في الواجهة

اليهودالمغاربة وإسرائيل: في جدور الاقتلاع والفصل بين اليهودية والصهيونية 3/1

تقديم: حسن الصعيب

هذه الدراسة للرفيق الراحل ابرهام سرفاتي، ستكون فصلا من الكتاب الثوتيقي الدي عملنا عليه منذ فترة طويلة، وهي في الأصل كتبها الراحل أبراهام سنة 1971 ونشرهابمجلة دراسات فلسطينية، ضمن مشروع كتاب يحافظ على الذاكرة اليهودية المناهضة للحركة الصهيونية والاستطان الصهيوني في أرض فلسطين.

يمكن أن نستخلص من دراسة سابقة ومن الوقائع التي سنبينها هناو بعض النقاط الأساسة لهذه الرسالة:

أ ولا إن هجرة اليهود المغاربة الى دولة اسرائيل حديثة العهد. فقد ظهرت بوادرها بعد عام 1948 كما حصلت أ ولى الموجات الهامة في فترة 1955 – 1956 (وقد ضمت 45 أ لف شخص اقتلع كم كبير منهم من قراهم)، أ ما الهجرة الأساسية التي تضم أ كثر من مئة أ لف شخص، فهي تجري بشكل مستمر ومنتظم منذ أواخر عام 1961. يضم حوالي 200 أ لف شخص من هذه «الأمة الاسرائيلية» المبنية على الدين وعلى مفهوم «الشعب اليهودي».

وثانيا، بالنسبة للذين يتناسون كل بحث علمي حيت يتعلق الأمر بهذه الدولة ،يقدم الوضع الحالي لليهود المغاربة في دولة اسرائيل الدليل على أ ن المسألة لا تبنى على الأوهام العنصرية أما بالنسبة لمن لا يبالي بالعنصرية المعادية للعرب فإن هذا الواقع يلقي الضوء على الطبيعة الملموسة للدولة الصهيونية كمؤسة للامبريالية الغربية.

وثالثا إن المأزق الفعلي الذي وقع فيه اليهود المغاربة يفرض عليهم أ ن يتخطوا كافة التناقضات التي ولدها التغلغل الاسستعماري والصهيوني باتجاه الحل الوحيد وهو الثورة العربية.

الاقتلاع

لقد كانت الهجرة، بشكل عام، بمثابة اقتلاع لليهود المغاربة من أرضهم بغية إعادة غرسهم في فلسطين المحتلة. فماذا كان وضع اليهود المغاربة في الخمسينيات ؟ بإمكاننا أ ن نقسمهم الى ثلاث فئات متوازية بشكل أساسي:

الفئة أالولى التي بقيت مرتبطة بألفي عام من تاريخها، تاريخ الجماعات الفلاحية في الجبال والمناطق شبه الصحراوية، وهي جزء لا يتجزأ من تلك الجماعات العربية- البربرية التي تكون الواقع العميق لبلاد المغرب.

الفئة الثانية التي كانت تتكون من جماعات حضرية تقليدية تتعاطى التجارة والحرف.

الفئة الثالثة كانت الجماعة اليهودية في الدار البيضاء، وكانت نتاجا للبؤس الاسستعماري كاسائر العمال وأنصاف العمال في الدار البيضاء.

وكان مجمل اليهود المغاربة، لظهورهم من مجتمع متعدد الجماعات ومزدوج الطوائف، ينتظمون في نوعين من البنى هما البنية الثقافية والايديولوجية للحاخامين -وهي من البقايا المتحجرة للبنى القديمة- والبنية السياسسية والاجتماعية للجماعات اليهودية، وقد أقامتها سلطة الاستعمار مستندة الى البورجوازيين الكبار والمتوسطين من اليهود المغاربة الذين شجع الاستعمار بروزهم ونظم «تعربهمّ أي تمثلهم بالمغرب (وكانت سلطة الاستعمار قد أخفت في كتابتها للتاريخ الواقع العميق لماضي هذه الجماعات.

وقد نظم الاستعمار بالتعاون مع البورجوازية اليهودية في المغرب وهم «التغرب». وكانت الصهيونية بالنسبة للشباب في المدن وسيلة التوفيق بين اتجاههم نحو «التغرب» وارتباطهم بالقيم التقليدية لليهودية.

كما فعلت مآزق الحلول البورجوازية للاستقلال فعلها في هذا المجال أ ما الجماعات الفلاحية فلاحاجة لاعدادها ايديولوجيا، فان الموقف المتواطئ لللطبقة الاستعمارية ولجهاز الاستعمار الجديد الاقطاعي البورجوازي قد أ تاح «لقادة» الجماعات اليهودية في المدن أن ينزعوا اقتلاع قرى بأكملها لإعادة زرعها في اسرائيل .وقد حاول الحاخامون أن يعيقوا تقدم الصهيونية السياسية التي اعتبروها معادية للدين ..( انظر بهذا الخصوص مثلا دفاتر المجمع الرابع للحاخامين، الرباط ،1953، ورسالة رئيس المحكمة الحاخامية بمكناس في 5/5/53 المذكورة لاحقا) . ولكن قواهم كانت ضئيلة، ولم يكن لديهم أي حل بديل أ ما الاعوان، من رجال الاعمال الاستعماريين والبورجوازيين اليهود بالاضافة الى جهاز الاقطاع الجديد والبورجوازية الكبيرة الاسلامية، فإنهم يواصلون علاقاتهم المثمرة عبر الحدود .ويمثل المغرب بالنسبة لهم، كصلة وصل بين الشرق والغرب ، أما السياسيون البورجوازيون المغاربة ،الذين تواطأوا بالامس وابعدوا اليوم، فإنهم لا يتوانون عن تغذية الالتباس بين اليهودية والصهيونية لصرف النظر عن المحتوى الطبقي للنضال الوطني العربي ضد الامبريالية والصهيونية.

اليهود المغاربة في دولة اسرائيل

هاهي إذا غالبية اليهود المغاربة في اسرائيل، في أرض اسرائيلّ ، (وهو التعبير الذي بنوا عليه المغالطة)، ولكن ما هي حقيقة الوضع .

لنسرد في البدء بعض الوقائع التي تثير الارتباك: 1959: اضطرابات وادي الصليب- وهو حي فقير في حيفا – وكذلك بئر السبع ومجدل هرمك- تلفت الأنظار الى اليهود «الشرقيين». وكانت الجماعة الاساسسية بينهم من اليهود المغاربة. وقد تظاهروا يتقدمهم العلم المغربي وهم يهتفون: «عاش محمد الخامس». ثم كان الصمت، وغابت مسألة «اليهود الشرقيين»، «فدولة اسرائيل الفتية» التي طالما حققت المعجزات لن تتوقف عند حاجز كهذا. كل ما هنالك أن ظاهرة الهجرة قد تعثرت بالنسبة للعائلات اليهودية المغربية في عام 66 وفي اوائل عام 67.

ثم جاءت الحرب ،وبدت الوحدة «الوطنية أقوى منها في أي وقت مضى أليس كذلك أ ولكن إن بعض الكتاب يقرعون ناقوس الخطر. منهم «مارك هيلل» في كتابه «اسرائيل في خطر اللم.»

ومجلة «تايم» الواسعة الاطلاع تقول ب إن على خلفاء ليفي اكيل لن يحلوا «المشكلة الاجتماعية المعقدة، التي تكمن في الاستيعاب الكامل لما دعى «باسرائيل ألأخرى أي اليهود الشرقيين الذين يشكلون 52 بالمائة من السكان »ومنذ فترة وجيزة، كتب مراسل «لوموندّ في القدس نقلا عن الصحف المحلية مثالا بعنوان: «الفهود السود في القدسّ جاء فيه: أ ن “بعض شباب الاحياء الشعبية في القدس يعدون العدة للقيام بأعمال عنف تعبر عن غضبهم تجاه المجتمع الاسرائيلي الذي جعلهم يحيون حياة هامشسية، وينتمي جميع هؤلاء الى اليهود «الشرقيينّ (سفارديم)، ويعيشون في أحياء بنيت في فترة الهجرة الكبرى عام 1950.

ولم يطرأ على هذه الاحياء أ ي تحسن منذ ذلك الحين. وقد أ صبحت هذه المناطق السكنية «المنسية» مع ازدياد سكانها أ حياء بائرة يقطن فيها اليهود القادمون من البلاد الاسلامية. وهؤلاء «الشباب الغاضبون» الذين تتحدث عنهم الصحافة الاسرائيلية قد ولدوا وعاوا في تلك الأحياء، وهم يتهمون «الاكنازيم أي اليهود الغربيين( والفارديم الذين منحوا بعض الامتيازات بقصد التمويه». (لوموند في 30/1/71).

وقد تعرفنا شخصيا على بعض الشبان المغاربة اليهود العائدين من اسرائيل. وهم يناضلون الان ضد الصهيونية .وحديثا صدر كتاب يتحدث عن كافة جوانب الوضع. وان كانت المؤلفة لاتخفي عطفها على دولة اسرائيل، الا أ نها ،بسبب عملها ومنشأها واتجاه بحوثها أ كثر الناس اطلاعا على وضع اليهود المغاربة أن هذا الكتاب، الذي صدر عام 1970، هو خلاصة تحقيقات اجريت في أ وساط اليهود القادمين من مالي افريقيا الى اسرائيل، وقد تمت قبل يونيو 67. وتختم المؤلفة الدراسة بقولها: «ان اسرائيل ستتمكن مع الوقت، اذا ساد السلام الشرق الاوسط، ليس فقط من محو تخلفها الخاص بل وستتمكن من مساعدة جيرانها على حل مشكلهم بتقديمها الامثلة لهم. تبدو هذه النظرة الان كونها حلم، ولكن الاحلام تتحول في بعض الاحيان الى وقائع في تاريخ اسرائيل المليء بالعظمة والبؤس».

إلا أن الوقائع تناقض هذه النظرة وهذا الحل المبني على انكار حقوق الشعب الفلطيني وعلى اسستغلال العرب اليهود المنقولين الى فلسطين، كما يناقضه الاتجاه العميق الذي يتيح لنا رؤية الحل الصحيح -هذا الاتجاه الذي لا تراه المؤلفة وهي عالمة اجتماع من المدرسة البورجوازية. ويبقى هذا الكتاب مجموعة ثمينة من المعلومات المجردة التي سسنختار منها بعض العناصر المعبرة. ولكن هذا الكتاب، بالرغم من جفافه أكثر من مجموعة معلومات أ نه بالفعل ورغم الحلم العاجز الذي راود مؤلفته، سجل افلاسا للصهيونية في عقر دارها واظهار لحقيقة الصهيونية كمؤسة للرأسمالية العالمية الملحة للتخلص من هذا المجتمع.

العمل وظروف المعيشة:

يوجه المهاجرون القادمون من افريقيا الشمالية الى مزارع «المواف» او نحو «مدن التنمية» وخاصة بئر البع وديمونا وكريات شمونه وصفد.
وقليلون منهم نظموا في «الكيبوتزّ تلك المؤسة السياسسية العنصرية التي تمح لابناء البورجوازية الغربية ان يطلقوا مشاعر التفوق الاسستعماري لديهم بطلاء اتراكي .وتعترف المؤلفة، على أ ي حال، بأنه يبدو أ ن الحركة الكيبوتزية لا تجذب الجماهير الفقيرة.

فما أ عجب هذا الاتراكية و”المواف” قرية ينظم فيها شراء اللوازم وبيع المحصول على اساس تعاوني، ولكن الانتاج والاسستهلاك ينظمان على اساس صناعي. ان نظاما كهذا في مجتمع رأسمالي وإن لم تكن استعمارية يعطي النتائج التي عرفناها في المغرب حيث تحول الفلاح في المناطق المروية، ببب الجهاز البيروقراطي، الى مرتبط بالارض.

في دولة اسرائيل أ كد أ كثر من نصف الذين أ جابوا على الاسئلة) 2,58%( ب أنهم سسيغادرون المواف لو استطاعوا، كما أ علن 6,92 أ% ن عملهم مرهق.

وقد صدر كتاب عن مواف يقطنه المغاربة وعنوانه «الرواد بالرغم عنهم». بالطبه «فان للشبان بعض الامتيازات، لاتمام عملهم ما بعد الابتدائي، دون أ ن يعني ذلك أ نهم يتعلمون مهنة ما “إنهم يوجهونهم نحو الاستثمارات الزراعية، وتبقى بذلك امكانيات ارتقائهم محدودة. «في النهاية،فإن الانصهار في المواف يؤدي الى قدر كبير من التربية “الاسرائيلية” بالطبع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى