أن ترى أفواج المصلين من الشباب والشيب تعمر المساجد وتحضر صلاة التراويح، لكن الأجمل هو أن ترى هذه الجموع تجسد روحانية شهر رمضان في سلوكها وتلتزم بما يخدش صيامها وصلاتها، ولا يضيّق على الآخرين أو يزعجهم.

من المفروض أن يدرك المصلون أنهم مطالبون بالتجرد من الأنانية والاستعلاء وهم متوجهون للصلاة بين يدي الله ليظهروا له طاعتهم وامتثالهم لتعاليمه. ففي كل رمضان يزداد منسوب التدين فتطفو إلى السطح كثير من الانحرافات التي لا يدرك سلبياتها ممارسوها.

وقد وثّقت مواقع التواصل الاجتماعي عددا من تلكم الانحرافات التي تبدو لمرتكبيها أنهم يُحسنون صُنعا، ولعل الحملة الشرسة التي تتعرض لها صحفية جريدة الصباح نورا الفواري إثر نشرها مقالة عن فوضى صلاة التراويح دليل على المدى الذي بلغته سلبيات التدين فهْما وممارسة، وكثير منها يلحق الأذى بالآخرين.

لهذا نصيحتي لمهاجمي الصحفية ألا تأخذهم العزة بالإثم، فالدين جاء لخدمة الإنسان وتكريمه، والمؤمن لا يحْسُن إيمانه إلا إذا أحب لأخيه ما يحب لنفسه. فالمسلم المؤمن منفعة لأخيه كما جاء في الحديث النبوي الشريف “المؤمن إن ماشــيته نفعك وإن شـاورته نفعك وان شاركته نفعك وكل شيء من أمره منفعة”.

فأين هو الحب والتراحم والمنفعة في ممارسات كثير من المتدينين وإذايتهم لغيرهم؟ لنأخذ النماذج التالية:

1 ــ الصلاة في الشوارع وسكة الترامواي: كثير من المتدينين يعتقدون أن الصلاة تمنحهم الحصانة لخرق القانون وتضمن لهم الحماية من أي محاسبة وتعطيهم السلطة لتعطيل مصالح الناس. لم يدرك هؤلاء ولا الذين تأخذهم حمية الجاهلية أن الصلاة في عمقها “تنهى عن الفحشاء والمنكر”، ومنع وسائل النقل من عبور الطرقات والسكك بحجة الصلاة هو فُحش ومُنكر.

والصلاة في قارعة الطريق مكروهة باتفاق الحنفية والمالكية والشافعية، وقد تكون حراماً إذا كانت تضر الناس بمنعهم من المرور، أو يعرض المصلون أنفسهم للضرر بالحوادث وغيرها،إن الدين في جوهره تراحم، ومن يقطع الطريق عن مستعمليه لأداء الصلاة يسيء إلى الدين قبل الإنسان، وينسى أو يتجاهل أن الرسول الكريم نهى الإمام عن الإطالة في الصلاة رحمة بالضعيف والمريض وذي الحاجة في أحاديث كثيرة منها «إذا أمَّ أحدكم النَّاس فليُخَفِّف؛ فإنَّ فيهم الصَّغير والكبير والضَّعيف والمريض، فإذا صلَّى وحْدَه، فليصلِّ كيف شاء»

. «إن منكم منفِّرين فأيُّكم أمَّ الناس فليُخفِّف فإن فيهم الكبير والسقيم وذا الحاجة» . إذا كان على الإمام أن يراعي ظروف المصلين ويفترض أن منهم المريض والمسافر والضعيف ، فإن الأوكد على المأمومين /المصلين على قارعة الطريق وسكة الترامواي أن يدركوا أنهم يمنعون حركة السير ويعطلون مصالح الناس ويمنعون المسافر وذي الحاجة من بلوغ مأربه ، فيخالفون تعاليم الرسول الكريم قبل أن يخالفوا القوانين  .

2 ــ رفع مكبرات الصوت لنقل صلاة التراويح: إن مكبرات المآذن وُضعت لرفع الآذان وإخبار الناس بدخول وقت الصلاة، والقيمون على المساجد الذين يستخدمونها لنقل صلاة التراويح يستخدمون هذه المكبرات في غير ما وضعت من أجله، وهم بهذا لا يفترضون وجود مرضى أو أطفال بحاجة إلى هدوء، لقد تجاهل القيمون على المساجد نهي الله تعالى لرسوله الكريم وعموم المسلمين بعدم الجهر بالصلاة (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) . فنقل الصلاة عبر المكبرات الخارجية للمساجد هو “جهر بالصلاة” المنهي عنه في الآية الكريمة ، وهو أيضا يعكس طبيعة الرياء والتظاهر بالإيمان الزائد وإكراه الناس على تحمل وضع هم رافضوه .

إن الله تعالى ليس بحاجة إلى مكبرات الصوت ليسمع صلاة عباده ودعاءهم، فهو أقرب إلينا من حبل الوريد ويعلم ما توسوس به النفوس، أما الناس في منازلهم فلهم أكثر من وسيلة لسماع تلاوة القرآن داخل بيوتهم، والإصرار على نقل الصلاة عبر المكبرات هو إصرار على إزعاج السكان واعتداء على سكينتهم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى