اقتصادرأي/ كرونيك

أي دور للسياسات المالية والضريبية في النموذج التنموي الجديد

يأتي هذا الموضوع في سياق التحديات الاجتماعية والأعطاب الاقتصادية التي يعرفها المغرب، نتيجة قصور و فشل النموذج التنموي الحالي، و الذي أصبح غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة، و الحاجيات المتزايدة للمواطنين، و للحد من الفوارق بين الفئات و التفاوتات المجالية، و تحقيق العدالة الاجتماعية، في غياب المقاربة المندمجة و غياب الكفاءات المختصة في الميادين المنتجة، وضعف التنسيق بين مختلف القطاعات الوزارية، قصد تشكيل و بلورة سياسات عمومية منسجمة و متماسكة مؤسسة وفق مبادئ الحكامة الجيدة.

و في سياق صدور تقارير رسمية تدق ناقوس الخطر فيما يخص الوضع الاقتصادي و الاجتماعي ببلادنا، حيث انتقد المجلس الاقتصادي و الاجتماعي في تقريره الأخير استراتيجية النهوض بقطاع الاقتصاد الاجتماعي و التضامني خلال الفترة الممتدة ما بين 2010 و 2020 و التي كان يعول عليها المغرب للمساهمة في الرفع من قدرة الاقتصاد الوطني.

كما أن صندوق النقد الدولي اعتبر نسبة 4.5٪ غير كافية لتحقيق إقلاع اقتصادي و اجتماعي، و أصدر تقريرا تحت عنوان المغرب في أفق 2040، أكد من خلاله أن المستوى المعيشي للمغاربة حاليا يعادل نظيره لدى الفرنسيين و الإيطاليين في عام 1965.

مما دفع بالعاهل المغربي إلى التصريح في خطاب 29 يوليوز 2019 عن حاجة المغرب إلى بناء نموذج تنموي جديد: “لقد دعوت من هذا المنبر السنة الماضية إلى إعادة النظر في النموذج التنموي الوطني، و بلورة منظور جديد، يستجيب لحاجيات المواطنين، و قادر على الحد من الفوارق و التفاوتات، و على تحقيق العدالة الاجتماعية و المجالية و مواكبة التطورات الوطنية و العالمية.”

و بالرجوع إلى المحاور الأساسية لهذه الندوة الوطنية، نستشف مدى التأثير و التفاعل للسياسات المالية و الضريبية. على النموذج التنموي المتوخى.
لذلك سنقف قليلا عند التقرير الأخير الصادر عن المجلس الاقتصادي و الاجتماعي، و الذي خصص بابا مفصلا تحت عنوان “النظام الضريبي، دعامة للنموذج التنموي الجديد”، حاول من خلاله معالجة مجموعة من النقط المرتبطة أساسا بالنظام الضريبي المغربي، و الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالنموذج التنموي الجديد ببلادنا.

و من خلال كل ما سبق، و في سياق إعداد تصور شامل للنموذج التنموي الجديد، بمكنونه الرئيسي الذي هو، نموذج نمو اقتصادي مستدام، نطرح عدة أسئلة ذات طبيعة جبائية و هي أسئلة تحدد مسار السياسة الجبائية في الموضوع.

أولا: كيف يمكن الرفع من مداخيل الدولة بدون تأثير سلبي على معدلات النمو الاقتصادي؟

ثانيا: كيف يمكن أن نوازي بين العدالة الاجتماعية و النجاعة الاقتصادية، من خلال إعادة النظر في تركيبة الجبايات، ما بين ضرائب مطبقة على عائدات عوامل الإنتاج، العمل و الرأسمال (كالضريبة على القيمة المضافة و الضريبة الداخلية على الاستهلاك)

ثالثا: كيف يمكن بلورة سياسة جبائية منعشة للاقتصاد، أي نظام جبائي يشجع على العمل و الادخار و الاستثمار و كذا تراكم الرأسمال؟

إن النموذج التنموي الجديد، حسب تصورنا، يجب ألا يشكل قطيعة مع سابقه، بل يجب أن يكون امتدادا للتوجهات و الإصلاحات التي تم إقرارها و الأوراش الكبرى التي تم تدشينها مع إدخال البعد الاجتماعي كأساس لتحقيق التنمية بشموليتها، من خلال جعل المواطن المغربي في صلب عملية التنمية و اعتبارة الغاية الأساسية منها في جل القطاعاتو كذا إشراك الكفاءات الوطنية المؤهلة.

من أجل ذلك يجب العمل على واجهتين أساسيتين، تتعلق الأولى بآليات أنتاج الثروة و القيمة و القسمة الاقتصادية المضافة، فيما تهم الواجهة الثانية، آليات توزيع الثروة و ثمار النمو الاقتصادي و ذلك يفرض وجود نشق سياسي و اقتصادي و اجتماعي ملائم يسمح بتطور اقتصادي واضح، و باستفادة مختلف الفئات الاجتماعية و القطاعات الاقتصادية، و المجالات الترابية بشكل منصف من ثمار التنمية و من القيمة المضافة التي تنتجها الدولة.

رابعا: أي تحفيزات يجب تقديمها، لتشجيع و تجويد الرأسمال البشري، و الابتكار و البحث العلمي و الحكامة من أجل الرفع من الانتاجية العامة لعوامل الانتاج و التي من شأنها أن ترفع من النمو الاقتصادي.

خامسا: أي سياسة ضريبية ملائمة للنموذج التنموي الجديد من شأنها الحد من تفاقم القطاع غير المهيكل، و السعي نحو توسيع الطبقة المتوسطة باعتبارها عنصرا ضامنا لتقدم و نمو الاقتصاد.

و بناء على كل ما سبق، فإننا نعتبر أن أي نموذج تنموي جديد يحتاج إلى وضع استراتيجية شاملة للتنمية، ترتكز على إطار ماكرو اقتصادي متماسك، وتشجيع أسلوب الحكامة الجيدة في التدبير و رؤية مندمجة لمختلف أبعاد السياسات الاقتصادية و القطاعية، و تنمية الرأسمال البشري، كمرتكز أساسي للنموذج التنموي، و التوجه نحو اقتصاد المعرفة، وتبسيط المساطر، ومواكبة التحول الرقمي الذي يعرفه العالم، و إقرار سياسة جبائية متوازنة و عادلة.

وفي الختام، فإننا نعتبر المغرب من الدول النامية التي تتوفر على إمكانيات مادية وبشرية هائلة، تؤلهها لتحقيق إقلاع اقتصادي واجتماعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى