ذاكرة

“دابا بريس” تواصل نشر حلقات الصحافي حفيظ وتفاعله مع حركة 20 فبراير..وحلقة اليوم”20 فبراير لم تمت”

 

هذه الزاوية، التي وصلت اليوم حلقتها 26، توثق لكتابات صحافي عاش تجربة الصحافة الحزبية، وإن بطريقة نقدية وبكثير من المسافة عن الحزب، من خلال جريدة “النشرة” التي كانت الشبيبة الاتحادية قد أصدرتها، ورسمت لنفسها خطا مشاكسا للخط الرسمي للاتحاد الاشتراكي، ثم انتمى إلى تجربة أخرى، من خلال جريدة “الصحيفة”، التي انخرط عبرها في معركة بناء صحافة مستقلة وحرة، بعيدة عن جبه الأحزاب وألسنته المتعددة، الكابحة أحيانا لصياغة الخبر وصناعة الرأي العام المستقل، وبعيدة بنفس القدر عن سطوة إعلام السلطة.
في هذه الحلقات، تواصل “دابا بريس” نشر الافتتاحيات التي كان محمد حفيظ كتبها قبل عشر سنوات، بجريدة “الحياة الجديدة”، التي أصدرها بعد توقف “الصحيفة”، في إطار مواكبته لانتفاضات ما سمي إعلاميا ب”الربيع العربي” ونسخته المغربية التي أطلقتها “حركة 20 فبراير”، وتفاعله بالرأي والتعليق مع ما تلا ذلك من أحداث وتطورات…
وهي الحلقات التي نتعرف من خلالها على آراء ومواقف إعلامي حرص في تجربته الصحافية على اتخاذ المسافة عن الدولة، بنفس المستوى الذي اتخذها إزاء انتمائه السياسي والحزبي.

محمد حفيظ

الحلقة 26:

“دابا بريس” تواصل نشر حلقات الصحافي حفيظ وتفاعله مع حركة 20 فبراير..وحلقة اليوم


نعم، 20 فبراير لم تمت. نتابع مسيراتها ووقفاتها كل أسبوع وفي مختلف المدن والقرى. نقرأ عن مناقشات وصخب اجتماعاتها، وأحيانا عن خلافات مكوناتها وصراعات أعضائها. تجتمع تنسيقياتها بانتظام، تعقد جموعها الأسبوعية بكل مدينة، تقيم التظاهرة الفائتة وتهيئ تظاهرة قادمة، تناقش وتقرر، فتنفذ قراراتها…

يكفي أن نتصفح الجرائد  على اختلاف أشكالها وألوانها لنقرأ خبرا أو متابعة أو تعليقا أو رأيا عن حركة 20 فبراير أو حولها.. يكفي أن نبحر في المواقع الإلكترونية لنجد حركة 20 فبراير تستحوذ على مساحة مهمة منها بالكتابة وبالصوت والصورة وتستقطب الكثير من التعليقات المتفقة معها أو المختلفة الموضوعية أو المتجنية

قبل أسابيع، كلنا يتذكر كيف سارع البعض إلى التبشير بموت حركة 20 فبراير. ولم يُخْفِ بعض المبشرين مقتلها على يد دستور فاتح يوليوز، حين قيدوا تاريخ وفاتها بسجل الاستفتاء على الدستور. وحتى من لم يغامر بإعلان وفاتها، عبر عن رغبته في ذلك بصيغة السؤال، السؤال الذي يروم الإثبات، وليس الاستفهام.

لكن، ما الذي جرى من ذلك التاريخ إلى اليوم؟ الواقع يجيبنا. لقد مر بالتمام والكمال شهر على تاريخ الاستفتاء، فقضى الشهر، بينما الحركة الشبابية مازالت حية ترزق في مختلف أرجاء الوطن، متشبثة بمطالبها السياسية والاجتماعية والاقتصادية… ووفية لأسلوبها الذي نهجته في التعبير عنها: موعد منتظم في الشارع، بمواقف واضحة، وشعارات مبدعة، ترفعها بنضج وتحضر، رغم كل أشكال الاستفزاز، تفعيلا للنهج السلمي الذي اختارته، منذ وَقَّعَت على تاريخ ميلادها.

لما كَذَّبَ الواقع نبوءة المبشرين، تحركت الآلة المعلومة، لمواجهة هذه الحركة الشبابية السلمية. استعملت كل الأساليب والأشكال، من الدعاية المغرضة إلى التحريض فالقمع، من استعمال الملك إلى استعمال الدين، من تعبئة الجمعيات «الحداثية» إلى حشد مريدي الزوايا والطرق… مع ذلك، مازالت 20 فبراير على قيد الحياة.

استُهْدِفت التيارات السياسية والهيئات المجتمعية وبعض الشخصيات الداعمة لهذه الحركة الشبابية بكل الوسائل، بهدف إيقاف دعمها. جرى السعي إلى بث الفرقة وتغذية الصراع والحروب داخل الحركة، بغرض تشتيتها وشقها، واسْتُعمِلت بعض الوجوه من الحركة نفسها لتحقيق هذا الغرض… ومع ذلك، مازالت 20 فبراير حية.

وَاهِمٌ من يعتقد أن بمثل هذه الأساليب، القديمة منها والجديدة، البائدة و«الحداثية»، سيقضي على حركة مثل 20 فبراير. الأمر لا يتعلق بأشخاص يكفي تعنيفهم أو استقطابهم ببعض العطايا والهبات، لتنتهي الحركة. مثلما أن الأمر لا يتعلق بحزب سياسي أو تنظيم نقابي يكفي أن يُخَصَّصَ له موقع في بعض المؤسسات، ليغير خطابه ويتنصل من مواقفه ويتنازل عن وظيفته. إن الأمر يتعلق بحركة أفرزتها لحظة تاريخية وليست رغبة حزبية، بحركة تجد سندها في المجتمع وليس في الدولة، بحركة تسكن الآن كل صاحب حق وليس فقط صاحب مذهب، بحركة تنتمي إلى الزمن المستمر، الزمن الذي لا يتوقف، وليس إلى زمن ولى. إنها مثل النهر الذي لا يتوقف ماؤه عن الجريان.

من يعادون العدل والإحسان أو النهج الديمقراطي أو اليسار المعارض، عليهم أن يعلموا أن حركة 20 فبراير ليست هي العدل والإحسان، ولا النهج الديمقراطي، ولا أحزاب تحالف اليسار الديمقراطي. هل نسوا أن الحركة تأسست بقرارها هي، وليس بقرار هذه التنظيمات، وأن هذه الأخيرة هي التي التحقت بالدينامية التي خلقتها الحركة وانخرطت في سقف مطالبها، وليست هي التي خلقت تلك الدينامية؟! وحتى إذا انسحبت كل هذه التنظيمات من دعم الحركة أو تراجعت، تحت الضغط أو بفعل تسوية ما، فإن الحركة ستواصل تحركها، مادامت تشعر بأن مطالبها لم تتحقق بعد. ارجعوا، يرحمكم الله، إلى التاريخ واقرؤوا دروسه لعلكم تعقلون.

استعمال حكاية العدل والإحسان أو النهج أو اليسار المعارض لن ينفع مع حركة من هذا النوع، وفي هذه اللحظة التاريخية بالذات. مثلما أن عتاد «البلطجية»، سواء تعلق الأمر بـ«بلاطجة الانتخابات» أو «بلاطجة الدين»، لن ينفع في مثل هذه المعارك المجتمعية المفصلية. وبالنتيجة، فإن الاستمرار في استعمال هذا العتاد هو مجرد مضيعة للوقت، فضلا عن أنه لعب بالنار التي تحرق من يلعب بها قبل غيره.
28 يوليوز 2011

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى