اقتصادحوارات

في الجزء 2من الحوار مع الباحث الاقتصادي بنشقرون: تقييم لاختلالات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية3/2

عبدالأله المهمة

عبد الإلاه المهمة: الأستاذ بنشقرون مرحبا بكم من جديد معنا في  هذا الحوار في موضوع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، في جزئه الثاني، و الذي يشغل اهتمامكم كثيرا في أبحاثكم و كتاباتكم

عبد العالي بنشقرون: أهلا و سهلا و شكرا على الاستضافة

الباحث الاقتصادي عبدالعالي بشقرون

 

عبد الإلاه المهمة : في فضاءات البوادي المغربية يوجد مجال لمئات مشاريع صغيرة وبسيطة للبنى التحتية والمنتجات والخدمات والمشاريع المدرة للدخل والتعاونيا،  إن المنفعة من هذا المنظور  للاقتصاد الاجتماعي التضامني تختلف عما درسنا في الكلية في نطاق المنفعة عند الاقتصاديين  الكلاسيكيين؟

 

عبد العالي بنشقرون:
بالفعل فإن الانطلاق هنا يتم من مفهوم آخر لأن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني الذي يطمح إلى أن يكون اقتصادا بديلا يندرج ضمن منظور آخر بالنسبة للمنفعة الاستهلاكوية والمنطق الانتاجوي. لأن هذا المنظور الأخير غالبا ما يخلق حاجيات مصطنعة، في حين أن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني يعطي أهمية أكثر للمنفعة الاجتماعية أو المجتمعية ومنها العمل لصالح ذوي الدخل المحدود … علما أن هذا المفهوم يضم أيضا المنفعة الايكولوجية و تزويد هذه الفئات الضعيفة بالخدمات وبما يحتاجونه من مواد، وكل هذا يبرر الخصوصيات الضريبية لهذا القطاع كما قيل قبل قليل .
خلال توقيع الكتاب المشترك نورالدين سعودي وعبدالعالي بنشقرون برواق وزارة الثقافة بمعرض الكتاب

عبد الإلاه المهمة: وما موقع المرأة من منظومة الاقتصاد الاجتماعي التضامني؟

عبد العالي بنشقرون: إن واقع المرأة بالمغرب، وخاصة المرأة القروية يتميز بنوع من الهشاشة، رغم بعض التقدم في نصوص القوانين، إنها تعاني من نوع من التهميش الاجتماعي والحيف الاقتصادي، وذلك الوضع ناتج عن الإرث الاجتماعي الثقافي … في حين أن مقاربة المساواة ومقاربة النوع تنطلق من اعتبار المرأة ندا للرجل في الوضع الاجتماعي، وفي مجال الشغل  وتدبير الشأن العام … إن المرأة تعاني من اللاتكافؤ ومن الحيف منذ قرون.

عبد الإلاه المهمة: إن الأزمة العالمية تؤثر في وضع المرأة سواء في الولايات المتحدة أو أوربا أو في البلدان الأقل تصنيعا؟

عبد العالي بنشقرون: بالضبط إذ أن المرأة تشكل أكثر من 50%  من البشرية وتسدي ثلثي العمل، ولا تحقق إلا 10% من الدخل العالمي وتملك فقط 1% من الثروة العالمية. إنها أول من يتأثر بنتائج العولمة والأزمة العالمية الاقتصادية والمالية. إن الفقر والهشاشة نسويتان أكثر منها رجوليتان خاصة في البلدان التي تصنف في طريق النمو.

عبد الإلاه المهمة: كيف أن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني يهتم باستقلالية المرأة وتأمينها الاقتصادي؟

عبد العالي بنشقرون: إن سؤال الاستقلالية الاقتصادية والمادية للمرأة حيوي، كما هو الشأن بالنسبة لحق المرأة في التملك و كما هو الأمر للرجل وأيضا الحق في تدبير الشأن العام. إن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني يحيل على حقوق المرأة والرجل في الصحة والتعليم وفي بيئة نظيفة بدون عنف، الحق في المواطنة والشغل، و إن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني يضيف البعد التضامني وحماية المنظومة الأسرية الاجتماعية لضمان الأمن الاقتصادي وتلبية حاجيات الإنسان.

عبد الإلاه المهمة: من هذه الزاوية فإن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني يسدي لنا منظورا موسعا نسبة لمقاربات أخرى؟

عبد العالي بنشقرون: تماما، إذ أن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني مثلا متكامل مع مقاربة النوع  و يغنيها كمقاربة شمولية.

عبد الإلاه المهمة: و على أية حال يوجد الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بالمغرب؟

عبد العالي بنشقرون: بالمغرب هناك برامج تروم إنعاش عدد من الأنشطة الاقتصادية والخدمات الاجتماعية الموجهة نحو الطبقات الاجتماعية ذات وضعية هشة وذوي الدخل المحدود. وأحيانا  هذه الأعمال والبرامج تكون محتضنة من طرف الدولة أو المؤسسات العمومية بشكل كامل أو شبه كامل، وربما هذا الأمر ليس بالضرورة شيئا جيدا… بالمغرب إذن فإن القطاع الاقتصادي والاجتماعي والتضامني يدبر حسب منطق مختلف عن منطق السوق ولذلك يفترض نوعا من موازنة  Péréquation مع قطاعات أخرى ذات قيمة مضافة كبيرة، من هنا التضامنية مع القطاع الثالث… وهذا الشيء مفهوم  وعادي حتى مقارنة مع تجارب أخرى في العالم… وأيضا من هذا المنظور فإن هذه التجارب الاجتماعية والتضامنية تحاول تخصيص موقع مهم لإنعاش المرأة وتحسين أوضاعها.

عبد الإلاه المهمة: كيف يمكن تقييم برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بالنسبة للاقتصاد الاجتماعي والتضامني؟

عبد العالي بنشقرون:

المبادرة الوطنية للتنمية البشرية عبارة عن برنامج يتور على وسائل مهمة وهو موجود للفئات الهشة خاصة في المناطق الأكثر فقرا. وتقوم فلسفته على دعم المشاريع المدرة للدخل القار للنساء والرجال والتعاونيات والجمعيات الراغبة في تحسين أوضاعها … لقد كانت حصيلة المرحلة الممتدة 2005 إلى 2015 من هذا البرنامج ما بين ما مجموعه 38000 مشروع منها 8000 مشروع مذر للدخل. وحسب الاحصائيات فلقد استفاد من هذه المشاريع جميعها أقل بقليل من 10 مليون شخص وبلغ الاستثمار الاجمالي في هذه العشر سنوات 29 مليار درهم. كل هذه الأرقام جاءت على لسان وزارة الداخلية التي لها الوصاية على هذا البرنامج … و هي  أرقام مهمة على ما يظهر… لكن في الواقع يجب الانكباب على الجانب النوعي والتقييم الموضوعي لهذه المشاريع. يلزم تفحص طريقة اختيار هذه المشاريع … هل أن هذه المشاريع تنطلق من الاستماع للمعنيين للتقرير في اختيار المشروع ، وأيضا النظر عن قرب في مدى الشفافية والحكامة في تدبير إنشاء المشروع وتشغيله سواء كانت التعاونيات هي الحاملة للمشروع أو جمعيات أو أفراد … من جهة أخرى يلاحظ في إطلاق هذه المشاريع وتأطيرها ومرافقتها أن عددا من الجهات تتدخل للدعم والمرفقة فتظهر نزاعات في الصلاحيات لا تكون ضرورة في صالح نجاح المشروع ونجاعته. ثم إن هذه البرامج خاصة يلزم أن تتشدد مراقبتها لضمان الحكامة المثلى و الشفافبة المطلقة و محاسبة من يدبرها على أساس مبدأ الاحتكام للنتائج Obligation de résultats     و التقييم المستمر للتنفيذ و الإنجاز.

الباحث الاقتصادي عبدالعالي بشقرون

 

عبد الإلاه المهمة: إن قطاع التعاونيات يعتبر العمود الفقري للاقتصاد الاجتماعي والتضامني إلى جانب القطاع الجمعوي والتعاضدي. ما هو الوضع التعاوني بالمغرب؟

عبد العالي بنشقرون:

بالفعل، فإن التعاونيات بالمغرب بجانب الجمعيات  تعتبر أهم دعامة للقطاع الثالث. فهناك حوالي 12 ألف تعاونية بالبلاد، وفي الصويرة وحدها مثلا هناك 60 تعاونية من أصل 120 كلها نسائية بما مجموعه حوالي 3000 عضوة، إنهن يشتغلن في مجالات مختلفة من الانتاج والتثمين وتسويق زيت الأركان ومشتقاتها الغذائية  والتجميلية، والستيفيا التي تعتبر منتوجا مبدعا، وأيضا في الصناعة التقليدية … إن هذه الهياكل تهدف إلى ضمان دخل قار للمنخرطات، وتثمين وتسويق منتوجات المنشأ، وأيضا القيام ببعض الأدوار الاجتماعية مثل محاربة الأمية والرعاية الصحية للمرأة والأطفال .

عبد الإلاه المهمة:

لكن إذا عدنا لتعدد التدخلات من طرف الإدارات والمؤسسات المختلفة دون تنسيق أو تكامل، فهذه الوضعية ربما تسبب ضياع بعض الجهد.

عبد العالي بنشقرون:

إن تعدد التدخلات وغياب التنسيق الضروري في مرحلة المتابعة والتقييم العام للمشروع خلال سنتين أو ثلاثة بعد انطلاق المشروع المدر للدخل غالبا ما يؤدي إلى بروز مشاكل في التدبير تؤثر على استمرارية المشروع … من هنا نطرح إشكالية مدى التأثير الفعلي لهذه المشاريع على أرض الواقع؟

عبد الإلاه المهمة:

وبغض النظر عن سلبيات تعدد الجهات المرافقة لهذه المشاريع، فهل تشتغل هذه التعاونيات عموما بشكل مقبول؟

عبد العالي بنشقرون:

إن هذه الوضعية المتسمة بالوصاية المتعددة تخلق نوعا من الاتكالية والاعتماد المفرط لعدد من التعاونيات بحيث تصبح هذه الهياكل تنظر إلى الدعم الدائم المتواصل، وأحيانا التكاسل وهزالة السلوك المقاولاتي وغياب الإبداع لإنعاش المشروع وديمومته.

أضف إلى ذلك هناك هزالة التفكير التعاوني بدرجات مختلفة حسب السلاسل الإنتاجية والمناطق، علاوة على الجوانب المتعلقة بالحكامة، والتدبير المالي والإداري وتدبير التشاركية وأيضا ضعف المبادرات والإبداع في مجال التسويق والتواصل علاوة على النقص أو شبه انعدام مراقبة الجودة والأسعار .

لكن يجدر الذكر أن هناك تعاونيات تتوفر على تدبير جيد وشفاف وقدرة َعلى الفعل التجاري، العقلاني تحقق بذلك الانخراط المتحفز للمنخرطين والمنخرطات وأيضا رضى الزبائن بما فيها الدوليين، إذ غالبا ما يسوقون أيضا عبر التجارة الالكترونية

عبد الإلاه المهمة:

وكيف يمكن إصلاح هذا الوضع وتحسين نجاعة التعاونيات التي تعتبر دعامة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني ؟ وبشكل أعم كيف يمكن العمل على أن يتبوأ هذا القطاع الثالث مكانته كفضاء للإنتاج والاستهلاك بطريقة مغايرة؟

Produire et consommer autrement

 كما تقولون بخصوص منظور الاقتصاد الاجتماعي والتضامني؟

عبد العالي بنشقرون:

عبدالعالي بنشقرون الباحث الاقتصادي المغربي

من أجل كل ذلك يلزم أن يعمل المعنيون بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني بتطوير مقاس هذا القطاع Changement d’échelle du secteur  ESS  يلزم أيضا ضمان التدبير كي يجسد مبدأ الديمقراطية وبداية يلزم السهر على أن يتقرر إقامة المشاريع المدرة للدخل  على الطريقة التي يرغب فيها الأشخاص المعنيون وليس بعض البيروقراطيون أو بعض من يظنون أنفسهم أوصياء على الناس المعنيين. ولذلك يجب أيضا وضع دفتر تحملات بسيط لكنه ضروري لإنشاء التعاونيات حسب معايير مضبوطة وبغاية  ضمان النجاح. لنفس الهدف يلزم وضع تكوينات ملائمة مع المستفيدين، وتوظيف منظومات التكوين بالتدرج المهني في المؤسسات التكوينية لصالح المشاريع المدرة للدخل والتعاونيات، بل تنقيل التكوين من المؤسسات التعليمية إلى مواقع الساكنة والتعاونية في القرية الخ. اعتبارا لخصوصية الساكنة في الدواوير خصوصا لما يتعلق الأمر بتعاونيات نسوية ونظرا لنجاعة العمل والتكوين عن قرب… إن القطاع الثالث يلزم أيضا أن يتطور في اتجاه الهيكلية في إطار غرفة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني مثلا La Chambre de l’ESS، أو فيدرالية  Une Fédération des Chambres de l’ESS لهذا القطاع مما سيمكنه من تدعيم قوته الاجتماعية وقدرته التفاوضية اتجاه الأغيار في الاقتصاد الكلاسيكي والدولة والسوق الخ . بما هو قطاع يخلق مناصب شغل وينشئ أنشطة مدرة للدخل وينمي التضامن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى