” متحدون من أجل الإنسانية”…..”مطعم الحب” لمساعدة مشردي تونس
أ ف ب: عند مدخل حديقة الحيوانات في تونس العاصمة، تنتظر ليلى، في مأواها المصنوع من الورق المقوى والأغطية البالية، فريق جمعية خيرية للحصول على بعض المأكل والملبس، في بلد يواجه أزمة اقتصادية حادة.
تبحث المرأة البالغة 50 عاماً، منذ ما يقرب من ثلاثة عقود، عن مسكن في تونس التي تحاول حكومتها إيجاد حلّ للمئات من أمثالها الذين يعانون من تداعيات الأزمة الاقتصادية.
وتوضح ليلى خلال تثبيتها غطاءً بلاستيكياً يقيها وكلابها صقيع ليالي الشتاء الباردة، قرب علم تونس المتدلي بجانب الفراش: “أعيش في الشارع شتاءً وصيفاً منذ أكثر من 27 عاماً. أريد مسكناً ولو غرفة”.
وتؤكد أنها لم تستحمّ منذ حلول فصل الشتاء.
وتقول مع وصول طاقمَي منظمة “الإسعاف الاجتماعي” و”متحدون من أجل الإنسانية” وقد جلبوا لها كعادتهم كل يوم جمعة بعضاً من الأكل والملبس: “لا أريد الذهاب للمراكز الاجتماعية، يكفي أن أولاد الحلال يحنون عليّ، وبعض المنظمات يجلبون لي مساعدة”.
وقد حُضّر هذا الطعام الذي تتناوله في مطابخ “مطعم الحب” الذي أطلقته قبل ثلاث سنوات جمعية “متحدون من أجل الإنسانية” (Universelle) لتوفير المأكل للمشردين. وفي باقي أيام الأسبوع، تكتفي ليلى بوجبة واحدة يومياً تقتصر في أكثر الأحيان على علبة سردين.
تنزح أعداد كبيرة من التونسيين من المناطق الداخلية الفقيرة إلى العاصمة والمحافظات الساحلية في البلاد بحثاً عن عمل، وغالباً ما تصطدم بضعف الفرص، فتجد نفسها في الشارع.
إلى ذلك، يجد بعض ممّن فقدوا أعمالهم بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية، وكذلك بسبب التفكك الأسري، أنفسهم يبحثون عن ركن دافئ داخل محطات المترو والحافلات وغيرها من الأماكن، كملجأ لهم.
التقت ليلى مرات عدة بمسؤولين في الدولة بحثاً عن مأوى لها، لكن ما زالت تنتظر. وتقف منتعلة زوجَي نعال متآكلة قائلة: “وضعي الصحي لا يتحمل العمل والإجهاد. تعبت بتقدم العمر”.
فكّر صبري الثلاثيني، الذي يبيع المناديل الورقية في شارع “الحريّة” بالعاصمة، مراراً في الانتحار، ويقول: “مللت عشرين عاماً في الشارع وليس هناك حل بعد”.
تشير آخر الإحصاءات الرسمية إلى أن نسبة الفقر في البلاد خلال العام 2021 بلغت 16,6% كمعل وطني. وترتفع في المناطق غير الحضرية إلى 24,8%، في بلد يقطنه نحو 12 مليون نسمة.
واقتصاد البلاد مثقل بالديون ومتباطئ، إذ بلغت نسبة النمو 1,2% خلال العام 2023، وفق إحصاءات البنك الدولي، والبطالة 16%، مع ارتفاع التضخم إلى 8%.
لا تتوفر إحصائيات دقيقة عن عدد المشردين في تونس التي انطلقت حكومتها في العمل على ملف المشردين في الشوارع منذ العام 2017، وتتقاسم مع منظمات المجتمع المدني عملية إحصائهم وتقديم المساعدات الأولية، ونقل من يقبل منهم إلى مركز إيواء مخصص لهذه الفئة.
“متحدون من أجل الإنسانية” واحدة من الجمعيات التي أرست مبادرة فريدة من نوعها في تونس قبل ثلاث سنوات، تتمثل في إنشاء مطعم يقصده زبائن يدفعون بشكل طوعي مبلغاً إضافياً مقابل وجبة تقدم للمحتاجين الذين يتوافدون على المطعم.
في حي لافيات بقلب العاصمة تونس، تجتمع في “مطعم الحب” فئات المجتمع المختلفة، من الموظفين والفقراء وغيرهم.
ويوزع العاملون في المنظمة بالتعاون مع السلطات الأكل الذي يتم إعداده في المطعم على المشردين في شوارع العاصمة.
يقول رئيس المنظمة نزار خذاري (39 عاماً): إن المطعم “اجتماعي إنساني، وهو الأول من نوعه في تونس. كل ما نجمعه من أرباح تذهب لفاقدي المأوى، وكذلك نوظّف البعض منهم معنا”.
ويضيف: “نحاول أن نكون دافعاً لهم للعودة والاندماج في المجتمع”.
يُباع كل يوم ما بين 400 و450 طبقاً، 30% منها تقدم للفقراء والمشردين الذين “تزداد أعداهم”.
يؤكد خذاري أن “الوضع الاقتصادي لديه تأثير قوي على هذه الفئة الهشة”، متوقعاً ازدياد أعداد المشردين “بسبب ارتفاع الأسعار وندرة العمل”.
وقد لفتت المبادرة انتباه تونسيين كثر، بينهم الموظفة أسماء التي ترتاد المطعم يومياً لأنها “لاحظت كمّ التفاعل في مواقع التواصل الاجتماعي”، معتبرة أن المبادرة “تعزز التضامن بين أفراد المجتمع”.