ثقافة وفنون

جمالية القسوة وشعرية السرد في رواية “هوت ماروك”

كثيرا ما وصفوا كتابة الشاعر للرواية تحولا من جنس إلى آخر، ولا يتردد البعض في تعليل هذا التحول في ما يصفه كساد الشعر، والبعض الآخر يوعز ذلك إلى فتنة الجوائز وقيمتها المالية.

الذين يعتبرون التحول من جنس إلى آخر تحولا بنيويا، هم منسجمون مع الميتالغوية التي تضع خرائط الأدبية بمفهومها الأرسطي الدوغمائي..الذي لم نتخلص منه،

هم فقط في زمن الارسطية عالقون، وفي نظريات علمنة الأدب منذ الوضعانيين إلى البنيويين و حاملي مشروع ” النحو العام للادب” و الدراسة الأدبية، كموضوع للأدب ليضمن الحد الأدنى كعلم له موضوع خاص، والحقيقة أن الشعر هو الأصل، والإبداع كان شعرا ملحميا كان أم دراميا.

شخصيا أجد الشاعر ياسين عدنان في روايته هوت ماروك ، يغني السرد بالدفق الشعري، ويمنح الرواية توترات شعرية متعددة، و إيقاعات على مستوى الجملة السردية تمنح لذة الخطاب في بنيته المجردة قبل لذة الدلالة .. الروائي في هوت ماروك… لم يكن جاحدا للشعر…. ولم يكن يقحمه كجنس بل كلغة جمالية بيانية تبدد جفاء اللغة، وتمنح تهوية جمالية للحدث والوصف والحوار، فظل روائيا بامتباز ، يقدم السرد كآلية من شأنها أن تمتح من لغة الشعر دون السقوط في النص الوردي الذي ينهل في ذات الكاتب الشاعرة على حساب خصوصيات الرواية في بناء عالم، يجغرافياه وحياته وشخصياته وصراعها.

ولم يكن مترددا ليفتح الباب كلما طرق روايته خاطر شعري أو عابر سبيل جمالي شعري.. فأهدى السردية العربية بل العالمية نصا جميلا متميزا خطابا ودلالة، يسائل البراديغم الأدبي… يبتعد عنه حينا ويعود إليه… فالهوية النصية مأزق كبير للعقل المبدع…

ياسين عدنان حتى على مستوى العتبات والتبوغرافية النصية والعنونة الفرعية، كان شاعرا، يفتح شهية الممكن والاحتمال والتأويل بلذة الكشف، لكن حين يتقدم في برنامجه السردي فهو يتنفس هواء الشعر… وعيناه على التاريخ والدينامية البشرية في تفاصيلها الدقيقة… كثير من الشعراء عرجوا على الرواية… لكنهم فشلوا حين تخلصوا من الشعر على عتباتها خوفا من شبهة الجنس أو النوع…

لكن هوت ماروك منذ البداية وعبر معمارها وتوصيفات فصولها… أقرت أن الشعر ممكن أن يرتقي بالواقعية الفجة نحو الواقعية الجمالية، وممكن للشعر أن يغني السرد دون إفقاد الرواية صخب الحياة، بل الحياة في تعدد الاصوات والسجلات اللغوية والتجليات السوسيو- ثقافية.

قوة هذه الرواية في كونها متحت من الشعر دون أن تعتقل في وهم الذات وتختزل في صوت واحد، بل الشاعرية بمفهمومها الجمالي زادتها فتنة وصخبا وحياة واحتفالا … إنها الحياة القاسية لجيل حائر عابر في لحظة مغربية فارقة، يغير قيمه، بتبنى أخرى لتبرير اختياراته وطموحاته المتناقضة لكن بنكهة مراكشية وزمن مغربي…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى