سياسة

بركة.. تعديل حكومي بلا هوية سياسية ومغامرة بالمشروعية الديمقراطية

قال نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، إن المغاربة انتظروا لأسابيعَ طويلة، وهي المدة التي لها كلفتُها السياسية، ولها ثقلُها المُعيق لعجلة التغيير المنشود، فجاء التعديل الحكومي بعيدا عن “البروباغندا” الإعلامية، في ثوب تعديل تقني لا أقل ولا أكثر، ولا يَرقى صراحة إلى أفق الانتظارات المشروعة التي تَوَلَّدَتْ وتَوَالَدَتْ طيلةَ الأشهر الماضية، مسجلا أن هذه الحكومة المعدلة اختارت الاستمرارية، وليس القطيعة، باعتراف رئيسها، بحيث أذعنت هي الأخرى لشروط سياسية وحزبية تتنافى ومخرجات العملية الانتخابية، وتعاكس في الجوهر الاختيار الديمقراطي الذي جاء به دستور المملكة، هذا فضلا عن استمرار مسلسل الصراع والتطاحن بين مختلف مكوناتها، وتبادل الاتهامات والاتهامات المضادة على مَرْأًى وعلى مَسْمَعٍ من الرأي العام الوطني والدولي، أيامًا قليلةً فقط بعد التعديل الحكومي، وساعاتٍ معدودةً فقط بعد الخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح السنة التشريعية، الذي دعا فيه جلالتُه إلى الابتعاد عن الصراعات الفارغة، وتضييع الوقت والطاقات.

وأضاف بركة، في دورة عادية للمجلس الوطني لحزب الاستقلال، يوم السبت 2 أكتوبر 2019، بقصر المؤتمرات أبي رقراق بسلا، أن حزب الاستقلال طالب رئيس الحكومة بالإفصاح عن التوجهات الجديدة لحكومته المعدلة، بعد أن تغيرت تركيبة الأغلبية، واختلفت الهندسة الحكومية بالتقليص والإدماج والحذف، وتم إعفاء عدد كبير من الوزراء ارتبط أداؤهم وتأطر إلى حد كبير بالبرنامج الحكومي الذي سبق أن نال ثقة البرلمان في ظل النسخة الأولى من هذه الحكومة، وهو برنامج ينتمي إلى النموذج التنموي الحالي المأزوم بقدر ما يترجم الاختيارات والتوجهات التي هناك إجماعٌ على فشلها، كما ساءله عن هوية حكومته الهجينة، وهو الذي يتحمل مسؤوليةَ اقتراحِ جميع أعضائها بدون تمييز طبقا للدستور، مجددا مطالبة السيد رئيس الحكومة بضرورة إضفاء الهوية السياسية والمضمون الديمقراطي لهذه الحكومة المعدلة، ليس فقط بالخطاب وبالكلام أو من خلال البحث عن الذرائع الدستورية..

وشدد نزار بركة على ضرورة أن يشعر المواطن أن ما وقع من تعديل قد يخلق الرجة السياسية المنشودة التي تبدأ بمجموعة من تدابير الثقة واستعادة الثقة، والتي نعتبرها في حزب الاستقلال أن تنطلق أساسا من تجديد ثقة البرلمان في برنامج حكومي جديد مرقم ومدقق يغطي السنتين القادمتين، إضافة إلى وضع مشروع قانون مالي لسنة 2020 ينبثق من التزامات هذا البرنامج الجديد، والمُضي قدما في تقوية المسار الديمقراطي بما يجعل الكفاءة والفعالية والديمقراطية وتقديم الحساب هي مقوماتٌ لمنظومة واحدة ومتجانسة لتحقيق الانتقال التنموي والارتقاء إلى المرحلة الجديدة التي نتطلع إليها.

وأبرز الأمين العام أن رئيس الحكومة يعاند مرة آخرى، ويغامر بالمشروعية الديمقراطية وهو يدعي أن الحكومة في صيغتها الجديدة ستواصل تطبيق نفس البرنامج الحكومي الذي يعود إلى سنة 2017، وهو البرنامج الذي فقدَ شرعيتَه ومصداقيتَه بعد أن تجاوزته التطورات السياسية والتنموية، لا سيما بعد خطاب العرش، وخطاب ثورة الملك والشعب، والخطاب السامي الأخير بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الجديدة، مشيرا إلى أن هذه الحكومة بدون رؤية وهوية سياسية، ولا استراتيجيات واضحة، بل هي حكومة غير قادرة على إبداع الحلول الخلاقة للمشاكل الاجتماعية، متسائلا عن مصير “برنامج ممكن” الذي وعدت من خلاله الحكومة بخلق مليون و200 ألف منصب شغل ، والذي كان من الأجدر تسميته بالبرنامج المستحيل وليس الممكن.

وأشار نزار بركة إلى أن معدل النمو الذي تحققه هذه الحكومة لا يتجاوز 3 في المائة، ومحتوى التشغيل في النمو في تراجع مُطرد، ومقاولات القطاع الخاص في إفلاس مستمر بمعدل إفلاس مقاولة في كل ساعة، بالإضافة إلى إدماج الشباب في الحياة المهنية والاجتماعية عبر التكوين الملائم والشغل اللائق، لا زال معطلا وسجينا لمقاربات تجريبية غير مضمونة، ومكلفة من حيث الموارد المالية، ومن حيث زمن الإنجاز، ومن حيث رصيد الثقة المتبقي لدى الشباب المغربي في الإصلاح، وفي إمكانية التمتع بغد أفضل هنا داخل حدود الوطن، موضحا أنه في غياب الرؤية وهشاشة الحلول المقدمة من طرف الحكومة، وعدم اهتمامها ببناء القدرات وتحرير الطاقات وتشجيع الخبرات، وفي ظل عدم قدرتها على زرع الثقة والأمل في نفوس الشباب، اضطرت الآلاف من الكفاءات المغربية في مختلف التخصصات إلى الهجرة نحو الخارج، وهذا إهدار للرأسمال البشري الذي لا يقدر بثمن، واستنزاف لقدرات بلادنا.

وأكد بركة أن هذه الحكومة عاجزة على خلق الثروة، وتوفير الشروط الكفيلة بجلب وتحفيز الاستثمارات الوطنية والأجنبية، وتقوية الثقة في مناخ الأعمال ببلادنا، وعاجزة عن فتح ورش الاقتصاد غير المهيكل، ومحاربة الريع والامتيازات، والتهرب الضريبي، هذا هو الواقع المأزوم الذي يكذب نجاعة وفعالية توجهات وأهداف وتدابير البرنامجِ الحكومي، مسائلا السيد رئيس الحكومة عن كيف تزال حكومته تعاند ضدا على مصلحة البلاد، ومصالح المواطنات والمواطنين، مضيفا أنه “عجيبٌ وغريبٌ أمرُ هذا العنادِ المدمر الذي تُعوزُه فضيلةُ الإنصات وفضيلة النقد الذاتي، عنادُ وتصلُّب الحكومة يمنعُها من أن تَتَقَبَّلَ النُصحَ بالتي هي أحسن”.

ويذكر أن الجلسة الافتتاحية للدورة العادية للمجلس الوطني لحزب الاستقلال، والتي ترأس أشغالها شيبة ماء العينين، رئيس المجلس الوطني للحزب، تميزت بالعرض السياسي لنزار بركة، الأمين العام للحزب، والتي تلتها مناقشة مستفيضة حول مضامين العرض السياسي الذي لامس عدد من القضايا الراهنة، وفي مقدمتها مستجدات الدخول السياسي الجديد خاصة بعد التعديل الحكومي واستئناف النشاط النيابي والتشريعي، وعدد من القضايا الاقتصادية والاجتماعية، وانعكاسات ذلك على الحياة اليومية للمواطنات والمواطنين وفي هذا السياق تقييم الحزب لمقتضيات مشروع القانون المالي والتداول في أهدافه وأولوياته وتدابيره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى