ثقافة وفنونرياضة

اللاعب الشاعر/ والشاعر اللاعب

تقديم الإعلامي عبدالرحيم تفنوت

من غيره يستطيع إعادة رسم جوهره؟؟ لقد تقرر في سماء بعيدة أن يرحل ” دييغو مارادونا “…وهو المنذور لحب الحياة وللرقص فوق أمواجها طيلة البقاء!!! فهل نصدق هكذا وبدون أدنى شك أن ” الفاعل الساحر ” حامل الأسطورة وأعاجيبها قد غادرنا دون أن يترك وراءه شبيهه أو مثيله أو حتى بعضا من ترابه؟؟؟

في البحث عن فك هذا اللغز، وحده الشاعر يقدر على تحقيق هذا الإعجاز…نعم نعم، وخصوصا إذا كان أسطورة هو الآخر، من خارج مربع اللعبة المستديرة، لكن على اشتباك لغوي بها وصفا وتأويلا، بل وإعادة رسم لشكلها ومبناها ومعناها الرائق، ، هو وحده من فعل ذلك، شاعرنا الكبير محمود درويش ، فأخرج إلى الكتابة الشاعرية نصا قاهرا يلعب ب ” الكلمات والأشياء ” لعبا لايوشك أن يضاهيه في جماليته سوى بهاء اللاعب الراقص شعرا، والذي رحل..دييغو العظيم…
وإليكم كيف ارتكب درويش ذات موعد مع الفرجة والسياسة والرشاقة نصه هذا، وهو يعيد التفكيك والبناء لأجمل بورتريه.

عن الراحل الذي رقص العالم خلف ” قدميه ” فرحا وبكاء…
……………
ماذا فعلت بالساعة، ماذا صنعت بالمواعيد؟
ماذا نفعل بعدما عاد مارادونا إلى أهله في الأرجنتين؟
مع منْ سنسهر، بعدما اعتدنا أن نعلّق طمأنينة القلب، وخوفه، على قدميه المعجزتين؟
وإلى منْ نأنس ونتحمّس بعدما أدمناه شهراً تحوّلنا خلاله من مشاهدين إلى عشّاق؟
ولمن سنرفع صراخ الحماسة والمتعة ودبابيس الدم، بعدما وجدنا فيه بطلنا المنشود، وأجّج فينا عطش الحاجة إلى: بطل..
بطل نصفق له، ندعو له بالنصر، نعلّق له تميمة، ونخاف عليه ـ وعلى أملنا فيه ـ من الانكسار؟
الفرد، الفرد ليس بدعة في التاريخ.
يا مارادونا، يا مارادونا، ماذا فعلت بالساعة؟ ماذا صنعت بالمواعيد؟
يفلت كالصوت
له وجه طفل، وجه ملاك،
له جسد الكرة،
له قلب أسد،
له قدما غزال عملاق،
وله هتافنا: مارادونا.. مارادونا، فنتصبّب اسمه عرقاً.
ويقتلع الكرة كالقطة البلدية الماهرة، من أرجل البغل.
يراوغ كالثعلب المزوّد بقوة ثور، ويقفز كالفهد على حارس المرمى الضخم المتحوّل إلى أرنب: جووول!
مارادونا يرسم علامة الصليب، يبوس الأرض.
يقف. يُحاصرْ. يفلت كالصوت. يقطف الكرة. يحاصرْ. يمرر الكرة جاهزة على شكل هدية إلى قدم زميل ساعده في فتح قلعة الدفاع، فيصوّبها الزميل الماهر في اتجاه المدى والجمهور. مارادونا يصفق من الوجع.
إن هو لم يسدد ستموت الأرجنتين من البكاء. وإن هو لم يصوّب سترفع الأرجنتين نصبا لعارها في الفوكلاند. سيتوقف الشعور القومي عن الرقص، وستربح انكلترا المغرورة الحرب مرتين.
ولكن مارادونا يتقدم بالكرة من حيث تراجعت السلطة. مارادونا يعيد الجزيرة إلى الأرجنتين. وينبّه الإمبراطورية البريطانية إلى أنها تحيا في أفراح الماضي.. الماضي البعيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى