في الواجهة

غزة… ليست هنية…

أنا لا أرى في غزة وجه هنية، ولا لحى حركة الجهاد، ولا أبحث عن أصل حديد الصواريخ…
أنا لا أبحث عن ظل المهدي المنتظر في غزة وأهلها يحاربون من أجل الدار والجار…
أنا لا أقتفي أثر تجليات نعمة أهل حماس، ولا أقيس قضية فلسطين بطول اللحية ولا بنوع الشمبانيا، ولا بعمر النبيذ المعتق على الموائد، ولا بثروة ذرية آل ياسر، ولا بمباهج آل أبي عباس، ولا أتجول وماركس بين الدمار، بحثا عن موقف يليق بالبنية التحية، ويليق بثورة تكن العداء للعائد…ولا أحمل عقيدتي معي مصفاة للفكر والقيم..
أنا لا أبحث عن دفء القضية في ابتسامة عزمي بشارة، ولا في حماسة عبد الباري عطوان…
بعيدا… عن عمود في صحيفة..
بعيدا عن حوار تحت سقيفة….

بقلم الصحافي والروائي خالد أخازي

أنا… ألا… أقايض الجرح الفلسطيني بغبار دحلان، ولا برحلة إلى جبال الألب، لكتابة رواية عن الشقراء، و الصهباء، وكلاب الجيران النادرة، وولميه هوليودية مع تأبط عهرا…
أنا… لا يلزمني كثير من التحليل والتفكير، لأختار جبهة غزة..
الذين يطيلون زمن التفكير زمن الأزمات أبناء عاهرات…
عذرا سيدتي العاهرة…
الذين يمعنون النظر و التحليل، زمن الحرب… تجار كلمات ولو طاوعهم المجاز…أو هاموا عشقا في ابن رشد..
الرشدية أحيانا تصير حجة الخيانة…
والعقلانية في كثير من الأحيان تغدو حجة للخذلان والاصطفاف مع العدو…

أأنا فقط… إنسان… حين أعطل شهوة الكلام، وحين أضع على الأرض قبعة الإيديولوجية، وحين أتخلص من عقدة مركزية الفكر، ومشاعر العبيد، للحصول على شهادة حسن السلوك الصهيونية الأمريكية ، التي تمنحك شرعية خيانة الوطن والعقيدة والقبيلة والشجر، مقابل منصات للتويج قاسية القلب، تصنع عبيد الحضارة البيضاء…
حين اتخلص من خوفي ألا أجد دارا لنشر كتبي، أو ينتصب عسس الثقافة أمام العبور السلس لنصوصي في المعارض التي تعرض كل شيء إلا الحرية…
حين أهرب بقلمي من صندوق بريد قلعة التفاهة…

حين أقسو على بعض الرجال والنساء في سفري التاريخي، وحين أهم بالعودة أقبل يد الشيخ، و أترحم على الموتى والشهداء، حين أفتش عن حماقات التراث دون أن أخرب بيت حضارتي، ولا ألوت نبعها ببولي إرضاء للتصفيق الماكر…
حين أتخلص… من هاجس… الكتابة وفق معايير المحتل والمستبد و العقل المهيمن على الإعلام والثقافة، صاحب مصنع صناعة معاول هدم الهوية، و موزع مثقفي زراعة المخدرات في التاريخ والفكر والشعر والإبداع…
حين… أكون أنا كما يجب أن أكون… كاتبا بقضية تلهمه، لا يساوم على الحرية، ويقاوم بقلمه الاحتلال والقهر والاستغلال والاستلاب….
حين… أتحرر من المحبرات البلورية، والقلم الذهبي، وشهوة الكتابة غي فنادق خدمها مخبرون، وخادماتها أجمل من ملكات الجمال، لكنهن خناجر حادة لامعة ينعكس على ضلوعها ظل الشيطان…
حين أتخلص من الخوف من المبيت في العراء…
من الموت في زنزانة بين الجرذان والغرباء…
حين أتحرر من وهم السفر إلا العالم الحر، وأصنع الحرية في عالمي بقلمي…
حين… أكسر كل القيود الوهمية، وأطلق رصاصة الموت في صدر السيد القابع في عقلي…
حينها….
سأفرح لأفراح غزة…

لأن لي بابا أدخل منه منتصب القامة…. اسمه باب المغاربة…
بابا واسع اتسع للعرب والأمازيغ ،قبل أن تفرقنا فلسفة أبي لهب، و حفريات فوكو…
فحين لا يخيروني بين الغزالي وابن رشد..
وبين طوق الحمامة، وطوق الزعامة..
أمشي منتصب القامة في جنازات فلسطين…
وأجد الطعم الحقيقي للحبر والشعر…
للنص حين ينظر إليك مفتخرا بك….
للبياض وهو يرتجف من ظل قلمك… لأنك ستجعله ينزف… وينزف… لتسمع نشيد الحرية…
البياض ألف حبرا مخلوطا بالنبيذ…
وأقلاما تدغدغ النص لينام… لينتحر المعنى من أجل الملهى…لينتحر النص ليبتسم المرقص…
من أجل كل هذا….
اليوم عرس في بيتي….

غزة انتصرت يا عالم….
سقطت الأبراج فصارت هذا الصباح متاهة جميلة يلعب فيها الصغار…
سقطت الدور والجسور، فعلت في الأعالي الصقور….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى