رأي/ كرونيك

لماذا التفاعل الجاري حاليا حول مستقبل ومضمون العلاقة بين المغرب والكيان الصهيوني نافعا؟

التفاعل الجاري حاليا حول مستقبل ومضمون العلاقة بين المغرب والكيان الصهيوني، نافع من كل الوجوه. المغاربة الرافضون للتطبيع مع هذا الكيان محقون في تمسكهم بهذا الرفض، الذي ينطوي في الحقيقة على رفض التطبيع مع موت الضمير. والمغاربة الذين يرفضون تبخيس الانتصار الديبلوماسي المغربي ووصفه بأنه مجرد صفقة خاسرة، محقون بلا شك، في اعتزازهم بهذا المكسب.

تبدأ المشكلة عندما ننتقل إلى مرحلة الدفاع عن الموقف الذي نتبناه وحشد الحجج التي نراها دامغة لدعم موقفنا. لا يتردد مناهض التطبيع في نعت أصحاب الموقف الآخر بأنهم خانوا الأمانة، وسقطوا سقوطا مريعا، وفرطوا واجبهم إزاء الأمة أو إزاء أنصار القضية العادلة. ولا يتردد المقتنع بجدارة النصر الدبلوماسي المغربي، في مطالبة مخالفه، بالصمت أو الانزواء أو الاستقالة وفي نعته بالعمالة والخيانة لمصالح الوطن العليا.

أتوقع أن هذا التشنج سيزول مع مرور الوقت فاسحا المجال لتحليلات أكثر شمولا للموقف ولحسابات الربح والخسارة متحرر أكثر فأكثر من ثقل الأفكار الجاهزة والاتهامات السهلة هنا تقع مسؤولية المثقف العضوي الفعلية: الوقوف في وجه الانزلاقات التي تنتهي حتما إلى حوار الصم ولا يجني ثمارها كالعادة إلا العدو الصهيوني..

من جهتي، أرى من واجبي أن أوضح أسس موقفي بما لا يسمح بأي انزلاق في التأويل، أو يترك بعض الحجج الضارة بنا تستقر في عمق نقاشنا.

وأبدأ بواحدة من هذه الحجج التي تنطوي على خطورة بالغة:

يزعم بعض المدافعين عن النصر الدبلوماسي المغربي أن المغرب ليس له أن يلتزم مع القضية الفلسطينية، ولا أن يعتبرها قضية وطنية مغربية لأن الفلسطينيين لا تعنيهم قضية وحدتنا الترابية، أو لأن الفلسطينيين أنفسهم يقيمون علاقات طبيعية مع الكيان الصهيوني. هنا وجب التنبه لعدم الوقوع في الفخ وفي براثن الخطاب الصهيوني نفسه.

فحين يقول “الوطني” المغربي الغيور إن الفلسطينيين أنفسهم لهم علاقات سياسية واقتصادية مع الصهاينة، فما الدي يمنعنا نحن من ذلك، أو أننا لن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين، فقد شرع من حيث لم يقصد، في إنتاج خطاب الدعاية الصهيونية. لا يوجد تطبيع فلسطيني اسرائيلي بل توجد علاقة شاذة بين شعب أعزل وقوة محتلة. لم يختر الفلسطينيون هذه العلاقة ولم يشاركوا في تحديد مضمونها، بل فرضت عليهم فرضا. الحديث عن هذه العلاقة بمفاهيم العلاقات الطبيعية (المبادلات التجارية، الصادرات الفلسطينية…) ينتهي دون قصد إلى تشويه الحقيقة. وهذا أمر ينبغي أن نحذر منه.

الفلسطينيون يقع ابتزازهم اقتصاديا وتجاريا من طرف الاحتلال الغاشم الذي يفرض عليهم منطقه وشروطه. من لا حرية له لا يستطيع الاختيار.

لهذا ينبغي أن نرفض مقارنة الموقف المغربي بوضع الفلسطينيين مع القوة المحتلة، تماما كما نرفض وصف المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، ونرفض وصف قوة الاحتلال بالشرعية ونرفض وصف الاستيطان بالإعمار… علينا إذن أن نرفض العمى الإيديولوجي الذي تفرضه علينا هذه الأحابيل اللغوية، وما يستتبعه من عمى نضالي.

بالمقابل، علينا أن نصر بإلحاح على مناقشة كل تفاصيل مضمون العلاقة التي ينبغي أن تربط بين الدولة المغربية والكيان الصهيوني، باعتبارها علاقة ندية، دقيقة، وواضحة في حدودها وفي مخرجاتها. وأن لا نعتبرها علاقة لرهن الموقف المغربي من عدالة القضية الفلسطينية.

علينا، في خضم هذا النقاش، أن ننتبه إلى عدم الوقوع في الخلط بين الموقف المغربي والموقف المصري أو الأردني مثلا: فهذان البلدان تربطهما بالكيان الصهيوني معاهدتان للسلام، مبنيتان على تاريخ حربي بين هذه الأطراف وتاريخ احتلال.

المغرب لم تكن له أراض محتلة مع الكيان الصهيوني، وليس من الوارد توقيع أي معاهدة بين الطرفين. وحسب علمي، لا تربط المغرب أي معاهدة سلام مع أي دولة في العالم.

هذا هو موقفي الذي أدافع عنه. وأدعو إلى عدم الخلط بين العدو والضحية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى