مجتمع

تقرير: الصحة بالمغرب .. بين معاناة المريض ومطالب الطبيب 2/2

دلال المخنطار

ومع إيراد كل هذه العوامل، التي تدفع بفشل المنظومة الصحية، نعود لواحد من المسببات الأكثر تأثيرا، والذي سلفنا ذكره، ألا وهو الاستقالة الجماعية لعدد من الأطباء، في إطار الاحتجاجات المنظمة من قبلهم، جاء في بيان الاستقالة الجماعية الثالثة،  التي سبقها استقالة 30 طبيبًا، وقبلهم 50 طبيبًا آخرا. وهذه الاستقالات تأتي ضمن خطة الإضرابات والاحتجاجات التي يخوضها الأطباء المنتمون لـ«النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام»؛ إذ شهد هذا العام وحده أكثر من 15 إضرابًا وطنيًا ووقفات احتجاجية تسببت في تعطيل الخدمات الطبية للمواطنين في المرافق الصحية العمومية. توازيا مع أن «الأوضاع التي يعيشها قطاع الصحة كارثية ولا تستجيب للشروط العلمية المعمول بها دوليًا، الأوضاع التي يعرفها قطاع الصحة في المغرب، لا ترقى لتطلعات المواطنين وحقهم في العلاج الذي يكفله لهم الدستور».

 

ناهيك عن معاناة أطباء القطاع العام، الناتجة عن  قرار الاستمرار في نثص الميزانية المخصصة للصحة. فالأطباء يتقاضون، حسب ما عبروا عنه، رواتب تقارب 7000 درهم شهريًا، مقابل أجور مرتفعة لنظرائهم في القطاع الخاص، بسبب النسبة القليلة التي تدفع من ميزانية الدولة، لصالح القطاع الصحي، في البلاد، والمتمثلة في 5%، وهي نسبة تخالف ما نصت عليه، المنظمة العالمية للصحة، التي حددت احتياج القطاع الصحي في نسبة 10%، أي الضعف.

  فيما يشكو الأطباء من الضغط على بعض الأقسام، وعلى الموارد البشرية العاملة بها، واضطرار المرضى إلى شراء العديد من الأدوية والمستلزمات الطبية في هذه الأقسام، ما يدفعهم (الأطباء)  للمطالبة بتعويض مالي، على أساس الرقم الاستدلالي 509 لكونهم حاملين لشهادات دكتوراه، لا 336 الذي يجعلهم متساوين، من ناحية التعويضات المذكورة، مع حملة شواهد الإجازة.

لم تقتصر الاحتجاجات المتواصلة للأطباء، على العاملين منهم بالقطاع العام، دون سواه، بل انضم عليهم العاملون بالقطاع الخاص، أيضا، وخاضوا إضرابا عن العمل، في أكتوبر المنصرم، مع الاستعداد لخوض إضرابات أخرى، في سابقة من نوعها؛ احتجاجا عما يواجهونه، حسب تعبيرهم، من عراقيل مهنية واجتماعية، مع تأكيدهم، ذاتهم، على أن القطاع الخاص المغربي لا يتكلف إلا بعلاج 67% من المرضى، ومن ثمن فهو بحاجة لتجويد خدماته، للمواطن والطبيب، بل ولتوفير الأجواء المهنية المناسبة للعمل، والتعاون مع القطاع العمومي، في سبيل تحقيق خدمة مميزم للمرضى، حسب ما جاء على لسانهم (أطباء القطاع الخاص، بالمغرب).

هذا، وفي تصريح له، لجريدة “هسبريس” الالكترونية، قال رئيس النقابة المستقلة  لأطباء القطاع العام في المغرب، المنتظر العلوي، إن “الاحتقان في قطاع الصحة مُشكل مركَّب، تتداخلُ فيه مسبّبات كثيرة؛ فهناكَ نقصٌ في الأطقم الطبية وشبه الطبية باعتراف الوزارة، وهناكَ أيضاً نقص في التجهيزات البيو-طبية، على مستوى المؤسسات الصحية العمومية، التي تظلُّ في جُلِّها مؤسسات قديمة ومهترئة، ولم تخضعْ للتجديد. علاوة على وجود مُشكل حقيقي في تنزيل نظام المساعدة الاجتماعية الرَّميد، الذي جعلَ طلب المواطنين على العلاج يزدادُ، ولكن فيه مشاكل عويصة؛ فيما هناك مشاكل أخرى تتعلق بالصيانة والتعقيم والحكامة».ويضيف ذات المتحدث : “عندما يلوح طبيب اشتغل في القطاع لأزيد من 20 سنة، هو الآخر، بالاستقالة؛ فهذا يعني أن الأمور قد وصلت إلى مفترق طرق؛ ومعناه أن صمت الحكومة تجاه مطالبنا لا يجب أن يطول أكثر؛ لأنه لمْ يعد هناك ما نخسره. نحنُ ماضون في هذه الاستقالة إذا لم يتحرك ملفنا”.

 ومع كل ما ورد سلفا، سيبدو أن الموضوع ساء، أكثر مما نظن، عند العلم بأن إقليم “طاطا” الذي يقطنه حوالي 117 ألف نسمة، يخدمه فقط ثمانية أطباء، لم يتغير عددهم مذ سنة 2007.

فالجدير بالإشارة، أن الحكومة المغربية وفي إطار بحثها عن حلول لمشكلة عدم تقدَّم أحد خريجي الطب للعمل في الأقاليم، أعلنت في أبريل الماضي، التعاقد مع أطباء من السنغال للعمل بالمراكز الاستشفائية الجامعية وبالمستشفيات العمومية الواقعة بالمناطق النائية. تعقيبا عن هذا، صرح رئيس جهة “سوس ماسة”،  محمد الراجي ،بأنه “لا يُعقل أن يُجيب وزير الصحة على انتظارات الساكنة بجلب أطباء من السنغال، لا نعرف مستواهم المعرفي وتكوينهم الذي لم يكن على أرض الوطن، ولا ندري نوع الدبلوم والشهادات التي حصلوا عليها، وبالتالي سيشعر السنغاليون بأنهم غرباء ومضطرون للعمل في منطقة نائية، وهذا ما سيجعل التفاهم ينعدم بينهم وبين المواطنين”.

ويزيد قائلا، إن “الدولة تبحث عن حلول ترقيعية لمشكل حيوي يتعلق بصحة المواطنين، وهذا أمر يسيء إلى الدولة وإلى المواطنين المغاربة، ويُظهر عجز الحكومة في حل مشاكل المواطنين”.

موازاة مع مخطط الصحة حتى 2025، الذي قدمه وزير الصحة  أنس الدكالي،والذي  احتوى في محور خاص، على خطة لمواجهة النقص في الموارد البشرية، من خلال توظيف عدد آخر من الأطباء. كما خصصت الحكومة مبلغ قدره 28 مليار درهم في مشروع قانون المالية لسنة 2019 ، بغاية النهوض بأوضاع الصحة العمومية؛ بما فيها 7 ملايين درهم التزاما برسم بناء وتجهيز المراكز الاستشفائية الجامعية بالرباط، طنجة، أكادير، مراكش، ووجدة. بالإضافة إلى إحداث 4 آلاف منصب مالي، بذات القطاع.

ومع كل ما تعتبره الحكومة المغربية، تحركات مسعفية للمنظومة الصحية، لا تزال نقابة الأطباء تؤكد على استمرار التجاهل الحكومي لمطالبها، استنادا على ما ضمنته في بيان لها، والمختزل في أن “المثير للاستغراب، هو استمرار صمت الحكومة المغربية أمام دعوات الجسم الطبي العمومي بكافة أطيافه، لتدخلها العاجل لإنقاذ قطاع الصحة الذي أصبح مصدرا للتوترات الاجتماعية والاستجابة للمطالب العادلة والمشروعة للأطباء… من البديهي أن أي إصلاح للقطاع لا يضع تسوية وضعية الموارد البشرية كقاعدة صلبة للإصلاح فمصيره الفشل، وتضييع سنوات أخرى سيتحمل تداعياتها المواطن المغربي بحرمانه من حقه الدستوري في الصحة” لتختم ذات البيان ب “استمرار المعركة النضالية والتصعيد حتى الاستجابة للملف المطلبي”.

وللإشارة، وفإن عددا من الأطباء، ردًا على استمرار صمت الحكومة المغربية، هددوا بهجرة جماعية، وشل المصالح الحيوية والمستعجلات، بكل مستشفيات المملكة؛ في حال لم تتم الاستجابة لملفهم المطلبي. مع التأكيد على أن بعض الدول القريبة، مثل: فرنسا، بلجيكا، وألمانيا، عبرت عن حاجتها للأطقم الطبية وشبه الطبية، وقدمت لهم عروضا مغرية ومتساوية، مع العاملين بالقطاع الصحي، من مواطنيها.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى