ذاكرةسياسة

حلقات الصحافي حفيظ وتفاعله مع حركة 20 فبراير وحلقة اليوم 16 والسجن السري بتمارة…ممنوع الاقتراب

هذه الزاوية التي وصلت اليوم حلقتها 16، تحكي وتوثق لكتابات صحافية لمحمد حفيظ، عاش تجربة الصحافة الحزبية، وإن بطريقة نقدية وبكثير من المسافة مع الحزب عبر نشرة ناطقة تقريبا بالشبيبة الاتحادية، بنزقها ومشاكستها يومها للخط الرسمي للاتحاد الاشتراكي والتي اسمها “النشرة”، ثم انتمى لتجربة معارك فصل أو على الأقل خوض تجربة بناء صحافة مستقلة وحرة بعيدة عن جبه الأحزاب وألسنته المتعددة وأحيانا الكابحة لصياغة الخبر وصناعة الرأي العام المستقل، وبنفس المستوى البعيدة عن سطوة إعلام السلطة، سيواصل مسارا مهنيا صحافيا حتى اخر الرمق.

 

اخترنا أن ننقل افتتاحيات بتوقيع الصحافي، محمد حفيظ، تابع لحظة بلحظة، حركة 20 فبراير، وعلق على مختلف تظاهراتها، وسجل ذكائها في اختيار معاركها…

محمد حفيظ

الحلقة 16: تمارة أو ممنوع من الاقتراب…

لا يتعلق الأمر بتلك المدينة الآخذة في النمو، والتي أصبحت متنفسا سكنيا للعاصمة الرباط. كما لا يتعلق بتلك المفردة، التي يعبر بها المغربي، في لغته الدارجة المغربية، عن التعب الذي يصيبه جراء الجهد الذي يبذله، من أجل كسب القوت أو إنجاز عمل ما.

لا شك أنكم عرفتم أن المقصود هو ذلك المعتقل السري، الذي اشتهر باسم المكان الذي يوجد فيه، كما هو الشأن بالنسبة لنظرائه من المعتقلات غير المأسوف عليها (تازممارت، قلعة مكونة، درب مولاي الشريف،…). فلم تعد كلمة «تمارة» تحيل، فقط، إلى تلك المدينة الخلابة بطبيعتها النقية التي تحتضن الفارين من زحمة الرباط، بل إنها تحيل أيضا، في سياق الحديث عن حقوق الإنسان، إلى ذلك المركز الذي «يستوطن» جزءا وسط غابتها، بعيدا عن الأعين والآذان. إنه المركز التابع إلى مديرية مراقبة التراب الوطني، حيث توجد مصالحها المركزية.

ظل ملف هذا المركز مفتوحا، مثلما ظل المركز نفسه مفتوحا في وجه «ضيوفه الكرام». ولم يُكتب له أن يغلق، مثلما أغلقت تازممارت وقلعة مكونة ودرب مولاي الشريف، وأوصدت أبوابها في وجه الضيوف المحتملين.

ظلت الدولة تنفي وجود معتقل سري بمركز «الديستي». وفي المقابل، ظلت تقارير المنظمات الحقوقية الدولية والوطنية تؤكد وجود معتقل يتم فيه «إيواء» المختطفين وممارسة التعذيب عليهم فيه. الدولة تنفي دون حجة مقنعة، حيث تكتفي باجترار الكلام المكتوب عن مهام واختصاصات «الديستي» التي «لا تعتقل ولا تستنطق»، وإنما تكتفي بـ«جمع المعلومات». وفي المقابل، مرة أخرى، تستند الجمعيات الحقوقية إلى شهادات معتقلين سابقين أو حاليين ممن نزلوا «ضيوفا» على مركز «الديستي» في تمارة. شهاداتهم لم تعد، اليوم، تقتصر على رسائل مكتوبة يبعثون بها إلى المنظمات الحقوقية، بل أصبحت موثقة بالصوت والصورة، وأصبح بإمكان العالم كله أن يستمع إليها بصوت أصحابها ويتابع على المواقع  الإلكترونية قسمات وجوههم وهي تتفاعل مع ما يحكونه عن فظاعات التعذيب، الذي يقولون إنهم تعرضوا إليه.

ينبغي أن نشير، هنا، إلى أن الأمر لا يتعلق باتهامات جديدة. فقد ظل اسم هذا المركز يثار في مختلف المناسبات الحقوقية وغير الحقوقية. وظلت الدولة مصرة على النفي، دون أن تنجح في إقناع مخاطبيها في الداخل والخارج، ودون أن تترك أي أحد يقترب من ذلك المركز «المحاصر» وسط الغابة، ودون أن تمتلك الجرأة على قبول خضوعه إلى التحقيق والتقصي.

نعرف أن المغرب تمكن من إغلاق معتقلات سرية كانت قد خلفت آثارا وندوبا على أجساد من استضيفوا فيها، ورسمت صورة سيئة لمغرب سنوات الجمر والرصاص. وهي السنوات التي كان أول التزام أخذه الملك محمد السادس على عاتقه هو التعهد بطيها. وتمكن عدد من ضحايا الاختطاف والتعذيب من زيارة تلك المعتقلات السرية للتطهر مما لصق بنفوسهم وأجسادهم داخلها.

لكن ملف «تمارة» لم يتم طيه. لقد هزم المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان. ولم يستطع رئيسه السابق أن يحرك ساكنا أمام هول ما كان يقال عن «المعتقل السري». ولا نتمنى أن ينسخ المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بصلاحياته الجديدة ومسؤوليه الجدد، تجربة سابقه في التعامل مع هذا الملف.

التعامل الواجب مع الشهادات المتوالية عن الاختطاف والتعذيب يقتضي فتح تحقيق. والخوف من التحقيق هو خوف من الحقيقة. وأمام الوقوف ضد إجراء التحقيق، فإن المرجع الوحيد لن يكون سوى تلك الشهادات التي تتداولها المواقع الإلكترونية. وقبل التحقيق وبعده، يجب أن يتم إغلاق هذا المركز، بسبب ماضيه وبسبب ما يثيره حاضره.

أنا لا أفهم هذا الإصرار على أن يظل مقر مديرية مراقبة التراب الوطني في ذلك الموقع المعزول والمدفون وسط الغابة، والبعيد عن كل الأنظار والأسماع، و«المحمي» من أية محاولة للاقتراب منه.

الموقع في حد ذاته شبهة. وبما أن الأمر يتعلق بمصلحة أمنية تشتغل، كما تصر الحكومة، في الضوء وتحترم القانون الذي يجرم الاختطاف والتعذيب، فلم لا تنعم هذه المصلحة «المستهدفة» بمقر في مكان بعيد عن الشبهات؟

بسبب «تمارة»، مازالت تهم الاختطاف والتعذيب تطارد مغرب اليوم. وبسبب «تمارة»، لم يسلم عهد محمد السادس من الاتهامات باستمرار الاختطاف والتعذيب. ولأن الحكومة أثبتت عجزها عن الاقتراب من «تمارة»، وفي انتظار ما ستأتي به التعديلات الدستورية، بشأن تحقيق مطلب وضع مختلف الأجهزة الأمنية تحت مراقبة الحكومة والبرلمان، فإن الأمر، الآن، بيد الملك. الملك هو الذي بإمكانه أن يتخذ قرارا من شأنه أن يوقف هذا الجدل الدائر حول مركز متهم باستمرار الاختطاف والتعذيب.

متى يتم، إذن، إغلاق هذا المركز المشبوه، وطي صفحة أخرى ظلت تشكك في القطع مع ممارسات الماضي الأليم؟

12 ماي 2011

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى