حول العالم

الإرث المتناقض لتيتو بعد أربعين عاما على وفاته

موحد محب للخير أم مستبد متعطش للسلطة؟ بعد أربعين عامًا على وفاته، لا يزال إرث جوزيب بروز تيتو، رئيس يوغوسلافيا السابقة موضع تساؤلات.

وليس مقرراً إقامة أي احتفال رسمي الاثنين لإحياء ذكرى الزعيم المحبوب والمثير للجدل ليوغوسلافيا السابقة التي تقسمت منذ ذلك الحين إلى سبع دول.

لكن محبيه سيتجمعون بأعداد قليلة، بسبب تدابير العزل المفروضة للحد من تفشي فيروس كورونا المستجد، في مسقط رأسه في كرواتيا وفي بلغراد حيث ووري الثرى.

وبعدما طرد قوات الاحتلال النازية خلال الحرب العالمية الثانية، حكم تيتو يوغوسلافيا بقبضة من حديد لمدة 40 عاما تقريبا، حتى وفاته في 4 مايو 1980 في ليوبليانا في سلوفينيا.

ومع اندثار جاذبية تيتو وسطوته الاستبدادية، تفككت فسيفساء الشعوب والأديان التي تشكل الاتحاد اليوغوسلافي. وتفجرت، بعد عقد من الزمن، سلسلة من الحروب أودت بحياة أكثر 130 ألف شخص.

وتتباين الذكريات اليوم في هذه المنطقة التي لا تزال تحمل أثار هذه الصراعات.

وانخفضت شعبيته في كرواتيا وصربيا، حيث تتأجج القومية.

-“الطفولة السعيدة”-

لكن “محبي يوغسلافيا” لم يندثروا في هذه المنطقة التي يواجه اقتصادها صعوبات، وما زالوا يحنون إلى العصر الذهبي الاشتراكي حيث كانت فرص العمل والرعاية الصحية المجانية والتعليم متاحة للجميع.

وتقول دراغانا كرستيك (46 عاما) وموظفة بنك في بلغراد “كنت طفلة إبان حكم تيتو لكنني أتذكر أنها كانت فترة مريحة ولم يكن والدي خلالها متوترين، وكنا نقضي العطلة على الشاطئ حيث يسود جو من الطفولة السعيدة”.

وتشير ألكساندرا (48 عاما) من الجبل الأسود إلى أن يوغوسلافيا “كانت منظمة ومثيرة جدا للاحترام وأنا أربط ذلك بتيتو”، مضيفة “لقد شهدنا خلال الثلاثين عاما الماضية انحدارا بكل معنى الكلمة، اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا”.

وكان زعيم الاتحاد شخصا مليئا بالتناقضات. وجسّد تيتو المولود من أم سلوفينية وأب كرواتي مثال “الأخوة” بين شعوب هذه المنطقة. وكانت زوجته الثالثة صربية من كرواتيا.

كان تيتو محبا للحياة وللحفلات المترفة والسيجار الكوبي واليخوت الفاخرة. وكان يدعو إلى شواطئ يوغوسلافيا العظماء والأقل شأنا ممن عاصروه مرورا بعالم الأعمال والمشاهير.

وسمح بحريات منعها الديكتاتوريون الشيوعيون الآخرون في الشؤون الفنية أو الثقافية. كما كان بإمكان اليوغسلافيين عبور الحدود بحرية.

وأوضح فيدران (57 عام) وهو اقتصادي في زغرب “لم يكن ديمقراطيا، ولكن بالنسبة للمواطن العادي كان يوفر حياة حرة أكثر من الدول الشيوعية الأخرى في أوروبا”.

-المعارضون في السجن-

إلا ان هذه الحرية لم تصل إلى درجة السماح بتوجيه الانتقادات إلى السلطة. ويكرهه خصومه لزجه آلاف المعارضين السياسيين في السجن الذين مات المئات منهم، رغم أن إجمالي عدد الضحايا غير معروف.

تقول غوردانا، وهي متقاعدة من بلغراد (77 عام)، إنها “لم تحب قط” تيتو و”الشيوعيين” حيث “صادر نظامه ممتلكاتنا الخاصة وسجن أولئك الذين فكروا بشكل مختلف”.

كانت صور تيتو، الذي كرس عقيدة الولاء للشخص، منتشرة في كل مكان في كافة أنحاء الجمهوريات الست والمقاطعتين التي ألفت الاتحاد اليوغوسلافي، كما اطلق اسمه على مدينة.

ومنذ ذلك الحين تمت إعادة تسمية مئات الشوارع والساحات وهدم المعالم التي بنيت لتمجيده.

في مدارس المنطقة، باتت كتب التاريخ، التي كانت تكيل له الإطراء في الماضي، تتخذ الحياد لوصف الجوانب الإيجابية والسلبية لعهده.

وتتصدر صورة الماريشال جدار ورشة ستانكو فاسيتش (57 عاما) لتصليح السيارات في سراييفو.

ويقول متحسرا “على المستوى الأخلاقي والعقائدي، لم يبق شيء من تيتو اليوم”، موضحا “أفكر في المساواة والعدالة والتعليم والصحة وحقوق العمال. (…) لم يبق سوى الماديات ومن هم في السلطة اليوم ليسوا بمستواه”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى