ثقافة وفنونفي الواجهة

الدكتور محيفيظ: الوباء ليس بالقوة التي تدفع البشرية إلى إعادة النظر في أسلوب عيشها

أكد الدكتور محمد محيفيظ أن الفلسفة لكي تكون وفية لموضوعاتها، يجب أن تبقى فسحة ومجالا للتفكير والسؤال ونبش ما يبدو مستقرا وبدهيا لإثارة التفكير في قضايا قد نضيعها إذا ما انسقنا مع السائد والمروج له.

تغطية: علي بنساعود

وأوضح المتدخل، وهو أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، ومنسق اللجنة العلمية لمعهد ادريس بنزكري لحقوق الإنسان بالرباط، (أوضح) أن وباء كورونا كحدث هو فرصة لتجدد الأسئلة والتفكير من زاوية الفلسفة السياسية في مسالة النظام الديمقراطي والإشكالات التي يطرحها…

لذلك، فإن الأهم بالنسبة إليه، هو حصر المفارقات التي يثيرها الوباء ومحاولة التفكير فيها من جوانبها المختلفة.

وأول فكرة استوقفت الأستاذ محيفيظ في عرضه الذي كان تحت عنوان: “تأملات على هامش الحجر الصحي: الحريات والحياة العارية”، وقدمه عن بعد، عبر موقع التواصل الاجتماعي “الفيسبوك”، في إطار الأنشطة التي تنظمها جمعية “أكورا للثقافة والفنون” مساء الثلاثاء 02 يونيو الحالي، (أول فكرة استوقفته) هي أن مجموعة من النقاشات ترى أنه يجب التفكير في الإشكالات المتعلقة بالوباء لإيجاد أجوبة لما بعد الجائحة، لأن العالم، حسب هؤلاء، سيتغير ولن نبقى على ما نحن فيه…

وردا على هؤلاء، استحضر الأستاذ محيفيظ التجارب التي عرفتها الإنسانية سابقا، مبينا أن الوباء الحالي ليس بالقوة التي تدفع البشرية إلى أن تعيد النظر في أسلوب عيشها وطريقة تدبير اقتصادها، وأن أقصى ما يمكن فعله، الآن، هو استخلاص بعض الدروس، أما إعادة النظر في أسس التفكير فلا يرى لها ضرورة، مذكرا أن هذا لم يقع حتى بعد الحرب العالمية الثانية.
لذلك، فقد اعتبر أن موضوع مداخلته يتعلق بإثارة بعض القضايا التي يثيرها الفكر السياسي الغربي في تفاعله مع الوباء.

وأوضح أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة ابن طفيل أن الاطلاع على النقاش في الغرب له أهميته، لأنه لا يمكننا أن ننخرط في النقاش الكوني دون متابعة ما يقع في العالم، خاصة البلدان التي تشهد نقاشا حيويا، وهو اطلاع سيسمح لنا برفع مستوى النقاش عندما نريد مناقشة وضعنا المحلي، أما عدم الانفتاح، فسيجعلنا رهائن نقاشات تعود للقرن للماضي…

وأضاف منسق اللجنة العلمية لمعهد ادريس بنزكري لحقوق الإنسان بالرباط، أن الفكر الغربي يكتسب أهميته من كونه يحتضن نقاشا حيويا امتدادا لأسئلة سايقة، وأن حالة الحجر غذت كل ذلك، خصوصا في المجتمعات الديمقراطية الليبرالية… التي دأبت على أن تجد نفسها أمام المفارقات…

وفي حالة الوباء هذه، وجدت أنظمة الدول الديمقراطية نفسها أمام حَرَج عبرت عنه “ميركل” حين قالت: “وجدنا أنفسنا أمام ضرورة”، وحاول أغلب مسؤولي هذه الأنظمة تبرير هذه الضرورة، وظلوا يكررون أن الحجر والطوارئ الصحية إجراءات مؤقتة ليس إلا…

وأهم المفارقات التي وجد الفكر الغربي نفسه أمامها تتمثل في:

• صعود النازية، فتساءل: هل نبني الديمقراطية مع غير الديمقراطيين؟
• تنامي الارهاب، فتساءل: كيف نحافظ على الأمن والحريات الفردية والحياة الخاصة؟
• الحجر الصحي وما استتبعه من منع التنقل وإجراءات المراقبة والضبط والتتبع الرقمي… وهي أمور تذكر المجتمعات الغربية بـbig brother; 1984 ….. وبمعسكرات الاعتقال…

وحين نتامل هذا النقاش، يقول الأستاذ محيفيظ، نجد أن الأسئلة ليست جديدة وأن الأصوات المضادة للحداثة السياسية والمجتمعية كانت موجودة دائما، تظهر وتنتعش في فترات الأزمة، وهي تذهب في انتقادها إلى جذر الحداثة، وتعتمد على ترويج خطاب مفاده أن ما وصلنا إليه، الآن، هو نتيجة للمسار الذي سلكناه، والذي هو مسار الحداثة الذي خرب العلاقة بين الإنسان والطبيعة، وبين الإنسان والإنسان، وهو الذي أفرز لنا النرجسية وتنامي الفردانية وتغول الفرد.

كما أعطانا نموذجا فاشلا وجد نفسه أمام مشكلة عجز عن تدبيرها…

وبذلك، تعتبر هذه الأصوت أن الوباء تنبيه إلى أن الأرضية التي يقف عليها المشروع الحداثي أرضية خاطئة، لأن الحداثة تقوم على تصور بروميثيوسي للإنسان العاقل سيد الطبيعة المتحكم فيها، وفي ذاته ومصيره، يشرع لنفسه، هذا المشروع له محدوديته، فنحن أمام وباء لا نعرف عنه شيئا، ويحد الإنسان نفسه في حالة عجز، وفي النهاية المشروع الحداثي وهم…
مقابل هذه الأصوات، أشار المتدخل إلى أن هناك نقاشات أخرى لها علاقة بمحددات الديمقراطية الليبرالية، لا بأرضيتها الفلسفية…

وبخصوصها، أشار إلى أن هناك من اعتبر أن الوباء استطاع أن يبرز قوة المجتمع الديمقراطي الليبرالي رغم هشاشة أنظمته، التي لا تتوفر على الإمكانيات التي يتوفر عليها المجتمع الصيني مثلا، لكنها أنظمة استطاعت أن تحقق نجاحات في التعاطي الفعال والنفعي مع الوباء. فالفيلسوف الفرنسي فرانسيس وولف مثلا اعتبر، انطلاقا من التأمل في تجربة الحجر الصحي والطوارئ الصحية، أن النظام الليبرالي الذي كان يُنْظر إليه على أنه وصل إلى الإنهاك والتفتت وتراخي رابطة المواطنة… استطاع استرجاع المبادرة…

وعمليا، يضيف الأستاذ محيفيط، كان الوباء مصدر تهديد لكبار السن، وسيتضرر منه الشباب على الخصوص، لأنه سيؤدي إلى ارتفاع البطالة، ومع ذلك، قبل نصف سكان العالم الخضوع للشروط التي أملاها الحجر الصحي تضامنا، مع العلم أن التضامن مكون أساسي من مكونات المجتمع الحديث، وأضاف أستاذ الفلسفة السياسية أن الوباء كان فرصة ليعترف الناس بجميل فئات اجتماعية طالما أُهْمِلت: وعلى رأسها الأطباء والممرضون وعمال النظافة، ويوميا كانت تقدم لهم التحية من شرفات المنازل ونوافذها…

وبهذا، فإن المجتمع الليبرالي نجح، حسبه، في التحدي الذي رفعه، رغم اختلاف التدابير وتباين نتائجها… سيما أن مجتمعاته انخرطت في إعلان سركوسا الذي هو جزء من القانون الدولي، يؤطر القواعد التي يمكن اعتمادها في حالة مثل هذه، وتَفَهَّمَ الناس الحد من حرياتهم وخضعوا للتقيد من أجل المصلحة العامة…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى