إعصار ثقافي دافئ أم حرب سياسوية باردة !
في مثل يومه من سنة 2011، حيث كان التحضير لأول دخول سياسي / اجتماعي لما بعد أول دستور فيما يسمى بالعهد الجديد، حررت العبارات التالية، وكانت مكونات العقل الأمني تعد لخريطة سياسية تعطى فيها الريادة لحزب المصباح ليقود الولاية التشريعية على أساس أن رئيس الحكومة سيختار من الحزب الذي سيتصدر نتائج الانتخابات، وأستغرب لبعض المراهقين السياسيين و المراهقات (احتراما للنوع) يعلنون إلحادهم تجاه الآخر والدين والله، ولكن تجدهم عبيدا مسخرين لدى الإعلام الذي صار يملك هذه الأيام سلطة توزيع أدوار الظالمين والمظلومين وحق خلق آلهة اللحظة واغتيالها في نفس اليوم قبل الغروب …فأية سياسة هذه وأي تواصل ؟ أليست العبادة خضوع لسلطة وهمية؟ فماذا عسى يساريي ” الإنصاف والمصالحة ” أن يلعبوا من دور بعد حسم القرار ” الأممي” الترخيص للمحافظين بمرجعيات وهابية او إخوانية تدبير الشأن العام مؤقتا إلى حين مرور عاصفة الربيع ” العربي “، بضمانات أو كوابح واشتراطات محددة؟ وماذا عسى من يزعم المعارضة اليسارية أن يقدم كعناصر المقاومة والتصدي للمد المحافظ، الذي سيكون كل مقومات ممارسة القمع الثقافي والإرهاب الفكري؟.
وقد افترضت أن هناك مجموعة من المداخل والاستفهامات، باستحضار سقوط جدار برلين وانهيار السوفيات وبغداد واليمن و، سوريا في الطريق: الانتماء إلى اليسار لا يعني بالضرورة أنك تقدمي أو اشتراكي أو شيوعي أو ليبرالي وطني حتى ….بغض النظر عن شرط الولاء الاستراتيجي لتيار سياسي جماعي أو الانتماء لمؤسسة حزبية بشكل مستدام والانتظام والانضباط، فقد ولى زمن ألزعامات الفردية والفعاليات الشخصية التي تلتحف لبوس المثقف العضوي او شاعر القبيلة المنتصرة.
هل نحن بصدد تمكين قوى التقدم من فرصة استرداد النفس الديموقراطي وموطئ قدم في المشهد السياسي، أم بصدد تكريس الاحتكار تم التحكم من خلال ترجيح أصولية على شقيقتها( من غايات المفهوم الجديد للسلطة القطع مع اسبابها ) …؟.
ألم يحن زمن تقييم حيثيات تحول بعض اﻻعلام ” المستقل ” من منافس مهني للصحافة الحزبية الى بديل سياسي للأحزاب السياسية ؟ماذا لو تمت مأسسة المواقف، بدل أن تكون مجرد تعبيرات شخصية، تراوح المكان دون وقع سياسي يرتب المسؤوليات ويكون قابلا للتفعيل والمحاججة والمحاسبة والنقد والمساءلة؟. وهلا حولنا النقاش عرضانيا، ليعم كافة المهتمين بالشأن العام، بدل أن يقتصر على تمثل الصراع العمودي، المباشر أو
بالوكالة …؟ بالنظر الى الوضع العام لليسار، تيه سياسية وهشاشة تنظيمية، ما هو الدور الذي سيلعبه الشارع، أو الفضاء العام المستقل عن المجال السياسي المغلق، لملء الفراغ المفترض على إثر ” الصفقة المحتملة ” ؟ مع الإشارة إلى أنه من حق قدماء أطر المجتمع المدني والحقوقي الدفاع عن اختياراتهم ” البديلة ” لكن دون تعسف في استعمال الرأسمال الرمزي التقدمي من أجل مصلحة مناقضة، فلكل واحد منا مرجعيته وربما مراجعه، والمهم هو الإقناع دون وصم الخصوم أو تحقير ذكائهم وخدش كرامتهم، فالاستقلالية أفضل من عدم الانحياز.
فعلى إثر انسحاب شباب العدل والإحسان من الحراك الفبرايري، ودعم المحافظين وهيئاتهم النعمية للدستور، تفتقت عبقرية دعاة لاهوت التحرير بخصوصية محلية، فبدأ التفكير في تحالفات غير طبيعية، بين الكتاب والمصباح ثم بين المنجل والسبحة، تحالفات اعتبرت في مهدها عابرة و صيفية، وظلت ليومه تابثة و صوفية، وقد شاءت الأقدار أن صادف يومه ( يوم تحرير المقال ) ذكرى 13 شتنبر 1913 تاريخ تبنى المغاربة للمدونة المدنية لنابليون في مجال التعاقد ( ظهير الالتزامات والعقود ) وعلى علتها، فكثير منا لا يحترم مبدأ ” سلطان الارادة ” الذي يكرس التعاقد شريعة بين المتعاقدين، ويرتب المساءلة والجزاء على كل إخلال بالالتزامات المتبادلة، وهي مدونة استحضر فيها المشرع الاستعماري بعض الخصوصيات الشرعية، خاصة في ما له علاقة بالأحوال الشخصية وشؤون القاصرين وحقوق المرأة في ممارسة التجارة.
وكان قد حضرني سؤال مهيكل ذي علاقة بمصير التشريع الجنائي الذي قد يتغير بحلول المشرع ” الشرعي ” محل المشرع الوضعي ! واليوم وبعد مرور سبع سنوات نعيد طرح نفس السؤال ولكن بشكل شمولي واوسع: ما هي حصيلة السياسة وما مصير مطلب الديموقراطية في ظل تراجع وعدم تجديد نفس الفكر التقدمي في توجيه وتأطير السياسة؟.