حول العالمفي الواجهة

مترجم: كيف كشفت حرب أوكرانيا تضارب المصالح بين روسيا والصين في أوراسيا؟

نشر مركز “ستراتفور” للدراسات الاستراتيجية والأمنية، مقالا/ لنائب الرئيس الأول للمركز الأميركي، أكد فيه كيف أن الحرب الجارية اليوم في أوكرانيا كشفت عن أوجه التعارض والاتلاف في الصالح بين الصين وروسيا، لعل أبرزها أن الصين ترى في فتح ديناميكيات حرب باردة لا يمنحها تكوين مزيدمن الروابط الاقتصادية والسياسية عبر ما يسى بمنطقة أورواسيا، أي منظور ترى فيه الصين نفسها قوة صاعدة في هذه المنطقة، عدا اختلافات أخرى.
“دابا بريس” واعتمادا على الترجمة التي قام بها فريق العمل ب”ساسة بوست” لهذا المقال، تعيد نشر أهم محاوره:

 

بدأ الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن الصين تواصل دعمها لروسيا علنًا، على الرغم من هجومها على أوكرانيا في يوم 24 فبراير . غير  أن الحرب في أوكرانيا تكشف التصورات المتعارضة لبكين وموسكو بشأن مستقبل منطقة أوراسيا، والتي ستستمر في التشديد على علاقتهما.

تنظر الصين، استناد للترجمة للموقع “ساسة بوست” إلى هذه المنطقة القارية بوصفها ممرًا واسعًا لطريق التجارة الذي يربط بين المحيط الهادئ والمحيط الأطلسي.

غير أن  تأكيد روسيا على مناطق نفوذها الممتدة على طول الحدود الغربية لهذه المنطقة القارية يتعارض مع هذه الرؤية الصينية، وذلك  بسبب أن الرؤية الروسية تجازف بزيادة أسباب الشقاق الدائم بين موسكو وأوروبا.

والحديث عن ديناميكيات الحرب الباردة الجديدة يقوِّض قدرة الصين على تكوين روابط اقتصادية وسياسية عبر منطقة أورآسيا من خلال استثماراتها في البنية التحتية لمبادرة الحزام والطريق.

روسيا والصين: تصدعات في ركيزة العلاقات

الصين

يشير الكاتب أن وزارة الخارجية الصينية امتنعت عن توجيه الانتقادات المباشرة لروسيا بسبب حربها على لأوكرانيا. بل إن تغطية وسائل الإعلام الصينية استخدمت بعض المناقشات الروسية للتقليل من أهمية التدخل العسكري. وتُعد بكين أيضًا لموسكو بمثابة حائل جزئي ضد تأثير العقوبات من خلال عقد صفقات جديدة لزيادة حجم التجارة في مجالات الطاقة، وتوسيع التجارة الزراعية، والاستخدام المحتمل لبدائل لنظام الدفع الدولي (سويفت).

بيد أنه وفي الوقت الذي لم توجِّه فيه أي انتقادات علنية لروسيا، امتنعت الصين عن تقديم أي دعم دبلوماسي مؤثر للعمليات العسكرية الروسية أو للاعتراف الروسي باستقلال الجمهوريات المنفصلة في منطقة دونباس شرقي أوكرانيا.

وترتبط بكين بعلاقات طويلة الأمد مع أوكرانيا (ومن بينها قطاع الدفاع العسكري). ويشعر القادة الصينيون بالقلق إزاء السابقة التي رسختها روسيا بتقديمها الدعم الخارجي للمحافظات الانفصالية (والتي يمكن أن تشمل، في الحالة الصينية، أقاليم مثل شينجيانج، والتبت، أو حتى تايوان).

ويعكس رد الفعل الصيني المزدوج شعور بكين بالانزعاج البالغ حيال علاقتها الأوسع نطاقًا مع موسكو.

وفي حين أن هناك عديدًا من مجالات المواءمة الإستراتيجية بين الدولتين الجارتين، ومن بينها قلقهما المشترك من الولايات المتحدة، إلا أنه لا يزال هناك انعدام ثقة كامن بينهما.

وتُعد الصين قوة أوراسيوية صاعدة، بينما تبدو روسيا آخذة في الانحدار.

وهذا الأمر وحده كفيل بأن يُؤدي إلى عدم التوازن في علاقتهما، وهي علاقة يحوطها استياء من موسكو وحذر من بكين.

الصين

وفي السابق كانت القوة الاقتصادية الصينية سببًا في استكمال قوة روسيا العسكرية والتاريخية عبر آسيا الوسطى، وهو ما أفسح المجال أمام التعاون بين البلدين أكثر من التنافس بينهما. لكن القوة العسكرية الصينية المتنامية، ونفوذها السياسي المتزايد، يتعارض مع النفوذ التقليدي لروسيا في الدول المجاورة لها. وربما تكون موسكو غير قادرة على مواكبة السخاء الاقتصادي الصيني، لكنها تستمر في استخدام الروابط التاريخية والثقافية، والاتحاد الاقتصادي الأوراسيوي، وعلاقاتها الأمنية لمحاولة التقليل من التأثير الصيني. وفي الوقت الذي تتساهل فيه بكين مع هذه التصرفات، يترسَّخ لديها الإحساس بانعدام الثقة.

تركيز الصين على القوة الاقتصادية

يُنوِّه الكاتب إلى أن الاختلاف الجوهري بين الجارتين الكبيرتين يتمثل في تصوراتهما المتباينة بشأن مستقبل أوراسيا. وتظل روسيا ترى نفسها قوة أوراسيوية مركزية محاصرة، ولهذا فهي تحتاج إلى إنشاء قوقعة حول نفسها لحماية أمنها الإستراتيجي.

ويتعلق هذا الأمر بمناطق نفوذ متميزة وتقسيم بين روسيا وأوروبا. ومن ناحية أخرى، تنظر الصين إلى مستقبل منطقة أوراسيا على أنها ممر واسع للتجارة، حيث يتقاطع هذا الممر مع ممرات برية من شأنها أن تُخفف من التهديدات التي تعاني منها بكين حاليًا في البحار، كما أنه سيعيد توجيه محافظاتها الداخلية غير المتطورة بعيدًا عن المحافظات الساحلية الأكثر ثراءً، ويُمكِّن الصين من استخدام اقتصادها بوصفه أداةً للتأثير والحماية عبر قارتي آسيا وأوروبا، وحتى في أفريقيا.

اوراسيا

ومن نواح عديدة، تتماشى رؤية الصين أكثر مع القلق الذي أعرب عنه السير هالفورد جي ماكيندر، جغرافي بريطاني متخصص في الجغرافيا السياسية، بشأن القوة المحتملة لما أسماه جزيرة العالم (آسيا وأوربا). وفي أوائل القرن العشرين، استشرف ماكيندر احتمالية أن تؤدي التكنولوجيا الحديثة (السكك الحديدية آنذاك) إلى التقاطع، وأن تربط بين أوروبا، وآسيا، وأفريقيا، وتحولها إلى قارة عملاقة شاسعة. وبعد ذلك يُمكن لقوة أوراسيوية بمفردها التحكم في الموارد والقوى البشرية في القارات الثلاث، ومن ثم تحويل تلك القوة المجتمعة إلى البحار.

ولم ترتبط روسيا أو ألمانيا أو الاتحاد السوفيتي (كل قوى القلب المحتملة) أبدًا بمنطقة أوراسيا، ناهيك عن ارتباطها بجزيرة العالم. ويعزى ذلك جزئيًّا إلى التكلفة. ولكن السبب وراء ذلك، في القرن التاسع عشر ومعظم القرن العشرين، كان في أغلب الأحيان يكمن في أن توسُّع السلطة السياسية مرتبط عادةً بالتوسع الإقليمي، ولم يكن هناك حينئذ أية دولة، أو تحالف قادر على غزو أوروبا وآسيا والسيطرة عليهما.

اسيا

وألمح الكاتب إلى أن الصين في القرن الحادي والعشرين تسعى إلى توسيع نفوذها السياسي من خلال الأدوات الاقتصادية بدلًا عن الأدوات العسكرية. إذ لا يتحتم على بكين غزو جيرانها والمناطق النائية في أوراسيا، بل يُمكنها بدلًا عن ذلك توسيع نفوذها من خلال التجارة والتكنولوجيا والاستثمار وتطوير البنية التحتية. ومن ثم فإن الصين تُعد قوة إمبريالية عصرية تحاول توسيع نفوذها في معظمه من دون الحاجة إلى السيطرة على مساحات أكبر من الأراضي.

وفي بحر الصين الجنوبي استخدمت بكين جيشها بوصفه أداة للإكراه لدعم مطالبها الإقليمية الشاسعة واحتلال عدد من الجزر غير المأهولة بالسكان، لكن الصين تجنبت المواجهات العسكرية المباشرة أو استخدام القوة العسكرية للاستيلاء على الأراضي التابعة لغيرها من الدول في الممر البحري الإستراتيجي.

وخلال العشرين عامًا الماضية أو نحو ذلك بدأت بكين في الالتفات إلى قوتها العسكرية، وتجهيزه لتلبية الاحتياجات المستقبلية المتوقعة للعمليات الخارجية.

وحتى في هذه الحالة لم تزل الصين متحفظة إلى حد ما في استخدامها للقوة العسكرية بوصفها أداةً في شؤون السياسة الخارجية، لا سيما عند مقارنتها بنظرائها من القوى العظمى، مثل روسيا والولايات المتحدة، أو حتى عند مقارنتها مع دول غرب أوروبا مثل فرنسا.

ويبدو أن بكين لديها رؤية ممتازة للقوة والنفوذ، لكنها تسعى لتحقيقها من خلال وسائل تحول دون اندلاع الحروب لأطول فترة ممكنة.

تركيز روسيا على القوة العسكرية

يستدرك الكاتب موضحًا أن روسيا، التي تعد معقلًا للتاريخ القديم، في المقابل، استخدمت قوتها العسكرية بصورة منتظمة بوصفه أداة للإكراه والتأثير في الدول المجاورة لها.

وقد تكرر الغزو الروسي لجورجيا في عام 2008 لدعم الحركات الانفصالية التي تحركها موسكو وتوسَّع نطاق هذا الغزو في عام 2014 عند تدخلها في أوكرانيا وضمها لشبه جزيرة القرم.

ووصل الأمر إلى أقصى حدوده مع ما أسمها المقال بالغزو الروسي الحالي لأوكرانيا، وهو الغزو الذي لا يهدف فحسب إلى تحقيق الحد الأدنى من الأهداف المتمثلة في إنشاء مناطق عازلة على طول الجبهة الجنوبية الروسية، بل يرمي إلى أحد هدفين، وهما «الفنلدة (مصطلح يستخدم لوصف التأثير الذي قد يكون لبلد قوي على سياسات بلد أصغر مجاور)»، أو إعادة تأكيد خضوع أوكرانيا للنفوذ والسيطرة الروسيين.

أوكرانيا

ويؤكد الكاتب أن استخدام روسيا الحديثة لقواتها العسكرية لإعادة تشكيل الدول المجاورة لها هو انعكاس للتصرفات التي كان يقوم بها الاتحاد السوفيتي. وتستخدم روسيا القوة العسكرية بوصفها أداةً للإكراه، لفرض الأمر الواقع (كما هو الحال في ضمها لشبه جزيرة القرم) وبوصفها أداةً للقوة الغاشمة (كما هو الحال في هجومها الحالي على أوكرانيا) لتغيير الأنظمة الحاكمة على امتداد المحيط الخارجي لها.

وفي الوقت الذي قد تبدي فيه الصين تقديرها للعمليات الروسية التي تبقي الولايات المتحدة تركز على أوروبا بدلًا عن المحيطيين الهندي والهادئ، يساور بكين بعض القلق من أن تصرفات موسكو قد تعيد تعزيز العلاقات الأوروبية الأطلسية، وتكسر قدرة الصين على استمرار تدفق التجارة عبر الأراضي السوفيتية السابقة إلى أوروبا.

وستتعرض المصالح الاقتصادية الصينية عبر أوراسيا للخطر بصورة متزايدة بسبب العمليات العسكرية والسياسية الروسية التي تعمل على تفتيت القارة العظمى بدلًا عن توحيدها.

أوراسيا المنغلقة مقابل أوراسيا المنفتحة

يلفت الكاتب إلى أن خطوط السكك الحديدية والطرق الصينية المؤدية إلى أوروبا تعتمد على العبور عبر روسيا، أو الدول الرئيسة المجاورة لها. وإذا أدَّت العمليات الروسية والعقوبات الغربية وديناميكيات الأمن إلى نسخة مخففة من الستار الحديدي القديم، فسيؤدي ذلك إلى تداعي النفوذ الصيني الاقتصادي والسياسي، وستعود بكين من جديد للاعتماد على الممرات البحرية التي لم تزال معرضة لتهديدات القوات البحرية الأمريكية.

روسيا

وقد تكون روسيا قادرة على الوفاء بالتزاماتها بوصفها قوة قارية، لكن الصين ترى أن روابطها القارية هي مسارها نحو تحقيق طموحها لكي تصبح قوة عالمية، وتحقيق ذلك على الأرض أولًا، ويأتي بعد ذلك التوسُّع في البحار. إن التوتر بين هاتين الرؤيتين سوف يؤدي إلى توتر علاقات بكين مع موسكو؛ إذ تتعارض ممارساتهما مع مصالحهما. وبينما تسعى الصين إلى إتاحة المجال تريد روسيا إغلاقه.

وباختصار قد تُقوِّض محاولة الصين لبناء جسر بين أوراسيا مساعي روسيا لحفر خندق مائي. وعند نقطة معينة قد يُؤدي هذا التناقض في الرؤى إلى أن تُعيد بكين النظر في استمرار تعاونها الوثيق مع موسكو إذا وجدت أن تكاليفه تفوق فوائده.

المصدر: ترجمة ساسة بوست للمقال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى