
هدى سحلي تكتب: الاعتداء على النساء..الشجرة التي تخفي أزمة انهيار القيم
أثار مقطع فيديو يوثق لحادثة تعرية فتاة في الشارع العام بمدينة طنجة وصفعها على مؤخرتها، استياء لدى عدد كبير من المغاربة، باعتباره فعلا لا أخلاقيا ويصنف ضمن الأفعال الجرمية، ولا نملك الا إدانته، أولا كنساء بصفتنا معنيات بالدفاع عن سلامتنا وحقنا في الولوج للفضاء العمومي بشكل آمن، ثم كمواطنات ومواطنين يهمنا الحرص على كرامة المغاربة والمساواة بين مكوناته وتكريس الفعل المواطناتي.

ومنه جاءت الدعوة إلى التدخل الأمني والمتابعة القضائية في حق الشاب الذي قام بهذا الفعل بشكل مباشر، والشاب الذين وثق الحادثة بالفيديو. واستجابة لذلك، اعتقلت الشرطة في مدينة طنجة، مساء الثلاثاء قاصر يبلغ من العمر 15 سنة، للاشتباه في تورطه في المشاركة في الإخلال العلني بالحياء والتحرش الجنسي بالفتاة، بعد التحريات التي باشرتها السلطات بخصوص الحادثة وعمليات التشخيص لشريط الفيديو التي مكنت من تحديد هوية المشتبه به الرئيسي وتوقيفه.
وعلى أهمية تحريك المسطرة القانونية في مثل هاته الحوادث، إلا أنه من الضروري طرح السؤال إذا ما كانت المقاربة الأمنية تشكل حلا لوقف مثل هاته الحوادث، ومن تم التساؤل عن شكل المجتمع الذي نريد؟ وأي منظومة قيمية تصلح له؟ ثم ما دور الدولة ومؤسساتها ومختلف المعنيين بالموضوع في نهج سياسة تربوية تعكس الإرادة العامة، في اتجاه تشكيل وبناء مجتمع عقلاني وحداثي متماسك بقيم العيش المشترك واحترام الحريات والمساواة في الولوج إلى الفضاء العمومي.
هذا النقاش الذي أعادته حادثة “فتاة طنجة” وقبلها سلسلة من حوادث الاعتداء الجنسي المتواترة على النساء في الفضاء العام، مثل حادثة الاعتداء على فتاة قاصر في الحافلة والتي أصبحت تعرف ب”حادثة فتاة الحافلة” و حادثة “فتاتي انزكان” وغيرها من الحوادث التي ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في إبرازها، ما يجعلنا نسلم بأننا لسنا أمام حالات معزولة إنما أمام أزمة في القيم وانهيار للأخلاق لدى فئات واسعة من المغاربة خاصة في صفوف الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 20 سنة، يبدو معها الحل الأمني والمجهود التشريعي قاصرين في تحويطها.
أزمة تعمقها مظاهر العنف التي أصبح يعرفها الشارع المغربي وتجد صداها داخل وسائل التواصل الرقمية، بحيث أصبحت تسوّق لنموذج قيمي منفلت أساسه العنف، في ظل تراجع المؤسسات الاجتماعية عن القيام بوظائفها، فلم تعد المدرسة تقوم بدورها التربوي والتثقيفي وبناء الإنسان، وانحصر دور المؤسسة الأسرية في توفير الجانب المادي فقط، ناهيك عن عدم الاهتمام بالجانب الثقافي والفني الذي يساهم في تهذيب سلوك الفرد، ثم تراجع الدور التربوي والقيمي للدين وحصره في ثنائية (الحرام/ الحلال) بشكل متطرف، وهو ما يُلجأ إليه لتبرير العنف ضد النساء واستهداف حرياتهن.
وهذا التراجع في الوظائف الاجتماعية، تتحمل مسؤوليته الدولة التي لم تستطع أن تقدم نموذجا لما يجب أن يكون عليه الإنسان المغربي، كما أن الدولة نفسها لا تعطي المثال والقدوة، ومسؤولوها الذين يفترض ان يقدموا النموذج والقدوة هم غير ذلك، وقد تابعنا عددا من القضايا التي توبع فيها مسؤولون في الدولة وشخصيات عمومية بتهم الاعتداء والتحرش الجنسي وقضايا اثبات النسب، وبالتالي يجد المغاربة أنفسهم أمام مؤسسات لا تعطي المثال، ومسؤولون فاسدون، وسياسات جعلت المواطنين يعيشون تحت وطأة الفقر والجهل وانتشار الظلم والعنف والنهب والرشوة والريع وباقي مظاهر الفساد التي تطبع بها الفرد المغربي وتساكن معها، بل أصبح لديه نوع من “الانفصام القيمي” يتنازع بين القيم الحداثية والقيم المحافظة؛ قيم الخير والشر، وهو ما نلمسه في تعاليق عدد من مستعملي الانترنت مع بروز كل حادثة عنف، حيث يستنكرون الفعل ويعتبرونه لا أخلاقي ودخيل على شخصية المغربي الشهم والكريم والذي يؤمن ب “عيب” و”حشومة” و”ديننا مافيهش هادشي أو غض النظر في حالة الاعتداء على فتاة” وفي نفس الوقت نجد تعاليق من قبيل ” تستاهل لي جرا ليها” أو “الغيرة على نساءنا” أو ” لباسها فاضح” وفي تعبيرات ثقافية أخرى نجد قيم “الحرية” و”الحق” و”المساواة” و “الجمال”.
ومن هنا يبدو الحل الأمني والمجهود القانوني في غياب ثقافة قانونية لدى أفراد المجتمع، وحدهما، على أهميتهما، قاصرين في ضبط العنف المبني على النوع، لأننا أمام أزمة مجتمعية، تتطلب أولا إعادة النظر في المنظومة التعليمية والنموذج التربوي داخل الأسرة. وثانيا إعادة النظر في جودة الإعلام والمنتوج الإعلامي والرفع من مستواه، وعودة إبراز الدور الثقافي والفني في جميع المؤسسات وخاصة المدارس. كما على كل الفاعلين المعنيين وبصفة تشاركية، فتح حوار وطني للبحث في المسألة القيمية وتقديم نموذج قيمي لما يجب أن يكون عليه الفرد المغربي، وعلى الدولة تحمل مسؤوليتها وإعمال وظائفها الاجتماعية والخروج من حالة الفوضى والازدواجية في القيم التي تروح ضحيتها النساء.