سياسة

رسالة عتاب وتعبير عن قلق حقوقي.. من فاعل حقوقي إلى المندوب الوزاري

هي رسالة عتاب وتعبير عن قلق حقوقي، من مولاي أحمد الدريدي، فاعل حقوقي، إلى شوقي بنيوب، المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان، حول استقباله عبد العالي حامي الدين، القيادي في حزب العدالة والتنمية، والمتهم في قضية مقتل الطالب أيت الجيد، وهي القضية المعروضة على العدالة، في ما يلي نص العتاب…

أحمد الدريدي

أمسكت برأسي، مساء البارحة، وأنا أتابع خبرا عن استقبالك المتهم في قتل الشهيد أيت الجيد، بمعية مجموعة من المحامين من دفاعه، النقيب محمد الشهبي، وعبد اللطيف الحاتمي من هيئة الدار البيضاء، والطيب لزرق، محامي بهيئة الرباط، وعمر حالوي بهيئة فاس.

المشهد/ الصورة التي تم نشرها على نطاق واسع، من طرف الكتائب الإعلامية “الذ باب الإلكتروني” للإسلام السياسي، تدخل في خانة التوضيب والإخراج لترهيبنا، كما حدث أول يوم في محاكمة المتهم، حيث حضر رئيس الحكومة السابق، مع ميليشياته، على مثن سيارة الجيب السوداء، التي كانت تتقدم الجموع، كمشهد لإعلان الحرب. استقبالك للمتهم، مع محاميه، بصفتك منسقا للسياسات الحكومية في مجال حقوق الإنسان، يعني أن هناك شيء ما يتم إعداده للتأثير على القضاء.

قلت مع نفسي ما هذا الخطأ الذي سقط فيه السيد شوقي بنيوب، فأنا أعرف معدن الرجل جيدا، فهو ابن حينا “حي الداوديات”، وتربى في منزل رجل تعليم محترم، كان من أصدقاء وزملاء والدي، رجل التعليم كذلك، كما أعرف أخته، فوزية، وأخيه جمال، وبعدهم أمين، كلهم تشبعوا، كما هو، بقيم حقوق الإنسان الكونية، ويترجمونها يوميا في حياتهم، حسب علمي بأخبارهم كأبناء الحي.

فزعي، وقلقي، جعلاني أتذكر آخر حوار صحفي لك مع المجموعة الإعلامية للأحداث المغربية ذاك “الحوار” الذي اختلط فيها الحقوقي بالسياسي، حوارا كنت منتصرا في ثناياه للمقاربة القانونية الضيقة، في تعارض مع ما كان يجب اعتماده، بصفتك المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان، أي المقاربة الحقوقية الواسعة، في جل القضايا المتداولة على مستوى الفضاء العمومي، والتي لها صلة ما بالمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان.

السيد المندوب، لقد ارتكبت تجاوزا معيبا قانونا، إن لم أقل خطأ جسيما سياسيا، باستقبالك لمتهم في قضية بين أيدي القضاء، بل وابتعدت حتى عن هذه المقاربة، التي انتصرت لها أثناء حوارك مع المجموعة الإعلامية للأحداث المغربية.

فهل الأمر يتعلق بجلسة “استماع”، أم هناك ضغوطات، وإحراج من طرف الحزب الذي يترأس الحكومة، ووزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، لتوريطك في عمل يعتبر تدخلا سافرا في شؤون السلطة القضائية، التي بدأت تلامس طريق استقلاليتها، منذ تنصيب مجلسها الأعلى من طرف رئيس الدولة جلالة الملك محمد السادس، في أبريل 2017، أي في اليوم الموالي الذي استقبل فيه حكومة السيد العثماني، وكذا على بعد بضعة أيام من تنصيب رئاسة النيابة العامة.

إن تزامن هذه التعيينات للسلطة التنفيذية وركائز السلطة القضائية، المستقلة عنها، كما جاء في دستور 2011، له دلالة كبيرة، تتعارض مع ما قمت به، من استقبال للمتهم في ملف اغتيال الشهيد أيت الجيد بن عيسى، والذي قد يستعمل كنوع من المساهمة في التعتيم على مجريات القضية أمام القضاء، وإمكانية استغلال الاستقبال من طرف كتائب الاسلام السياسي، واستعمالها في زرع صورة ضبابية عن الوضعية الحقوقية في بلادنا، خدمة لأنجداتهم الدولية، التي يشرف عليها التنظيم العالمي.

لقد كان الأجدر بك أن تستحضر بأن الدفوعات الشكلية، وغيرها، يجب أن تكون أمام المحكمة، وأنه ليس من مهامك التدخل في أية قضية معروضة أمام القضاء، علما أن مهامك الأساسية، هي كما جاء في بلاغ الديوان الملكي يوم تنصيبك: ” ………، أكد جلالة الملك، حسب بلاغ للديوان الملكي”، الذي نشرته وكالة المغرب العربي للأنباء، على دور هذه المندوبية في “متابعة السياسة الحكومية، خاصة في مجال حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، والتنسيق في ذلك مع القطاعات الوزارية والمؤسسات المعنية، فضلا عن تتبع تفعيل الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، وإعداد وتقديم التقارير الوطنية أمام الآليات الأممية المختصة”. كما دعا جلالة الملك، وفق البلاغ، المندوب الوزاري الجديد لـ”مواصلة الجهود، بغية صيانة المكاسب المحققة، وإدماج ثقافة حقوق الإنسان في السياسات العمومية الوطنية، وتطوير التعاون مع الفعاليات والمنظمات المعنية، الحكومية وغير الحكومية.”

وعليه، وبالرجوع الى محتوى هذا البلاغ، فإن استقبالك المذكور تم خارج المهام المنوطة بك قانونا، إلا إذا كان هذا الاستقبال يتعلق بزملاء لك في المهنة، وهنا كان عليك، ورفعا لكل لبس أو غموض، أن تصدر بلاغا رسميا تفاديا لكل تأويل.

أما إن صح تقديري وتقديرات الأوساط الحقوقية في بلادنا بوجود ضغوطات عليك، فإن الأمر يقتضي بتصحيح هذا الخطأ الجسيم، وتدارك تبعاته، وعليك أن توجه دعوة لعائلة الشهيد أيت الجيد، وهيئة دفاعه، لعقد لقاء معهم، لتبديد كل التوجسات والمخاوف، التي أثارها هذا الاستقبال المريب، وذلك حتى تحدث نوعا من التوازن في التعاطي مع هذه القضية.

ومن جهتي آمل، وأتمنى أن تتمتع عائلة الشهيد، ومعها دفاعها بحق استقبالها لإخبارها بخصوص ما جرى في هذا الاستقبال، وصلته بالقضية الجارية امام المحكمة.

ومن جهتي، أيضا، آمل، وأتمنى أن تغلب عائلة الشهيد الحس الحقوقي بشكل كبير، وتقبل دعوتكم!!! وإلا فإننا سنكون أمام أن الأمر قد لا يخلو من ضرورة تفعيل مقتضيات الفصلين 266 و263 المحال عليه من القانون الجنائي في حق من يجب، مادام ما جرى لا يخرج عن:

1 – الأفعال أو الأقوال أو الكتابات العلنية، التي يقصد منها التأثير على قرارات رجال القضاء، قبل صدور الحكم غير القابل للطعن في قضية ما.
2 – الأفعال أو الأقوال أو الكتابات العلنية، التي يقصد منها تحقير المقررات القضائية، ويكون من شأنها المساس بسلطة القضاء أو استقلاله.
عمتم ليلة خير من ألف شهر.
الدار البيضاء في فاتح جوان 2019
مولاي أحمد الدريدي فاعل حقوقي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى