ثقافة وفنون

بنساعود… “ما قبل السرد” للدكتور مسلك ميمون: تصديرات للإغراء والتحفيز…

صدر للناقد الدكتور مسلك ميمون، أخيرا، كتاب موسوم بـ: “ما قبل السرد” وهو عبارة عن تصديرات لمجموعات قصصية، لمبدعين ومبدعات من الوطن العربي، في مجال القصة القصيرة جدا، ويعتبر المؤلف أن التصدير “علامة للذكرى والاستئناس، والتوعية العامة بهذا الجنس المنفلت والصعب والجميل والممتع… الذي استطاع فرض نفسه، واستقطاب رواده من مختلف الأجناس الأخرى…”
ماقبل

 

بنساعود
بقلم الأديب علي بنساعود

للإشارة، فالكتاب، كما يوضح مؤلفه ذلك في التقديم، ليس “دراسة مستوفية يكشف من خلالها وجه نصوص المجموعات: الدلالية والفنية… كما أنه لم يشأ “أن يجعل منه جواز مرور بدون تأشيرة، لذلك “انصرفت هذه التصديرات إلى الحديث عن القصة القصيرة جدا من خلال إبداعات قصصية مختلفة من حيث الرؤية والفهم والأسلوب… مع إشارات وتلميحات فنية قد لا تكشف النصوص كشفا تحليليا نقديا… ولكن تغري بقراءتها، وتحفز على استقرائها وفهمها…”

الكتاب صادر عن دار ديوان العرب للنشر والتوزيع، بمصر، (2019) ويقع في 290 صفحة من القطع المتوسط، تضم ثلاثة وثلاثين تصديرا إضافة إلى إهداء وتقديم وفهرست…

وضمن التصديرات نجد ثلاثة عشر (13) تصديرا لمجموعات قصصية لقاصين مغاربة، وخمسة (5) تصديرات لمجموعات قصصية لكتاب جزائريين، وأربعة (4) تصديرات لمبدعين من اليمن، وستة (6) تصديرات لقاصين من مصر وتصدير واحد (1) لقاص ليبي، وواحد (1) أيضا لمبدع أردني، وتصدير واحد (1) لقاص فلسطيني مقيم في الأردن، وواحد (1) لسارد سوري وواحد (1) لعراقي.

ونظرا لكثرة عدد التصديرات، سنكتفي، في هذه الورقة، بالتوقف عند تصديرات المجموعات القصصية المغربية، وإبراز أهم الخلاصات التي انتهى إليها الناقد.

وهكذا، اعتبر الناقد أن “ظل طيف” للقاصة فاطمة الشيري، “مجموعة ذات نسق تشويقي يغري بالقراءة، وأن القاصة في كل كتاباتها القصيرة تلامس الواقع بالإشارة، لا تفصل القول بفائض الكلام، وكأني بها تحترم ذكاء المتلقي، فتلزم ساردها بالحياد والاكتفاء بإيماءات قابلة للتأويل، مفسحة المجال لتعدد القراءات، وتنوع الفهم، وما مجموعتها الجديدة “ظل طيف” إلا لمحة فنية تشهد على ذلك، وتتيح القراءة الممتعة، في نسق التخييل والتدبير والتأمل والتفكير…” ص55

أما عن “سوانح من كلمات” فيقول الدكتور مسلك ميمون: “ينبغي القول إن القاصة أمنة برواضي بهذه المجموعة شقت طريقا آخر في بناء النص القصصي القصير جدا، فلا إسهاب ولا ملل، إنما متعة في القراءة والتأمل والتدبر…” ص87

وعن “انحناءات ملتوية” يذهب المؤلف إلى أن “كتابة علي بنساعود في دقتها واختزالها الشديد، والتزامها بالمقولة المأثورة: “الكثير مما يقال في موجز المقال، لا تتسع للسرد المرسل، بل تعمد قصدا إلى السرد المتقطع، المتطور، حفاظا وضمانا للغة الشعرية المكثفة التي تصبح فيها الشخصية عبارة عن علامة سيميائية، والحدث دلالة عن حالة، واللحظة القصصية مفاجئة خاطفة، لهذا، فالمتن عنده لا يحفل بالمعنى المباشر أو الضمني، قدر اهتمامه بخلق إحساس عميق بالحالة، وتلك خاصية بليغة تحكمها شبكة من العلاقات التقنية والفنية المتداخلة، كدلالة على ثقافة متنوعة، وسعة معرفية جمالية نلمسها في تمازج ونسج النصوص بروح النكتة والنادرة والتنغيم ولطائف الشعر والتشكيل واللقطة السينمائية والحكي والمشهد المسرحي والانزياح والتكثيف والمفارقة والسخرية والتشظي، واعتماد التجريب والتماهي مع الشذرة وقصيدة النثر وحسن الافتتاح وجمالية الإقفال…”

فالمتلقي، حسب الناقد، يعيش لحظات المتعة النصية القصيرة جدا في نشوة الاستبطان والكشف والمشاركة في الكتابة عن غير قصد، لملء نقط الحذف، وبعث المضمر وتتمة كيانات التخييل النصي، فلا غرو أن نجد في كل هذا موهبة جياشة متقدة، ومسبارا فنيا لواقع معيش، وسعة خيال بلا ضفاف، وذلك ما يجسد في النقد مفهوم الواقعية السحرية…” ص.ص7 و8

واعتبر الناقد مجموعة “مغرب الشمس” للقاص حسن برطال: “تحفة أخرى، تؤكد جمالية الإبداع القصصي، وترسخ استمرارية التسريد التجريبي، في مسار أنطلجية التخييل وذلك بتخطي لغة الوصف إلى لغة الكشف، الشيء الذي يحقق النثر الأدبي الفني، بتعدد الصيغ، والإيجاز، والمعنى الكامن، والتضاد الوجداني، والتجانس، والانسجام، ضمن فضاء سيميائي انزياحي… ما يحقق بلاغة الإقناع، ومتعة الإبداع، في مجال القصة القصيرة جدا.” ص12 و13

وخلص الناقد إلى أن “مجموعة “حيث يعلو الجدار” تبشر بعلو قدم القاص محمد محقق في هذا المجال الصعب، الذي استطاع أن يزاوج بين الشعر والسرد، ولعل الكلام المجمل في الشعر ساعده في نسقية التعبير في السرد، إذ جاءت النصوص مركزة في إطار من التكثيف والاختزال، محققة ملمحا من ملامح التخييل السردي وبلاغة المحكي الشاعري…” ص18

وانتهى الناقد إلى أن مجموعة “همسات الروح” لعبد الرحيم هري “نمط آخر من الكتابة القصصية القصيرة جدا، التي أساسها مفردات المبنى، ومآلات المعنى… تَعِدُ بقلم يافع جريء، ينكأ الجرح، ويتوارى كالسراب تاركا للآخر حرية التخييل، ومجال التأويل…” ص25

وبخصوص “الربيع الآخر” لحسن قرى، قال الناقد: “قد تكون هذه المجموعة أول مجموعة في القصة القصيرة جدا وفي النشر الورقي بالنسبة للقاص حسن قرى، ولكنها تجربة واعدة طموحة، وما سيتلوها من إبداع في هذا المجال، إن شاء الله، سيغني مرابع الإبداع والعطاء، ويسمو بمستوى النمو والارتقاء…” ص34

وعن “أضغاث يقظان” لمولاي أحمد صبير، يرى الدكتور مسلك ميمون أن “نصوص(ها) أولت، في تركيبها القصصي، اهتماما لمفردات المبنى، ومآلات المعنى، فجمعت بين نوستالجيا الحلم وواقع اليقظة، وحاولت استشراف أفق أفضل، من خلال قصدية نقدية، وتوليفة سردية فنية، بغية ملامسة واقع ملتبس، في حاجة إلى تغيير في بنيته السياسية/الاجتماعية، والسوسيو_ ثقافية، وبالتالي، فهي نصوص تكشف الستار عن قاص واعد، عاشق للحكي، في صورته الواقعية، وبنيته الفنية التخييلية.” ص41

ورأى الناقد في “تعويذة شهرزاد” للخضر التهامي الورياشي، مجموعة تبشر بقاص واعد يمتلك متعة الإبداع، وبلاغة الإقناع في مجال الكتابة السردية، ويَجِدُّ في تطوير أدواته، ويحسن اقتناص لحظاته الزمنية، فلا غرو أنه استطاع الانتقال بأسلوبه ونمط سرده من فسحة البحر، إلى حيز النهر، لأنه أدرك أن ما يوجد في النهر لا يوجد في البحر.” ص47 و48

أما “الظل العائد” لأحمد زيادي فاعتبرها الناقد “مجموعة نصوص نابضة بفنية القص ومكوناته، غنية بالرؤى السردية المختلفة للشخصية في انفتاحها أو انغلاقها، وبساطتها وذكائها، فضلا عن الأحداث وتطورها، وطرائق الكتابة وتنوعها… وكل ذلك يشهد حتما أن القاص أحمد زيادي، لم يُمْنَح نتاجه القصصي ما يستحقه من الدراسة والبحث، وقد راكم سبع مجموعات قصصية، والأمر لا يتعلق بالكم في حد ذاته، ولكن بالتميز والإبداع، والاستمرار بحثا عن الجدة والجودة والإقناع…” ص63 و64

وأوضح د. مسلك أن “القاص بوعزة الفرحان، وبعد مسيرة لا تخلو من بحث وتجريب وممارسة مستمرة في الكتابة القصصية، واستماع جاد لنبضات النقد، انتهى إلى القصة القصيرة جدا في شكلها الوظيفي الفني، وذلك بكتابة مختلفة، أساسها، أولا وأخيرا، إثارة الاهتمام بحثا عن أصول اليقظة وتجاوزا للحكي من أجل الحكي.” ص. ص 67 و68

وخلص الناقد إلى أن “كأنه حدث” لعبد الرحيم التدلاوي مجموعة ممتعة، تطمح لتحقق الذات القصصية، لقاص متذوق، شغوف بالحكي، واعد بالعطاء، مثابر في البحث عن الجديد، متصيد لأرق الحالات واللحظات الإنسانية، في إطار هذا الفن السردي الجميل، الذي ما فتئ يستقطب عشاقا جددا، ويحتل مساحة في النشر السردي في الوطن العربي، بعد أن كان إلى عقدين سابقين، نكرة لا يقبل عليه إلا قلة قليلة، بل كان مثار سخرية البعض، الذين لم يستوعبوا فلسفته ومكوناته الأسلوبية.” ص.ص73 و74

ورأى الناقد أن “أقاح بلا مساحيق” لمبروك السالمي “مجموعة تبشر بكتابة جديدة، وكاتب لا يحفل بالإسهاب والاستطراد أو استعادة المستعاد، بل يكتفي بالإشارة والتلميح، بدل المباشرة والتصريح.” ص78

وللإشارة، فهذا الكتاب بندرج ضمن الجهود النقدية للمؤلف وتحليلاته للأعمال السردية، خصوصا في مجال القصة القصيرة جدا، التي يعتبر أحد روادها، إذ يعتبرها فناً كتابياً أوجد لنفسه مكانا، وسط زحام تسعينات القرن العشرين، كبدعة فنية في إطار فن القص كشيء لم يعرفه قدماء العرب.

وبهذا يكون هذا الكتاب بصمة أخرى تؤكد مكانة الدكتور مسلك ميمون، باعتباره، كما قال القاص المتميز حسن البقالي، في تدوينة نشرها على صفحته بالفيسبوك: “أحد المتابعين الأوفياء والشرسين لما يكتب تحت يافطة القصة القصيرة جدا، والمنافحين عنها كسلالة أدبية ناشئة ومحتاجة إلى دعائم صلبة تشد بنيانها، إن على المستوى الإبداعي أو النقدي.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى