شارل بيبان يتفلسف حول مفهوم الفشل
بعد قرون من التساؤل حول السعادة، انكب الفلاسفة على الفشل، في العصور القديمة، طرح الفلاسفة نقاشتهم بصدد السعادة كحالة مطلوبة ومرغوب فيها وتبلورت حولها مجموعة من الأسئلة.
وكان منطلقهم أن الفلسفة يجب أن تقودنا إلى السعادة. بينما نلاحط اليوم نزوع الفلاسفة إلى التساؤل عن الفشل، هل يمكن أن يصبح الفشل أفقا فلسفيا جديدا، موضوعا جديدا للدراسة كان مفتقدًا إلى حد كبير في التفكير الفلسفي، أو مجرد موضة جديدة؟ ما هي السعادة؟ هل هي النجاح كما تغنى به برنارد تابي سنة 1985؟ هل هي حالة أم أفق؟ هل هي رغبة أم جوهر الإنسان؟ كيف تتحقق السعادة؟.
أمن خلال العمل على العالم أو على ذواتنا؟ هل توجد السعادة في نهاية بحث مثل كنز، أو غنيمة، أم أنها مسألة تحويل ذاتي؟ هذه الأسئلة حول السعادة تبدو الآن كلاسيكية تماما، وقد فكر فيها اسبينوزا، أبيقور، كانط، وغيرهم كثير، وهي حاضرة في برنامج الفلسفة لدى تلاميذ الباكالوريا، انطلاقا من تعريف مصطلح السعادة ووصولا إلى نظرياتها المختلفة.
يبدو الأمر كما لو أن السعادة كانت نهاية كل أشكال الحياة، مروراً بكل تلك اللحظات الرديئة أو الضائعة التي كانت تتخللها في أغلب الأحيان، وبدونها لن يكون للسعادة نكهة خاصة، هذا هو النقد الذي جاء به شارل بيبان Charles Pépin في كتابه “فضائل الفشل” الذي نشر في عام 2016. كيف نتعايش مع الفشل؟ كيف نستبطن الفشل كأحد مقومات حياتنا إلى جانب النجاح؟ يقول شارل بيبين في كتابه السالف الذكر: هناك شيء يمكن أن نربحه من الهزيمة، شيء أكثر فائدة وأكثر أهمية من الانتشاء بالنجاح، وعلى خلاف التصورات الفلسفية الحديثة التي تلامس الموضوع وتفضل إبراز طرق النجاح، يدعونا الفيلسوف إلى مراجعة نظرتنا إلى واحدة من أعظم المصائب في المجتمعات الحديثة: خسران الحياة
يأمل شارل بيبان، الذي يستدعي أساليب التفكير المختلفة، أن يثبت أن كل أولئك الذين تألقوا وانتشر صيتهم في الآفاق مرّوا في كثير من الأحيان بخيبة أمل، سواء كانوا فنانين أو رياضيين أو رجال أعمال أو سياسيين أو علماء، فإن الشدائد التي واجهتهم خلال وجودهم قد أعطتهم الفرصة لتحقيق ذواتهم مثلما فعلوا.
هناك قراءة إبستيمولوجية تجعل من الخطأ الطريقة الوحيدة للفهم، فقبل أن يخترع طوماس أديسون المصباح الكهربائي، أخفق آلاف المرات واقترب من الحقيقة عن طريق الفشل في إدراكها، من الناحية الوجودية، يمكن للفشل أن يعطينا بطريقة ما نظرة أخرى للحياة، فلو لم يتخل تشارلز داروين عن دراسته الطب واللاهوت، هل كان بإمكانه القيام بهذه الرحلة الطويلة على متن باخرة البيجلز التي بوأته مكانته كعالم؟ هذا ما استجاب له التحليل النفسي اللاكاني عندما أشار إلى أن “في كل عمل فاشل، هناك خطاب ناجح”.
وأخيرًا، إذا كانت المقاربة الرواقية تذكرنا بأن هناك دائما أشياء تفلت منا، فإن القراءة الجدلية تكشف في تكرار النكسات عن وسيلة لتأكيد الذات، قريبا من هذا المعنى، كتب دوغول في مذكراته أن “الصعوبة تجذب رجلا ذا شخصية لأنه عن طريق التغلب عليها يحقق ذاته
.” من هنا، يشترك شارل بيبان في الأنطولوجيا النيتشوية التي وفقها لا يستطيع المرء أن يفعل شيئًا لما هو كائن، اللهم إذا تعلم كيف يدرك هذه الحقيقة، التي لا يستطيع المرء أن يريدها. الفشل جزء من طبيعة الأشياء، هو أبعد من الخير والشر. يمكن أن يكون فقدان الجمال فرصة لتعديل تطلعاتنا الأساسية بقدر ما يجعلها تتطور.
وإذا كانت قدرتنا على الانتعاش ليست لانهائية، يعترف الفيلسوف، فإنها تبقى كبيرة طالما أننا لا نخون أنفسنا. “ديفيد باوي بدل وجهه، شخصيته، نمطه، أعاد إبداع نفسه كموسيقى، لكنه ظل وفيا لمتطلباته”، كان وفيا لنفسه أثناء التغيير، أكثر حرية ضمن حدوده الخاصة.
تكمن قوة الكتاب في كونه لا تعوزه العلاقة بالواقع، الأمثلة تتقاطر الواحد تلو الآخر، واضعة أي شخص أمام تحدي عدم التعرف على نفسه في أحدها. فعلى ظاهر ذراعه نقش لاعب كرة أمريكي متفوق جملة مقتبسة من بيكيت: “حاولت سابقا، انهزمت سابقا، لا يهم، حاول مرة أخرى، انهزم مرة أخرى، انهزم على نحو أفضل.” ليس لدينا فرصة للهروب من اختبار الفشل، لذا، علينا أن نبدأ من جديد.
في هذه الدراسة عن فضائل الفشل سنجد أنها بمثابة طريقة لاستخدام الذات، مع الذات، من أجل الذات، في مجتمع النجاح في كل شيء وبأي ثمن، فعلا يمد هذا الكتاب يده إلى حياتنا.