في الواجهةمجتمع

حجم البؤس الاجتماعي الذي كشفت عنه فيضانات الدار البيضاء أتمته فياضنات طنجة اليوم وفضحت زيف الخطابات الرسمية الوردية

إذا ما كان للكوارث الطبيعية من حسنة، فهي بكل تأكيد قدرتها على تعرية عورة الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وفضح زيف الخطابات الرسمية المنمقة.

بقلم صلاح الدين لعريني أستاد باحث في علم الاجتماع مختبر السوسيولوجيا والسيكولوجيا

إن حجم البؤس الاجتماعي الذي كشفت عنه فياضنات الدار البيضاء، أتمته فياضنات طنجة اليوم، التي أظهرت هي الأخرى حجم البؤس والهشاشة المهنية المستشرية في صفوف العمالة الرخيصة ببلدنا.

لقد أصبح التحدي الأبرز أمام الباحثين عن فرصة عمل في المغرب هو الحصول على عمل ينتشلهم من ويلات الفقر والحاجة، بصرف النظر عن نوعية وقيمة هذا العمل. وبالتالي لم يعد هم الكثير من العاملات والعمال اليوم، التساؤل عن ظروف العمل هل هي آمنة أم لا؟ وهل هذا العمل يحفظ كرامة وآدمية العامل كإنسان أم لا؟ وهل يضمن العمل أو لا يضمن الحد الأدنى من حقوق العمال في مستوى معيشي لائق، وفي أجر عادل، و في الحماية من الأخطار المهنية، وفي الضمان الاجتماعي والتغطية الصحية والتقاعد…الخ؟.

لقد صارت الهشاشة المهنية في المغرب واقعا اجتماعيا مألوفا في صفوف فئات عريضة من عمال القطاع غير المهيكل أو المهيكل الهش، الذين يعيشون -رغم عملهم- في فقر مزمن تعايشوا معه بعدما أصبح يبدو للكثير منهم كما لو كان وضعا طبيعيا أو قدرا إليها لا يمكن الفكاك منه.

أمام البؤس الاجتماعي والمهني الذي تعيش فيه اليد العاملة الرخيصة وغير المؤهلة بما يكفي، لم يعد العمل وسيلة للعيش الكريم والإنقاذ من الفقر، بل صار وسيلة ترميق حياتي مزمن، ولا اختلاف هنا بين فقر عدم العمل (الفقر المطلق) وفقر العمل(الفقر النسبي/الهشاشة) إلا في الدرجة وليس في النوع!

إن الهشاشة المهنية لم تعد محصورة في القطاع غير المهيكل بل طالت أيضا القطاع المهيكل، بعدما شملت العديد من المهن بما فيها المهن العمومية التي ظلت بالماضي القريب طموحا اجتماعيا وحلما كبيرا في صفوف الشباب خريجي الجامعات والمدارس العليا.

إذا كان هذا حال بعض المهن العمومية، فكيف سيكون حال العمل ببعض المهن بالقطاعين الخاص وغير المهيكل، التي يتعرض فيها العمال إلى أشكال عدة من الاستغلال المستدام والمستباح من قبل أصحاب المصانع الذين يجنون أرباحا ضخمة بفضل اليد العاملة الرخيصة، ولا يدفعون لها إلا الفتات القليل الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، وفي الكثير من الأحيان لا يكترثون إلى حقوق العمال ولا يعملون على تحسين حياتهم وحياة أسرهم وتأمين مستقبلهم تجاه العجز المهني والمخاطر والأمراض المهنية.

لقد عمق الاقتصاد الرأسمالي المعاصر من الهشاشة المهنية، وجعل الكثير من العمال والموظفين يعيشون في ظروف مهنية واجتماعية غير آمنة وغير مستقرة، ودون أن يكون لهم يقين وضمانات تجاه مستقبلهم المهني. سبق لماركس أن تناول بإسهاب علمي هذا الإشكال البنيوي في الاقتصاد السياسي الرأسمالي الحديث منبها إلى أن وضع الطبقة العاملة مع مرور الوقت، سيتدهور بشكل مطرد نتيجة للقوانين الاقتصادية الموضوعية لتنمية الرأسمالية، للدلالة على الفقر بشكل عام، وعلى إفقار البروليتاريا على وجه الخصوص. ذلك لأن تراكم الرأسمال هو محدد موضوعي لتراكم الفقر والهشاشة والبؤس. وبتعبير كارل ماركس إن تراكم الثروة في قطب واحد هو في نفس الوقت تراكم الفقر، ومعاناة العمل، والعبودية ، والجهل، والعنف والتدهور الأخلاقي في القطب المقابل.

رأس المال ، الفصل 23 “القانون العام للتراكم الرأسمالي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى