سياسة

الائتلاف الحقوقي الإقرار بفشل النموذج التنموي يستوجب الوقوف عند أسباب عرقلة مجهودات التنمية ل60سنة

أكد الائتلاف المغربي لهيآت حقوق الإنسان، الذي يضم أكثر من 20 هيئة ومنظمة حقوقية،  أن الإقرار الفعلي بفشل النموذج التنموي يستوجب الوقوف عند أسباب عرقلة مجهودات التنمية الحقيقة للبلاد خلال الستين سنة الأخيرة، وفشل الاختيارات التي اتبعتها الدولة منذ عقود في تحقيق التنمية الحقيقة، وطرح السؤال حول مدى ارتباط ذلك بفشل الدولة في تنفيذ التزاماتها في مجال حقوق الإنسان، التي هي كما هو معروف، تتضمن ليس فقط الحريات السياسية والحقوق المدنية التي تمت الإشارة إلى بعضها، ولكن أيضا الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والحقوق الفئوية.

وأضاف الائتلاف في المذكرة التي وجهها للجنة المكلفة بوضع النموذج التنموي الجديد، والذي توصلت “دابا بريس” بنسخة منها، إن الإقرار اليوم بفشل النموذج التنموي يحيل على سؤال عن مدى وجود نموذج تنموي فعلي في العقود الأخيرة، كفيل بأن يكون موضوع تقييم، خاصة منذ توقيف محاولات الحكومات الأولي لنهاية الخمسينات لوضع البلد على سكة التنمية المبنية على استقلال القرار الاقتصادي والسياسي.

في نفس السياق، قالت المذكرة، إنه ومنذ المرحلة التي تلت 1956، والتي وضعت فيها سياسات غايتها السير بالبلاد في اتجاه استقلالها الاقتصادي وفك الارتباط بالبلد المستعمر وتنويع العلاقات الاقتصادية مع الدول الأجنبية، وخلق العملة الوطنية، والتوجه نحو التصنيع، وعدم اقتصار مصادر خلق الثروة على الفلاحة. لكن تلك المحاولات تم توقيفها وتمت عرقلة بناء نموذج تنموي ببلادنا.

إلى ذلك أفادت المذكرة ذاتها، أنه وفيما  ارتبطت أغلب الاحتجاجات والانتفاضات الكبرى للشعب المغربي بانتهاك الدولة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية للناس،فإن المقاربة القمعية التي تلجأ إليها السلطة باستمرار تنتج عنها انتهاكات جسيمة للحقوق المدنية والسياسية،يتضرر منها ضحاياها المباشرون من المشاركين في الاحتجاجات، ولكن أيضا ذويهم والمجتمع ككل، وتكون مصدرا لعرقلة أي مجهودات تنموية وأي إمكانيات للسير بالبلد نحو التقدم ورفاهية المواطن.

وأوضح المصدر ذاته، في إطار تقديم مذكرة الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان، للجنة الخاصة بوضع النموذج التنموي الجديد، أن المغرب ونتيجة لكل ما سبق، لا زال يعيش احتقانا كبيرا ناتجا عن انتهاك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحرمان من الحق في العيش الكريم، ويعرف احتجاجات متنوعة، سواء منها احتجاجات فئات منظمة أو احتجاجات عفوية للسكان حين يواجهون صعوبات في الحياة وتتعرض حقوقهم الأساسية للخرق والانتهاك، مشيرة أنه و  من بين أكبر المجالات التي أفرزت السياسات المتبعة فيها سخطا ورفضا وغضبا هي السياسات في مجال التعليم والصحة والسكن والأرض، والقضاء وتدبير الخدمات العمومية الأساسية، بما فيها من طرف الجماعات الترابية، موضحة .أن السياسات المتبعة منذ ستين سنة لم تحقق العدالة الاجتماعية والمجالية، ولازالت الفوارق الاجتماعية شاسعة ينتج عنها المزيد من الهشاشة الاجتماعية وتراجع الاندماج الاجتماعي وتدهور الأوضاع المعيشية والمس بكرامة المواطنين والمواطنات. بالإضافة الى فوارق جهوية ومجالية.

واعتبرت مذكرة الائتلاف، أنه ينبغي وقبل الاعتراف بفشل النموذج التنموي وتشكيل لجنة لبلورة نموذج جديد، سبق للمسؤولين أن شكلوا لجانا كثيرة وضعت تقارير ومشاريع لا يخلو الكثير منها من إيجابيات ومضامين متقدمة، لكنها كلها اليوم محل نقد شديد لأننا لا نجد مشروعا ضمن تلك المشاريع، مشيرة أنه  يمكن أن نقف اليوم عند مآله ونقول إن بلادنا تمكنت بفضله من تغيير الواقع الذي استهدفه المشروع، وتقدمنا في المجال الذي وضع من أجل التقدم فيه.

وقدمت المذكرة، أمثلة للجان والمبادرات و التي سبق وأسست للغايات نفسها وذكرت منها:

ــ سنة 2000، وضع ميثاق التربية والتكوين وبعده المخطط الاستعجالي لتنفيذه قبل أن نقف على ما جاء في تقارير رسمية من ضمنها تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2014، بخصوص الاختلالات العديدة التي سجلها بشأن تدبير الميزانية المخصصة لهوما نتج عن ذلك من المزيد من تدهور التعليم العمومي وتراجع المدرسة العمومية.

ــ سنة 2005، أعلنت الدولة عن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وأرصدت لها مبالغ ضخمة، لكن ترتيب المغرب في مجال التنمية البشرية لم يتقدم وظل من بين الرتب المتدنية، أقل أحيانا من ترتيب دول تتوفر على إمكانيات وفرص أقل بكثير من التي يتوفر عليها المغرب.

ــ سنة 2006 أعلنت الدولة عن نتائج عمل هيئة الإنصاف والمصالحة وثمنتها مختلف مكونات الحركة الحقوقية ــ رغم تجنبها لطرحإحدى أهم مكونات العدالة الانتقالية وهي المساءلة ــ لكننا اليوم نقف عند عدم وفاء الدولة بالتزامها في تنفيذ أغلب وأهم توصياتها وهي وضع استراتيجية لمناهضة الإفلات من العقاب وهي تعد شرطا من شروط ضمانات عدم التكرار.

ــ سنة 2007، أعلنت الدولة رسميا عن الأرضية المواطنة من أجل إشاعة ثقافة حقوق الإنسان، واليوم بعد أكثر من عقد من الزمن نرى أنها لم توضع محل تنفيذ ونرى كيف تدهورت القيم داخل المجتمع بل وتم حصار العمل الذي تقوم به الحركة الحقوقية في مجال التربية على حقوق الإنسان وإشاعة ثقافتها.

ــ سنة 2008، تم الإعلان عن مخطط حقوق الطفل تحت عنوان “من أجل مغرب جدير بأطفاله” ولا زالت الطفولة المغربية تتعرض لأبشع أشكال العنف من استغلال اقتصادي وعنف جنسي وحرمان من أبسط الحقوق.

ــ في 2011، تم وضع دستور جديد سمي بدستور الحقوق، حيث خصص فيه باب كامل للحقوق والحريات، إلا أن نفس الحقوق والحريات التي يحميها تتعرض اليوم لانتهاكات سافرة من طرف السلطة دون أي اعتبار للدستور.

ــ في 2012، وضعت الخطة الحكومية للمساواة، هدفها النهوض بوضع النساء والقضاء على العنف ضدهن،لكن المغرب اليوم يصنف في البلدان العشر الأخيرة في مجال المساواة في الفرص بين النساء والرجال من طرف المنتدى الاقتصادي العالمي.

ــ في 2015، شكلت لجنة إصلاح منظومة العدالة، واليوم يقف الجميع عند الواقع المتردي للقضاء المتميز باستمرار الإفلات من العقاب في جرائم انتهاك الحقوق والحريات، واستمرار الاعتقال بسبب الرأي واستغلال القضاء في قمع الحريات.

ــ وقبل كل هذا، ألم يوضع تقرير الخمسينية ساهمت فيه كفاءات اقتصادية عالية، يغطي فترة تصل إلى حدود سنة 2024 ليحقق أهدافه؟ ألم ينبغ أن يكون تمفصل هذا التقرير مع تقرير هيأة الإنصاف والمصالحة هو الأساس لتفسير أسباب وسياقات “الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان”. لأن الانتفاضات أو الاحتجاجات التلقائية أو المنظمة التي حدثت بعد الاستقلال لها أسبابها في تدهور الواقع الاقتصادي والاجتماعي، وفي السياسات العامة المطبقة منذ الستينات.

ليخلص تقديم المذكرة، أنه وفيما تتتالى المشاريع والمخططات، وتشكل اللجن وتوضع التقارير والتوصيات يستمر وضع مزري لأغلب المواطنين والمواطناتوتتراجع مؤشرات التنمية، على حد تعبير المذكرة ذاتها.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى