رأي/ كرونيككورونا

مهام مرحلة ما بعد الوباء..

خالد فضيل فاعل سياسي ونقابي

لا يختلف اثنان حول الاقتدار الذي أدارت و تدير به قمرة القيادة في المغرب ما نعيشه مع. وباء كورونا المتجدد و الذي بات تهديدا حقيقيا للجنس البشري فوق هذا الكوكب.

الدولة قرأت بسرعة فائقة تجربتان في مواجهة الوباء ، تجربة الصين و معها كوريا الجنوبية و تجربة إيطاليا و معها إسبانيا و فرنسا و العديد من الدول الأوروبية.

في الصين ، التي لم تعد تتحدث بعد ماو تسي تونغ سوى لغة الاقتصاد ، فضلوا صحة الناس على المصالح الاقتصادية الحيوية و الاستراتيجية. و هنا ظهر أمران بالغا الأهمية فيما هو قادم من خيارات: قيمة الدولة و لا شيء سوى الدولة في مجابهة الأخطار و اتخاذ القرارات الكبرى و قيمة الإنسان كنه الثورة الثقافية التي مازالت تسري بانسياب في مفاصل الدولة و المجتمع هناك رغم الكثير مما يمكن أن يقال عن التجاوزات في مجال الحريات و الديمقراطية .

في أوروبا ، و بدعوى حقوق الإنسان التي لم تعدو لديهم سوى نصوصا للتدريس بتفاهة و خطابا للتباهي بالتاريخ و منصة للتعالي على المستعمرات السابقة و ملاذا سياسيا لتأديب الخارجين عن قبضة التوازنات الدولية و مصالح أقطابها و تسويات صناع الخرائط الذين لم يعد يسمح لهم وجود أسلحة الدمار الشامل بحسم الكفة في اتجاه دون آخر ، بدعوى حقوق الإنسان لم يغلقوا الحدود و المدارس و فضاءات التجمعات و هم في حقيقة الأمر كانوا يركبون خيار عافية الاقتصاد غير مكترثين بسلامة الناس إلى أن بدأت أرقام الضحايا و أعداد المصابين تنهك النظام السياسي النيوليبرالي و تبرز وحشيته أمام العالم.

المغرب ، و رغم الإكراهات الاقتصادية الكبيرة التي دفعت الملك حد الإقرار بفشل النموذج التنموي للبلاد و رغم تكلفة الحظر الصحي الباهظة ، لم يتردد لحظة و بادر بسرعة و دقة و كفاءة إلى اتخاذ كل التدابير الكفيلة بتحقيق خروجنا من هذه المحنة بأقل التكاليف البشرية على حساب الاقتصاد برمته.

هذا خيار نرفع له القبعات تقديرا لجسارته و يجعلنا نقف باعتزاز و نحن نقرأ على هوياتنا أننا مغاربة بل و يدفعنا إلى دعوة أبناء جلدتنا الذين يسخرون من بلادنا/بلادهم لأسباب واهية ، دعوتهم إلى الوطن أو إلى أن يتفقدوا أفئدتهم التي لا تريد أن تعلم أن الأفضل بصدد أن يصنع هنا في الجنوب و أن الشمال لن يعيش إلا الأسوء مدة عقود بفعل بلوغ نظامه السياسي و الاقتصادي و الإداري مرحلة الترهل و السقوط .

لكن ، لكن يا سادة ، و نحن نفتخر بالمستوى العظيم في تدبير الدولة مرحلة الوباء و بالتضامن الاجتماعي الذي أبان عنه المغاربة و بأطر وأعوان الإدارة الترابية و بالأمن و الدرك و كل القوات و بالقائمين على الشأن الصحي الذين كانوا و مازالوا في خطوط التماس مع هذه الجائحة و بمن يسهرون على استمرار المؤن و خدمات المرافق و الارتفاق و بعمال النظافة و دورهم البالغ الأهمية في كل ربوع البلاد و بأغلبية المواطنات و المواطنين الذين التزموا بتوصيات لجنة القيادة و لزموا بيوتهم ، و نحن نفتخر بكل هذا و بكل هؤلاء ، علينا أن نتفق على أن مغرب ما بعد كورونا لن يكون ، بكل تأكيد، هو هو مغرب ما قبل الوباء.

زمن الإعلام و البرامج و الوجوه التافهة إنتهى ، فلن يقبل المغاربة بعد اليوم بمن كان و ما كان يستخف بهم و يحتقر ذكائهم و يتقاضى أجورا خيالية من ضرائبهم.لا مكان بعد الآن لتلك البلاطوهات التافهة التي تستقدم التافهين و لا لشيخات يعتبرن مؤخراتهن أفضل من مقدمة بن خلدون و لا “لفنانين” حولوا شبابنا إلى حاملين للوهم و السماجة بدل حمل الحلم و الإصرار و شوهوا سمعتنا خارج التراب و أصبحوا يتصدرون مشهدا غيب فيه العلم و الفكر و الفلسفة و علم الاجتماع و العمق و القيم و لا لصحافة تأتي بالسبق من القذارة عوض التعاطي مع المعضلات الكبرى للبلاد و الناس.

زمن الاستخفاف بالبحث العلمي و تيسير خصوصة الصحة و التعليم و الطاقة قد إنتهى ، على الدولة أن تنفق على العلم و العلماء بنسب معتبرة من الناتج الداخلي الخام و أن تستعيد قطاعات الصحة و التعليم و الطاقة و تعمل على إصلاح منظوماتها و أن تمكنها من كل الإمكانيات و لو اقتضى الأمر تضحيات مادية من كل الفئات . لقد تأكد الجميع أن المغاربة أمام القضايا الكبرى يمنحون بسخاء و دون تردد.

زمن الأحزاب و النقابات و الجمعيات التي أصابها الصدأ و الكسل و ثقافة انتظار السفارات و الوزارات و الدواوين و الضيعات و تخلت عن العمق الفكري للسياسة و عن السند الاجتماعي للممارسة و عن استقلالية القرار و قوة التأطير و الاقتراح و باتت عبئا على انتقالنا الديمقراطي و على ميزانية الدولة و على أداء المؤسسات و على ثقة الناس و على النقاء الذي نريد أن نستنشقه، زمنها إنتهى و جاء زمن الكفاءات و التطوع و الخلق و السواعد و العطاء و الإيثار و منتديات القراءات النقدية للموروث السياسي و مسائلة الحاضر و استشراف المستقبل بنفس النهضة و عصر الأنوار و بكل إبداعات البشر في كافة الحقول .من يريد أن يغتني فليذهب إلى بورصات القيم و الاستثمار و التجارة و المقاولات لا أن يختبأ هو و المصالح و الريع و الفساد وراء انتماءات منتقات حسب مزاج و رسائل الدولة .هذه أمور قد انتهت حتى قبل الوباء…

زمن التردد في حسم قضية العدالة الاجتماعية قد انتهى .فما عاد ممكنا أن يشاهد المغاربة تلك الفوارق المستفزة بين البذخ و الفقر المذقع أو أن يستمروا في انتظار عطف من استأثروا بخيرات البلاد .لسنا في حاجة لتدابير البر و الإحسان بل نريد سياسات عمومية تنتهي من الهشاشة و تضمن العيش الكريم للفقراء و تدمجهم في دورة الإنتاج و تحصن الطبقة الوسطى و تحفزها على الإضطلاع بمهامها الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية بعد أن تتحرر من الفردانية و منطق أنا و من بعدي الطوفان .

سياسات عمومية تثمن راس المال الوطني و المواطن و تزيح من طريقه لوبيات تحترف شراء ذمة الإدارة و أشياء أخرى لكي يبقى لديها حق الامتياز في الصفقات و الثروة ، تثمن الرأسمال الوطني و المواطن و تخرجه من الأبناك ليتحول إلى استثمارات و أوراش تنتج فائض القيمة و الإنصاف الاجتماعي و تضع ضريبة على الثروة و حدا أقصى للأجور يجعل فئات المجتمع تلتقي عند كل نداء من الوطن.

زمن الرقية الشرعية و ترقب رؤيات شيوخ الجماعات و تودد بركات الزوايا و أوامر حركات الخلافة و جماعات التقوى و التقية و كل من يقحم المشترك في السياسة و يخوصص الإيمان و يريد أن يتوسط بيننا و بين الله و يعبث بمصائر الناس و الأمم بفهم قبيح للدين و الدنيا معا، زمن هؤلاء إنتهى .نحن أنقى منهم و أورع و لا توجد بين دعواتنا الصادقة و الله حجاب. زمن الرهان الاقتصادي و التعاون الدولي مع فرنسا يبدو أنه يجب أن يراجع .رئيسها، و في شبه نوبة نيوكولونيالية و استعراض طفولي، كاد أن يعطينا الأوامر .حس وزيرة السياحة الرفيع قد يكون أعادهم إلى السطر ، لكننا سئمنا ريائهم و ازدواجيتهم في التعامل معنا و توزيعهم لأدوار البخ و الكي و طعناتهم الغادرة و اعتقادهم أنهم يمسكوننا من قضية الصحراء.هم لا يعلمون ، ربما ، أن احترام المغرب لالتزاماته الدولية اتجاه إيجاد تسوية سياسية سقفه مقترح الحكم الذاتي ، مقترح الحكم الذاتي الذي كان أرقى عرض كفيل برفع الحرج عن المنتظم الدولي و الحجر عن قضية الصحراء لو كان المنتظم الدولي جادا في الإنتهاء من مشكل عمر أكثر من اللازم لأن البعض في الأروقة مازال حبيس منطق معاهدة مالطا و السخف و جلسات احتساء الجعة و السيجار بين المال و السلطة و تجار السلاح في مزارع هنا و هناك على امتداد الولايات التي كنا أول من اعترف باستقلالها و تحول هي من خلال وثائق الحزبين الحاكمين فيها على الدوام ، تحول دون حسم تصورها لقضية هي قضية وحدة ترابية و لا علاقة لها بشعار الحرب الباردة عن تقرير المصير .

رئيس وزراء إيطاليا استنجد بالاتحاد الأوروبي من أجل إنقاذ نظام صحي هوى من هول الإصابات .كل الحديث الأرعن للرؤساء و الوزراء و المساعدات الاجتماعيات ، هناك ، عن حقوق الإنسان،توارى و خرس و بلع لسانه ، و فسحوا المجال لوجههم القبيح و لأنانيتهم المقيتة. أداروا ظهرهم لحليف تقليدي و استراتيجي من قلب أوروبا .ماذا سننتظر منهم نحن زمن الشدائد.
علينا ، على الأقل ، تنويع شركائنا الاقتصادين و في العلاقات الدولية .علينا أن ننظر نحو الصين و روسيا و الدول الصاعدة كلها و لربما إنجلترا و ألمانيا و كندا بحكم وضوحهم و ما ينجزون.

خيار إفريقيا موفق رغم بعض المؤاخذات على أن نعيد صياغة علاقتنا مع مصر و سوريا و أن نجد مفاوضات مصالح مع إفريقيا الجنوبية و الجزائر .

خيار أمريكا اللاتينية مهم كذلك على أن نتحدث بعمق مع كوبا فهي مدخل اللاتينيين. لدي رأي فيما يتعلق بعلاقتنا بإسرائيل أكيد سوف أنال عنه مدفعيات ثقيلة من الشتائم و القذف و اللعنات. فليكن.المثل يقول بأن الخطوة الأولى هي دائما من تدفع الثمن .

علاقتنا بإسرائيل يجب أن تخرج من دائرة منطق الحلال و الحرام و أسطوانات التخوين و أن نفكر فيها بمنطق احترام اتفاقيات السلام و حقوق الفلسطينيين و مصالحنا. غير ذلك سنبقى خائفين من الاقتراب من طابوه صنعه من يتنقلون في أفخم الطائرات و المطارات و الفنادق ليتحدثوا عن قتلى و أسرى فلسطين تحت تأثير النبيذ الأحمر الفاخر و ابتسامات جمال الشرق الأوسط.

إذا كان هناك فرنكوفونيون فلا داعي لأن يقلقوا ، مصالح المغرب تقتضي إعادة النظر في التحالفات الدولية دون أي مساس بالفركوفونية .

كل الاعتزاز ببلادنا التي ستخرج ، بكل تأكيد ،أكثر صلابة من هذه المحنة و هي تعلم أن الخريطة السياسية و الاقتصادية للعالم قد تبدلت و أضحت تستدعي اصطفافات جديدة رؤيا ثورية ، براغماتية ، ثاقبة و جادة لعلاقتنا مع العالم .

قد يكون من الحكمة أن يتم إطلاق سراح كافة المعتقلين على خلفية الاحتجاجات الاجتماعية و الصحافيين ، قبل انتهاء فترة الحجر الصحي ، كمبادرة لتعزيز أجواء وحدة وطنية نراها تتشكل بالأسمنت المسلح هنا و الآن و لربما إلى الأبد. قد يكون قرارا حكيما ، عظيما و مترجما لرحابة صدر البلاد إزاء مواطنيها ، سيتذكر أطفالنا و العالم كيف تصالح الدولة أبنائها رغم الجراح و كيف تلتزم بروح اتفاقات قادتنا لتجاوز أذى لحق كافة الأطراف في غمرة غياب تصور للقواسم المشتركة يصوغ و يصون مصالح كل المناطق و جميع الفئات .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى