سياسة

الباهي: المادة 9 تغطية عن الحاجة لإصلاح الإدارة وجعلها منضبطة للقانون وتغل يد القضاء وتعطل أحكامه

كان واضحا منذ عرض مشروع قانون المالية على مجلس النواب، ثم فيما بعد على مجلس المستشارين، على مستوى لجنة المالية، أن المادة 9 ،من هذا القانون، ستكون المادة الأكثر إثارة للجدل، والأكثر المواد اشتعالا، وبالرغم من أن وزير الداخلية كان جمع الفرق البرلمانية في مجلس النواب، بما فيهم النائب البرلماني عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، عمر بلافريج، وتقدم بصيغة معدلة لأصل المادة كما عرضت، والتي نصت على وجه التحديد، على أنه “يتعين على الدائنين الحاملين لأحكام قضائية تنفيذية نهائية ضد الدولة أو الجماعات الترابية ومجموعاتها ألا يطالبوا بالأداء إلا أمام مصالح الآمر بالصرف للإدارات العمومية أو الجماعات الترابية المعنية”، وأنه “إذا تبين أن الاعتمادات المتوفرة غير كافية لتنفيذ الأحكام القضائية فإن الآمر بالصرف يقوم وجوبا بتوفير الاعتمادات اللازمة لأداء المبلغ المتبقي في ميزانية السنوات اللاحقة، وذلك في أجل أقصاه 4 سنوات دون أن تخضع أموال الدولة والجماعات الترابية للحجز”، وهي التعديلات التي قبلتها كل الفرق، باستثناء بلافريج الذي سيصوت مع النائب مصطفى الشناوي ضدها، حيث جرى تمريرها في مجلس النواب، بالرغم من كل ذلك، مازالت المادة تثير جدلا سياسيا وقانونيا وقضائيا وحتى دستوريا.

في مجلس النواب، كان انبرى وزير العدل، محمد بنعبد القادر قائلا “ليست هناك دولة في العالم تجيز الحجز على أموال الدولة لأن فيها رواتب وأجور الموظفين، وسيارات الإسعاف والمستشفيات وبالتالي الدستور الذي يضمن تنفيذ الأحكام القضائية النهائية، هو نفسه من يضمن استمرار المرفق العام”.

وأضاف المسؤول الحكومي “أن التركيز يجب أن يتجه نحو تنفيذ الأحكام واستمرارية المرفق العام”.

أمس الاثنين مساء رضخت  الأغلبية  بلجنة المالية للحكومة ومررت المادة 9

بمصادقة أمس الاثنين، لجنة المالية بمجلس المستشارين على المادة 9 دون أن يدخل عليها أية تعديلات، يكون المجلسين قد رضخا لإرادة الحكومة وانتهت عمليا المادة للإجازة من الناحية القانونية على مستوى المؤسستين، فعدم لجوء المستشارين للتعديل، يعني أنها لن تطرح مجددا أمام أنظار البرلمان.

اختار حزب العدالة والتنمية أمس بمجلس المستشارين إلى جانب الفريق الاستقلالي الامتناع عن التصويت، وصوت على مستوى اللجنة ضد المادة الفريق الاشتراكي، في حين صوتت باقي الأحزاب، بما فيها تلك التي اظهرت معارضة للمادة، ومنها على وجه التحديد حزب الأصالة والمعاصرة لصالحها ومعهم ممثلي الباطرونا المادة، بينما عارضتها الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، والاتحاد المغربي للشغل، والفيدرالية الديمقراطية للشغل.

وذكر احساين عن الكنفدراية الديمقراطية للشغل، أن مجلس المستشارين وفريقه رفضا جميعا هذه المادة في عام 2017، واضاف  أحساين في تصريح لهسبريس، أنه لا يمكننا رفض مادة ونعود للتصويت عليها في ظرف سنتين لأسباب نجهله، مؤكدا في التصريح نفسه، أن هذه المادة غير دستورية، وتخرقه في ثلاثة مواد وعلى رأسها المادة 6 والمادة 126 من الدستور، مشددا التأكيد أن فريقه يرفض رفضا باتا هذه المادة.

بدوره طالب الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين من رئيس الحكومة، العمل على لم مكونات الأغلبية لتدارك ما سماه التذبذب الكبير فيما بينها حيال المادة 9.

التقدم والاشتراكية دعا من جهته لحذف المادة، مؤكدا أنها لا تحترم مقتضيات الدستور.

وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، محمد بنشعبون، قال خلال مناقشات اللجنة، إن اقتراح منع الحجز على أموال وممتلكات الدولة، الذي نصت عليه المادة التاسعة من المشروع، “لا يعتبر عاملا تفضيليا للدولة، بقدر ما هو إجراء لضمان استمرارية المرفق العام”.

مؤكدا في السياق ذاته أن الحكومة لا تنوي من خلال اقتراح هذه المادة “لا خرق الدستور ولا إفراغ الأحكام القضائية من محتواها”، مشددا على أن الهدف في إطار مشروع قانون المالية برمته هو “توطيد ثقة المواطن في مؤسسات البلاد وليس العكس”، مؤكدا الحرص على “احترام الأحكام القضائية، وعلى التنفيذ السريع لهذه الأحكام، ولكن في الوقت ذاته الحرص على ضمان استمرار المرفق العام في أداء الخدمات المقدمة للمواطن بشكل خاص”.

الباهي عبدالسلام: المادة 9 تتعارض مع الدستور ومع سيادة القانون

في تعليق على هذا الجدل، صرح ل “دابا بريس” عبدالسلام الباهي المحامي من هيئة الدارالبيضاء وأحد الفاعليين الحقوقيين، أنه و رغم عدم تمكننا من الاضطلاع على الصيغة النهائية لهذه المادة، بعد تصويت مجلس المستشارين، فإنه يمكن القول استنادا للصيغة الأولى والتعديلات التي لحقتها، أنها فيها إشكال كبير جدا، نظرا أولا لأنها تتعارض مع الدستور، وتتعارض مع المبادئ القانونية بصفة عامة، وتخلق وضعية غير مقبولة.

وأضاف الفاعل الحقوقي، أن الجانب غير مقبول في هذه المادة، أنه عوض إصلاح الإدارة لتقوم بواجبها القانوني، و أن لا تكون مضطرة لأن تنفذ عليها أحكاما ولا أن تصدر في حقها أحكاما وأن تكون تقوم بواجبها بصفة تلقائية، وتحترم القوانين، وتقوم بالإجراءات القانونية الواجبة، وفي هذه الحالة وحدها لن يكون هناك أي مبرر للجوء الناس لمقاضاة الإدارة.

وأفاد الباهي في التصريح نفسه، أنه وعوض اللجوء لإصلاح الإدارة وإصلاح الجماعات، لكي نصل لهذا المستوى من دولة الحق والقانون، الاتجاه الذي دهبت فيه هذه المادة 9 أو هذه الصيغة من المادة 9 هو التغطية وتكريس عجز الإدارة وعدم تطبيقها للقانون، ولكي لا يتم الحجز عن ممتلكات الدولة نتيجة الأحكام، التي معناها أنها تقول للدولة والإدارة أنك لا تطبقين القانون كما يجب، أو لا تطبقيه أصلا، والقضاء يحكم عليها بسبب ذلك، وعوض أن تتجه إرادة المشرع، وإرادة الفاعل السياسي والمقرر السياسي لتصحيح هذه الوضعية، لتقوم الإدارة بواجبها وتطبق القانون، تأتي المادة 9 للتغطية على عدم قيام الإدارة، بدورها وبالتالي نقوم بغل يد القضاء، والأحكام القضائية، وهذا وضع نشاز وغير مقبول.

في نفس السياق، قال المحامي من هيئة الدارالبيضاء، إن هذه المادة تتعارض مع الدستور ومع مبدأ سيادة القانون ودولة الحق والقانون، مستدركا أنه لا يعرف ما هو الموقف الذي سيكون للأجهزة التي تراقب دستورية القوانين، ولكن على كل حال هذه المادة تطرح إشكالا كبيرا، له طبيعة قانونية ودستورية، وله أيضا طبيعة  سياسية  يتمثل في كيفية التعامل مع الإدارة في حالة إخلالها بالقوانين، هل نغطي عليها ونقول لها استمري في نهجك، أم نقول لها لا يجب عليك أن تنضبطي للقضاء، ولأحكام القضاء، ويجب أن تعطي المثال في حسن التدبير وفي حسن تطبيق القانون وفي حسن الاستجابة للأحكام القضائية عكس ما تذهب له الأمور الآن، وهذا أمر مؤسف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى