رأي/ كرونيك

إيفو موراليس رئيس بوليفيا هل يكون بطل اليسار العربي الجديد؟

المعطي منجب

إن إيڤو موراليس، الذي أعيد انتخابه للمرة الرابعة، رئيسا لبوليفيا منذ أيام، أثار انتباه المثقفين العرب، لأول مرة لما بادر إلى قطع العلاقات الديبلوماسية مع الولايات المتحدة، سنتين بعد انتخابه رئيسا للبلاد. زاد تعلق اليسار العربي به لما صرح أن إسرائيل تقوم بأعمال إبادة ضد الشعب الفلسطيني. قام الرئيس موراليس كذلك بقطع العلاقات الديبلوماسية مع تل أبيب أثناء هجوم جيشها على غزة سنة 2009، كما اعترف بدولة فلسطين اعترافا كاملا.

لم يقف موراليس عند هذا الحد بل إنه وضع إسرائيل على لائحة الدول التي تمارس الإرهاب. بعد وفاة فيديل كاسترو وهوغو شافيز ومغادرة البرازيلي لولا داسيلفا قصر الرئاسة ودخوله السجن بمزاعم فساد وعدم احترام مادورو رئيس فنزويلا لنتائج الاقتراع الشعبي وقمعه لبعض زعماء التيار اليساري الشافيزي، بدأ يظهر أن إيفو موراليس قد يكون هو البطل الجديد لليساريين العرب الحالمين بمجتمع المساواة والديمقراطية وبالحرية لفلسطين وبوضع حد لتحكم الولايات المتحدة في مقدرات المنطقة الاقتصادية ومساندتها للأنظمة السلطوية العربية.

إن سبب انجذاب وتعلق جزء من الرأي العام الديمقراطي بالمنطقة بالرئيس موراليس لا يرجع فقط لمواقفه المناهضة للولايات المتحدة وإسرائيل بل كذلك لنجاح سياساته اليسارية والقومية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. لقد غير موراليس وجه بوليفيا بالكامل وذلك خلال أقل من خمس عشرة سنة. فقد أمم الكثير من الشركات الكبرى وخصوصا في قطاع المحروقات. هذه الخطوة التي سبقتها مفاوضات مضنية ولكن مفيدة جدا مع الشركات الأجنبية جعلت البلاد تحصل على 80٪ من ناتج المحروقات بدل 22٪ كما كان الحال في السابق.

استثمرت الدولة بكثافة في البنية التحية والنقل والطاقة مما وفر الشغل لعشرات الآلاف من الشباب كما قوى الاقتصاد الوطني إذ سجل النمو معدل 5 في المئة خلال العقد الأخير. كما تضاعف الناتج المحلي الإجمالي ثلاث مرات منذ صعود موراليس إلى كرسي الرئاسة..

وضع إذن الرئيس اليساري الاقتصاد في خدمة أغلبية الساكنة حقيقة وليس نظريا كما فعلت حكومات اشتراكية أخرى بأمريكا اللاتينية.

دوران النخب وتداولها على الحكم شيء إيجابي في حد ذاته فهو يخفف من إمكانية الاحتقان إذ يعطي الأمل في التغيير للفئات المعارضة فيشجعها على المساهمة السياسية النشيطة والسلمية

وخصوصا بفنزويلا التي وضعتها بعض القرارات الدوغمائية على كف عفريت. تراجعت نسبة الفقر ببوليفيا بأكثر من خمسين في المئة كما تحسنت الخدمات الصحية والتربوية بشكل كبير. إن موراليس ليس ذلك الزعيم اليساري الحالم والمثالي بل هو رجل دولة من الطراز الرفيع، فلما رأى أن نخبة رجال الأعمال والطبقة الوسطى الغنية ذات الأصل الأوروبي والمتمركزة بشرق البلاد وخصوصا بالعاصمة الاقتصادية سانتا كروز، أصبحت تهدد اقتصاد البلاد بل ووحدتها الترابية كتعبير عن غضبها من سياساته الاشتراكية، انتهج تجاهها سياسة معتدلة أدت إلى تصالح معها ولو إلى حين. هذا لا يعني أنه تراجع عن سياساته الشعبية لصالح الفئات الفقيرة والأهالي الهنود الذين يشكلون حوالي 40 في المئة من الساكنة وكانوا فئة محتقرة بل إنهم لم يحصلوا على المساواة السياسية التامة مع مواطنيهم من الأعراق الأخرى إلا سنة 1952 وذلك بالاعتراف بحقهم بالمشاركة في الانتخابات.

انتهج موراليس سياسة ثقافية جديدة أعادت الاعتبار للأقوام المضطهدة ببلاده، إذ أصبحت هناك راية تمثلها ترفرف إلى جانب العلم التقليدي. كما غير الزعيم اليساري اسم بلاده الرسمي من جمهورية بوليفيا إلى «دولة بوليفيا متعددة الأقوام»، وموراليس نفسه ينتمي إلى هذا الشعب الأهلي الأصيل، بل إلى أفقر فئاته إذ اشتغل راعيا لحيوان اللاما وهو صغير كما عمل في البناء وفي المخابز قبل أن يلتحق بفرقة موسيقية بواقا ممتازا.

وعلى ذكر اللاما فإن لراعيه السابق بعض الشبه به، هذا الحيوان الواسع الانتشار بالبلاد وهو وديع حقيقة إلا أنه قد ينفخ بقوة غريبة في وجه من لا يحترمه أو يثير حنقه عنوة، وهذا ما فعل موراليس سنة 2008 لما طرد سفير الولايات المتحدة المتعجرف شر طردة إذ لازال منصبه شاغرا إلى اليوم. شيء عجيب نجح فيه موراليس وهو حصوله على تنويه بسياساته الاقتصادية من لدن صندوق النقد الدولي الذي في الغالب ما ينتقد السياسات ذات المنحى الاجتماعي القوي والتي تثير عجزا في الميزانية وتدهورا في توازنات الاقتصاد العامة. كذلك ورغم خطابه المنتقد للفئات الغنية والتي لا تساهم بالقدر الكافي في إنجاح الثورة الاجتماعية الهادئة، فإنه استطاع الحفاظ على الاستقرار السياسي للبلاد بل أنه الرئيس الذي حكم أطول مدة منذ استقلال بوليفيا سنة 1825إذ وقع فيها منذ ذاك عشرات الانقلابات أما اذا أضفنا إليها محاولات الانقلاب فإن ذلك يقربنا من معدل انقلاب أو محاولة انقلاب كل سنة أو أقل قليلا.

لكن وكما يقول المغاربة فليس هناك جمال لا يعتريه نقص ما: يبدو أن الرئيس غير مقتنع أن دوران النخب وتداولها على الحكم شيء إيجابي في حد ذاته فهو يخفف من إمكانية الاحتقان إذ يعطي الأمل في التغيير للفئات المعارضة فيشجعها على المساهمة السياسية النشيطة والسلمية، كما يخلخل دوريا بؤر الفساد واستغلال السلطة التي تتكون مع طول مدة حكم نفس النخبة التي تستكين لوضعها المريح فتبدأ باحتقار الجمهور وعدم احترام قواعد القانون والنزاهة.

بعد أن تم انتخابه ثلاث مرات متتالية للرئاسة في الدور الأول وبنسبة مريحة جدا، يبدو أن موراليس بدأ يعتقد أنه قد يخلد في الحكم إذ دعا الشعب سنة 2016 إلى التصويت بنعم في استفتاء نظمه ليعدل الدستور بشكل يتيح له الترشح لولاية رئاسية رابعة. ولأن حكمة الشعوب واقع مدهش، فنفس الناخبة التي صوتت عليه بأغلبية ساحقة كمرشح للرئاسة سنتين قبل ذلك، طوحت بمشروعه السلطوي مصوتة بالسلب لعهدة جديدة. انتظر موراليس بعض الوقت ثم تحايل على الإرادة العامة بإصداره قرارا عبر المحكمة الدستورية يتيح له الترشح من جديد وكذلك كان. وما كان منتظرا وقوعه وقع، إذ تؤكد المعارضة ومعها المراقبون الدوليون منذ اقتراع يوم الأحد الماضي، أن الانتخابات شابتها خروقات خطيرة قد تكون غيرت النتيجة النهائية كما خرجت مظاهرات عارمة للشارع للتعبير عن غضبها من تشبث الرئيس بكرسي الحكم.

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى