كورونامجتمع

إبراهيمي: التعاقد مع المغاربة وعدم استغبائهم جزء من معركة الانتصار على الوباء

قال عز الدين إبراهيمي، مدير مختبر البيوتكنولوجيا الطبية بكلية الطب والصيدلة بجامعة محمد الخامس بالرباط، إنه يتضح من قراءة سريعة للحالة الوبائية المغربية أنها شبه مستقرة كنتيجة للآثار الإيجابية لتلقيح فئات كبيرة كانت معرضة لتطوير الحالات الحرجة ونتيجة لخاصيات الهرم السكاني المغربي الشابة،  وكذلك بسبب نسبة المغاربة الذين أصيبوا بالفيروس والتي تقارب الثلاثين في المئة… وهذا ما يؤدي للإحساس بالأمان لدى العامة ما داموا يرون أن عدد الوفيات قل والمنظومة الصحية تستحمل عدد الإصابات…

وأضاف أنه على النقيض من ذلك،  فالحالة الجينومية لسلالات الفيروس المتواجدة بالمغرب تدعو لكثير من الحذر حتى لا أستعمل مصطلح قلق الذي يقلقني كثيرا كلما اضطررت لاستعماله… الخطر كل الخطر يأتي من تفشي السلالات المتحورة…

في السياق ذاته، عبر عز الدين إبراهيمي، عن أسفه لتبخيس البعض لمستوى استقلالية المغرب في اتخاذ القرار المتعلق بتدبير جائحة “كورونا”، والادعاء بأن المغرب سيدخل الحجر الكلي كما فعلت فرنسا كتبعية حتمية وسرمدية أزلية لـ “ماما”.

وفيما يلي النص الكامل لتدوينة مدير مختبر البيوتكنولوجيا الطبية بكلية الطب والصيدلة بجامعة محمد الخامس بالرباط

بكل محبة وترغيب وبدون أي ترهيب…

الجرأة والاستباقية والبيانات قبل القرارات…

قبل أن أتحدث عن المغرب ووضعيته والقرارات التي يجب اتخاذها وكتوطئة وددت أن أقارن بين مقاربة اتخاذ القرار بين بلدين فرنسا وبريطانيا…

ففي شهر دجنبر وبعد تفشي السلالة البريطانية وبناء على المعطيات العلمية صرح رئيس الحكومة البريطاني بقولة مشهورة ومبدأ واضح “البيانات العلمية قبل أي جدولة للخروج من الأزمة”… وأن كل القرارات البريطانية ستستلهم من الواقع العلمي وأن الجدولة الزمنية التي أعطاها مقرونة بالبيانات والمعطيات العلمية على الأرض… وعلى الجانب الأخر من المانش ومنذ نهاية شهر يناير طالب الكثير من الباحثين والأطباء الحكومة الفرنسية بضرورة تشديد الإجراءات الاحترازية بناء على معطياتهم العلمية و استعطفوا مدبري الأمر العمومي لاتخاذ القرارات الموازية والمناسبة… ولكن الحكومة الفرنسية تعنتت بقول لا.. والنتيجة اليوم أننا نرى بريطانيا تخرج بجدولتها الزمنية وبسلاسة من الحجر وفرنسا تدخله من بعدها بشهرين… ويؤسفني أن يبخس الكثيرون استقلالية المغرب في اتخاذ القرار والادعاء بأن المغرب سيدخل الحجر الكلي كما فعلت فرنسا كتبعية حتمية وسرمدية أزلية لـ “ماما”… لا وألف لا… فالمغرب أثبت ويثبت أنه سيبقى وفيا لمبادئه التي واجه بها الأزمة وسطرها صاحب الجلالة: الجرأة والاستباقية والبيانات قبل القرارات…

واليوم والكل يتساءل عن ماذا سنفعله ورمضان على الأبواب… أظن أن ما يجب أن نسأله من الناحية العلمية ماذا نحن فاعلون في الأشهر المقبلة؟ وهو سؤال أشمل من سؤال اللحظة… وهل من حقنا أن نجازف بمكتسباتنا الآن أم ننتظر بعض الوقت؟… ومتى يمكننا أن نجازف؟… ومن حقنا كذلك أن نسائل هل سنخرج من الأزمة قريبا؟ و هل من جدولة زمنية لذلك؟… وأظن أنه يجب علينا، في الوقت الراهن، أن نترفع عن أي تواصل ترهيبي متجاوز وأن نقوم بالعكس بتواصل ترغيبي علمي يحترم الذكاء الجماعي المغربي… وبتعاقد مجتمعي وجدولة زمنية تقريبية مبنيان على معطيات علمية تمكن الجميع من أن ينخرط في استراتيجية واضحة المعالم للخروج من الأزمة…

بداية ماهي المعطيات الوبائية والجنومية المغربية…؟

يتضح من قراءة سريعة للحالة الوبائية المغربية أنها شبه مستقرة كنتيجة للآثار الإيجابية لتلقيح فئات كبيرة كانت معرضة لتطوير الحالات الحرجة ونتيجة لخاصيات الهرم السكاني المغربي الشابة وكذلك بسبب نسبة المغاربة الذين أصيبوا بالفيروس والتي تقارب الثلاثين في المئة… وهذا ما يؤدي للإحساس بالأمان لدى العامة ما داموا يرون أن عدد الوفيات قل والمنظومة الصحية تستحمل عدد الإصابات…

على النقيض من ذلك فالحالة الجينومية لسلالات الفيروس المتواجدة بالمغرب تدعو لكثير من الحذر حتى لا أستعمل مصطلح قلق الذي يقلقني كثيرا كلما اضطررت لاستعماله… الخطر كل الخطر يأتي من تفشي السلالات المتحورة… وأتقاسم معكم هنا وفي سابقة علمية بعض نتائج بحث قيد النشر فباستعمال أداة التسلسل الجينومي قارنا بين انتشار سلالات كورونا بالمغرب والاجراءات المتخذة لمواجهة الكوفيد. والمنحنى طيه مأخوذ من هذا البحث والذي يمكن أن نلخص أهم استنتاجاته فيما يلي:

1- تحليل جينوم أول سلالة بريطانية دخلت المغرب شهر يناير مكن من تتبع انتشارها ورغم صعوبة تحديد نسبة السلالات البريطانية بالضبط فكل المؤشرات توحي تجاوزها لعتبة 15 في المئة وبداية انتشارها الأسي. هذه السلالة ستسود في المغرب في ظرف أسابيع وأخطر ما فيها، انتشارها السريع وإصابتها للعديدين مما قد يؤدي بضغط جديد على منظومتنا الصحية وأن نستمر في التلقيح تحت ضغط الوباء المتحور.

2- بعد تحليل التسلسل الجينومي للسلالات التي ظهرت بالداخلة والذي قام به مختبرنا بتعاون مع المعهد الصحي والذي أثبت أن الأمر يتعلق بالسلالة البريطانية… ويمكن أن نحسم بأن هذه السلالة التي وصلت إلى أبعد نقطة بالمغرب والمتميزة بكثافة سكانية قليلة، حتما تتواجد بكل المناطق المغربية.

3- ظهور 25 طفرة (وليست سلالة) مغربية وهذا ما كنا نحث عليه دائما بأن تكاثر الفيروس يؤدي حتما إلى ظهور طفرات محلية تنتج تلقائيا بوجود الظروف الجينية لتطورها.

4- وهكذا وتبعا للموقع المرجعي لتحليل البيانات “جيزيد” (أنظر أسفله)، يمكن تصنيف السلالة التي ظهرت لأول مرة بورززات كسلالة جينومية مغربية مئة في المئة في انتظار تحديد خاصيتها البيولوجية.

5- يثبت هذا العمل البحثي 28 سلالة جديدة بالمغرب وعلى الخصوص السلالة النيجيرية الحاملة للطفرة 484 مع عدم ظهور أي سلالة جنوب إفريقية بالمغرب لحد الساعة.

وعليه فكتشخيص في الوقت الراهن يمكن أن نقول بأن الوضع شبه مستقر وبائيا ومقلق جينوميا وأننا ما زلنا نحتفظ على الأقل بشهر وراء أوروبا من الناحية الوبائية الجينومية… مما يدعو إلى كثير من الحذر وقليل من المجازفة في هذه المرحلة المفصلية في مواجهة الكوفيد ولا سيما أن عمليتنا التلقيحية لم تنته بعد وما زالت تحت رحمة السوق الدولية للقاحات… رغم كل هذا أرى كثيرا من الأمل في هذه الوضعية التي تحسدنا عليها كثيرا من الدول… وسيما إذا تمكنا من ترجمة هذا الوضع إلى استراتيجية محكمة مبنية على الجرأة والاستباقية والبيانات قبل القرارات …

إذن… ما العمل؟

فبكل مسؤولية ومساهمة منا في إغناء النقاش الوطني ومد مدبري الأمر العمومي بسيناريوهات يمكن نقاشها والتي تحتمل الكثير من النقد والخطأ، أود أن أدلو بدلوي في النقاش الوطني حول ماذا نعمل الأن.. وهنا يجب أن أحدد الهدف الزمني والجدولة التي أسطرها لهذه المقترحات والنظرة الاستراتيجية… فما يهمني هو الخروج من أزمة الكوفيد مع الصيف و بالتحديد مع العيد الأضحى إن شاء الله بأقل الخسائر الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية الممكنة… وإذا كان لزاما علينا أن نجازف فأفضل أن نفعل ذلك مع حلول فصل الصيفة لأن المنفعة الاقتصادية والاجتماعية والصحية أكبر بكثير من المجازفة الأن… وعليه، أذكر كذلك بالمعايير الأربعة التي على أساسها أقترح أن يتم تغيير أي إجراءات بتشديدها أو تخفيفها:

1- ضمان حماية المنظومة الصحية وتخفيف الضغط عليها.

2- مدى التراجع اليومي لعدد الوفيات.

3- مدى تراجع معدل انتقال العدوى.

4- ضمان عدم عودة موجة جديدة من الوباء.

وتماشيا مع توقيت أخذ قرارات تمديد حالة الطوارئ الصحية في بلادنا والذي يصادف العاشر من كل شهر ولمدة أربعة أسابيع، فأتجرأ بأن أقترح الجدولة الزمنية التالية والتي تبقى مرنة ومرهونة بالمعطيات العلمية للأزمة الصحية:

1 – العاشر من أبريل: في الحقيقة ومن الناحية العلمية لا أرى كيف يمكن أن نغير من الإجراءات الحالية. فكما أنني لا أرى سببا لتشديدها، لا أرى ربحا في تخفيفها مما سيؤدي حتما إلى حركية أكبر ومجازفة لا أرى منفعة منها.

2- العاشر من ماي: في استقرار للأرقام والمعطيات وبعد عيد الفطر الفضيل،.. ويمكن فتح المقاهي والمطاعم لمدة زمنية أطول… والسماح بالتجمعات بأعداد معقولة.

العاشر من يونيو: بعد تقييم الرفع من الحركية خلال المرحلة السابقة، يمكن أن نرفع من عدد المتجمعين في الأماكن العمومية والخاصة وتمديد ساعات فتح المقاهي والمطاعم… عودة المتفرجين للملاعب وقاعات السينما… العودة لإحياء بعض المناسبات.

العاشر من يوليوز: رفع ما تبقى من القيود والترخيص للعيد الأضحى المبارك وطنيا واستقبال مغاربة العالم… ورفع قيود التنقل…وعودة الدولية…

أتمنى أن تساهم هذه الجدولة من الرفع من ضبابية المستقبل وترغب الكثيرين في العودة للإجراءات الإحترازية الشخصية ونحن على مرمى حجر إن شاء الله من الخروج من هذه الأزمة… ربما هناك نسبة من المجازفة في هذه الجدولة ولكن أظن أننا نكون قد جعلنا ووضعنا الكثير من الحظوظ إلى جانبنا… وإن نجحنا فمغرب أفضل ينتظرنا إن شاء الله… بسمعة دولية كبيرة وثقة من الممولين الأجانب وتنافسية سياحية لم تسنح قط للمغرب… واحتفالية مع مغاربة العالم قل نظيرها… بأجمل بلد في العالم… نعم… فمن حقي أن أفكر بصوت مرتفع ولكن بجرأة واستباقية والبيانات قبل القرارات… من أجل وطن أحب.

حفظنا الله جميعا…

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى