رأي/ كرونيك

في سياق واقعة مزوار… وزارة الخارجية على رأسها بطحة…

عزالدين بونيت

من الواضح ان ما حصل لصلاح الدين مزوار في الساعات الماضية، جزء من تصفية الصراعات داخل الطبقة الحاكمة وأدواتها، وهي صراعات تحدث حتى في أكثر الديمقراطيات رسوخا (كما يحدث منذ أيام وشهور بين ترامب ومراكز القوة المنافسة في الطبقة المهيمنة في الولايات المتحدة).

ما أزعجني في الموضوع ودفعني الى الخروج عن صمتي الفايسبوكي الطويل، هو التلاعب مرة أخرى بالأسس الدستورية التي نحاول الحفاظ عليها وتعزيز التشبع بها كحد أدنى. فأن تصدر وزارة الخارجية بلاغا وصف ب”شديد اللهجة” لإدانة ما تفوه به رئيس الباطرونا، أمر يمكن تفهمه بغض الطرف عن لهجته التي تفتقر إلى الدبلوماسية، بل يمكن اعتباره من أوكد واجبات هذه الوزارة في مثل هذه الحالات، للفرز بوضوح بين صوتها وصوت غيرها، درءا لأي لبس أو سوء تأويل.

لكن، أن تتجاوز الوزارة حدودها وتدعي انها وحدها المخولة للتعبير عن المواقف باسم المغاربة مما يجري في العالم فهو ادعاء لا سند له وليس لنا ان نقبله لأنه ينطوي على تلميح صريح إلى أن هذا الشعب وقواه المختلفة محجور عليه ولا يحق له ان يحمل رأيا مخالفا للرأي الرسمي

ان هذه النظرة إلى الأمور تريد ان تختزل المغاربة في مجرد ببغاوات يرددون ما يملى عليهم من طرف الدولة؛ وهو أمر ذكرني، للأسف، بتصرف السلطات السعودية المخجل عندما امرت مواطنيها المرضى والطلبة وغيرهم بمغادرة المستشفيات والجامعات الأسترالية، لما قدرت أن موقفها الرسمي من استراليا يقتضي ذلك. فهي تعتبر ان مواطنيها في ملكية الدولة وعليهم ان يخضعوا لإملاءاتها في كل الأحوال، دون ان يكون لهم رأي في الموضوع. وهذا جعلها مثار سخرية عارمة في الاعلام العالمي.

إن وزارة خارجيتنا ببلاغها المثير للشفقة، وبتشنجها المبالغ فيه، بدت كما لو انها أخذت على حين غرة، وقد أصابها الهلع، مثل من ضبط متلبسا بفعل ظل ينكره، لدرجة لم تفطن معها الى أنها بهذا التصرف، تكاد تؤكد ما تحاول نفيه؛ وهو ما يلخصه المثل المصري البليغ: “اللي على راسو بطحة بيحسس عليها”. هذه تصرفات هواة دبلوماسية، وليس تصرفات دبلوماسية ناضجة متشبعة بمبادئ حرية التعبير وحرية الرأي، وحرية اخذ الكلمة، ولو كان مضمونها مخالفا للمضمون الرسمي.

مزوار لم يقل أنه يتكلم باسم الدولة، ولم يقل إنه يعبر عن رأي وزارة الخارجية.. كان يتكلم كرئيس للباطرونا الذين من حقهم أن يكون لهم رأي مخالف لرأي حكومة الملك. وحكومة  الملك لا يحق لها ان تنزعج ممن يخالفها الرأي والقول، واذا حدث وانزعجت، فمن واجبها أن تكظم غيظها وتكتم انزعاجها.

والواقع أن ما يدعو حقا الى الانزعاج، ليس هو ان يعبر مزوار عن رأيه في وضع اقليمي له تأثير أكيد على بلدنا وعلى مناخ الأعمال في المنطقة. ما يدعو الى الانزعاج، بل الاشمئزاز، هو ان لا يكون للمغرب الرسمي موقف ولا رأي فيما يجري بجواره. المغرب الرسمي يعرف قطعا ان لا أحد يصدق انه غير منشغل بالوضع الجزائري، ولا احد يمكنه أن يصدق انه لا يملك تقديرا ولا تصورا ولا مخططات عمل – على الاقل لمواجهة التطورات المحتملة – بخصوص الوضع في الجارة الشرقية. فلماذا يصر على ان لا يكون له موقف ولا رأي؟ ولماذا يحرم على قواه الحية ان يكون لها رأي وموقف؟ ولماذا يرغي ويزبد لأن احد مواطنيه تجرأ على التعبير عن رأيه في الموضوع؟

هل نفهم من بلاغ وزارة الخارجية أن الوضع الجزائري صار جزءا من طابوهات المغرب الرسمي التي لا يحق الا لحكومة صاحب الجلالة ان تقول فيها القول الفصل؟ والمحير هي انها تدعي ان لا قول لها في الامر ولا رأي. فمن يقول ومن يرى؟

بلاغ وزارة الخارجية ضد مزوار ذكرني ببلاغ الديوان الملكي ضد نبيل بنعبد الله. وردود فعل جماهير الفايسبوك عليه بدورها مشابهة لردودها على بلاغ بنعبد الله. نبارك الإجهاز على ألفبائيات حقوق المواطنة بغرض التشفي في الضحية، ونغض الطرف عن ما يحمله ذلك من اعتداء على حقوقنا جميعا كمواطنين، في التعبير واتخاذ المواقف، وما يؤسس له من ترسيخ لوضعية الرعايا التي تدعي أفواهنا اننا متبرمون منها ورافضون لها، بينما قلوبنا معها في العمق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى