ميديا و أونلاين

“غرفة فرجينيا وولف” التي غيرت تاريخ النساء..إن النساء لكي يكتبن بحاجة إلى دخل ماديّ خاص بهن

يدين المبدعات في العالم بالفضل للكاتبة الإنجليزية فرجينيا وولف (1882-1941) التي صاغت في مؤلفاتها أهم بيانات التغيير لصالح إنصاف إبداع النساء، وبفضل ما كتبته وناضلت لأجل إقراره تغيرت نظرة العالم لإبداع المرأة.

وفي يوم المرأة العالمي يصعب العثور على خبر يتعلق بإبداع المرأة دون إشارة إلى دور فرجينيا وولف ومؤلفها “غرفة تخص المرء وحده”، الذي ورد فيه الاقتباس الأشهر: “إن النساء لكي يكتبن بحاجة إلى دخل ماديّ خاص بهن، وإلى غرفة مستقلّة ينعزلن فيها للكتابة”.

وبفضل هذا النص وغيره أضاءت وولف، كما يقول الناقد العراقي رضا الظاهر في كتابه “غرفة فرجيينا وولف” الصادر عام 2001، طريق التغيير لكاتبات المستقبل.

فرجينيا وولف كاتبة إنجليزية شهيرة تصنف من بين رائدات الكتابة النسوية في العالم، كما تعد من رائدات الكتابة عبر “تيار الوعي كطريقة للسرد”.

بدأت مسارها الإبداعي مع مجموعة بلومزبري الفنية والأدبية، وكانت من بين مؤسساتها، وعندما تزوجت بليونارد وولف عام 1912، أسست دار نشر “هوجارث عام 1917” التي قامت بنشر معظم أعمالها.

وبحلول عام 1910 بدأت وولف تشعر بالحاجة إلى العزلة بعيدا عن لندن، واتخذت مسكنا في مقاطعة ساسكس الذي أصبح فيما بعد مسكنهما الدائم، وتعرضت للكثير من نوبات الانهيار العصبي، ما أدى إلى إدخالها مصحة عقلية، بسبب محاولتها الانتحار، وتم تشخيص حالتها بالاضطراب الوجداني ثنائي القطب الذي لم يعرف له أي علاج، وفارقت الحياة منتحرة في النهر بعد أن أثقلت جيوبها بالحجارة.

ومن أشهر أعمالها الروائية السيدة دالواي عام 1925، إلى المنارة وأورلاندو 1928، كما اشتهرت في مجال كتابة المقالات، ورغم مرور العديد من السنوات لا تزال نصوصها مركزية في دراسة تاريخ الإبداع النسائي، وتتخذ أفكارها نقطة انطلاق نحو تحليل مسار الحركات النسائية في العالم.

وأشارت وولف في مؤلفها الرئيسي “غرفة تخص المرء وحده” إلى أن قيم النساء تختلف عن القيم التي صنعها الرجال، وتنبأت بأن النساء سيواصلن الإضافة إلى التقاليد والأنواع الأدبية.

واللافت أن ظهور هذا الكتاب جاء كرد فعل على آراء أرادت وولف أن تواجهها بشراسة، ففي سبتمبر عام 1920، نشر أرنولد بينيت مجموعة مقالات بعنوان “نساؤنا” تزعم أن الرجال متفوقون فكريا على النساء، وأثار ذلك غضب وولف التي قررت كتابة رد عنيف.

وفي عدد مجلة “نيو ستيتسمان” الصادر في أكتوبر 1920 كتب ديزموند مكارثي أحد أصدقاء فرجينيا تعليقا حول المقالات اتفق فيه بشكل أساسي مع آراء بينيت، فكان ذلك مدعاة لسخط وولف الشديد لذلك كتبت رسالة إلى المجلة نشرت تحت عنوان “حالة النساء الفكرية” تم ضمها بعد ذلك إلى كتابها الشهير بعد “النساء والكتابة”.

وقالت وولف في رسالتها: “ما تحتاجه النساء ليس التعليم فقط إذ ينبغي أن تتمتع النساء بحرية التجربة وأن يختلفن عن الرجال بدون خوف ويعبرن عن اختلافاتهن بحرية التجربة كما ينبغي تشجيع النشاط الفكري بما يعزز دائما وجود نساء يفكرن ويبتكرن ويتخيلن ويبدعن بحرية مثلما يفعل الرجال وبدون خشية من السخرية منهن والعطف عليهن”.

وأرادت وولف الناقدة بأفكارها التي توالت بعد ذلك إعادة النظر في التاريخ الأدبي، ففي محاضرة قدمتها عام 1928 أعلنت أن الأسباب التي جعلت الروائيات لفترة طويلة قليلات العدد مرتبطة إلى حد كبير ببنية العائلة، فلم يكن التأليف في غرفة الاستقبال سهلا، وقالت: “يتعين الآن على النساء وهن يمارسن الكتابة ألا يحاولن تكييف أنفسهن للمعايير الأدبية السائدة وهي معايير ذكورية في الغالب وإنما عليهن خلق معايير خاصة بهن ويتعين عليهن إعادة خلق اللغة لكي تصبح أكثر مرونة وقابلية على الاستخدام المرهف”.

وهكذا أصبح الحديث عن “غرفة تخص المرء وحده” التعبير الأكثر تأثيرا في مجال النسوية الأدبية التي عرفت طفرات واسعة في الربع الأخير من القرن الـ20 وشاع تأثيرها في مجالات معرفية كثيرة وأصبح العالم يتحدث عن دراسات نسوية ومثلما يتم اقتباس عبارات شكسبيرية أصبح الاقتباس من فرجيينا وولف عاديا وربما أصبحت أميرة في مملكة المصطلحات.

كما أصبحت غرفتها هي أشهر غرفة في تاريخ الأدب، وعندما برز النقد النسوي في سبعينيات القرن الـ20 كانت “غرفة تخص المرء وحده” من الأعمال الملهمة التي لا يتوقف نقدها أو تأويل معانيها وكانت نواة أولى لتطوير الدراسات النظرية حول كتابة تاريخ النساء.

والفكرة الرئيسية عند وولف تدور حول “حرية الفكر” باعتبارها شرطا رئيسيا للكتابة، ولم تكن المطالبة بغرفة مستقلة للكتابة مسألة مثيرة للسخرية كما تبدو الآن، فقد كانت إليزابيث غاسكيل أشهر الروائيات وكُتاب القصص القصيرة الإنجليز خلال العصر الفيكتوري، تكتب في المطبخ، بينما كانت الكاتبة البريطانية “جين أوستن” تخفي ما تكتبه تحت كتاب وتتوقف عن الكتابة إذا ما دخل أحد إلى غرفة.

وإذا تم تجاوز مشكلة المكان، فكان التحدي هو تجاوز شبكة المعتقدات الاجتماعية والمشكلة الأخلاقية التي كانت تواجه الكاتبات، وتتساءل وولف “كيف يمكن للنساء اللواتي تنشغلن أياديهن بالعمل واللواتي يغطي البخار مطابخهن واللواتي حرمن من التعليم وأوقات الفراغ أن يعدن صياغة العالم وفقا لأفكار النساء العاملات”.

وبفضل آرائها التنويرية تحولت وولف إلى أم أدبية لجيل من المبدعات، فقد قدمت برنامجا مذهلا لدراسة جديدة لا تبقى فيها النساء مختبئات.

وعلى الرغم من الاتهامات التي عانت منها وموجات الحصار التي استهدفتها حية ومية يحتفي العالم اليوم بـ”فيرجينيا وولف” وما تركته من أفكار تنمو باستمرار، جعلت منها “أيقونة” لنضال المبدعات في العالم.

المصدر: العين الإخبارية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى