ثقافة وفنون

دراسة نقدية.. الفنان بين الثقافة والسياسة

هل كل من لعب دورا؟ أو كتب؟ أو رقص؟ أو غنى نعتبره فنانا؟
إن المتمعن في هذا السؤال المنهجي الذي هو عبارة عن تفكير في الماهية، يجد نفسه أمام واقعة تنطوي على مفهوم، واستشكال. فهذا الطرح يفيدنا في ضوء ما ينتظم في أفق الاهتمام الذي يجعلنا نعتبر أن هذا السؤال عبارة عن إدراك أناوي من زاوية السؤال، أما من ناحية الإبداع فنجعل الفرع يفرغ الأصل وأن المعنى يحتوي الشكل، لأن عملية الفحص في الاستشكال الجذري للمبدع أو الفنان يجعل تفكيرنا إعانة على بلورة فلسفة جديدة، لا ترى في هذا السؤال أي إشراق وتمعن في جذرية الفنان، لأن هذا الأخير لابد يراكم قواعد، وتجارب وممارسات، وإبداعات ومكابدات لكي يكون جديرا بهذا الاسم.

إن النقاد الحداثيين والمعاصرين لم يبحثوا في هوية هذا الاسم (فنان) من حيث التشريع المرجعي الثقافي، ومن حيث البناء التشخيصي والفني، والفلسفي والجمالي، إلا في أفق معنى المبدع، وهذا الأمر هو الذي جعلني أطرح السؤال مرة أخرى ما هو القانون الذي يجعل الفنان إمكانا أصليا في بنية الإبداع؟ فهذه الأسئلة التي تطاردني، تجعل الكتابة حول هذا الإنسان مفتاحا فينومينولوجيا يتخذ من مسألة التوظيف الرمزي حائطا ماديا ليس بالمرجعية الثقافية، ولا بالنضال الفكري والسياسي، ولا بالجهود الفلسفية، بل بصناعة الصدفة التي يسجلها عليه أهل البرهة، والهبة وأهل الصفوة، والصبوة. إنها محنة تولدت في ثقافتنا العربية واتخذت عدسة الارتزاق دون التحرر من السؤال هل أنا ممثل أو شاعر، أو قصاص … صيغ أنتربولوجية تعيد بناء الأسئلة في ضوء رؤية تأويلية جديدة من سؤال من؟ إلى كيف؟ ولمن؟ لعل الوعي النقدي الذي ينعتق من الدهشة الفوضوية والفطرية لتأسيس إمكانية تاريخانية لاعتماد “الفنان” هو مقاوم، ونبي، وخالق، ومبدع، ومبتكر، يحارب الموت، والفن، لكي يضفي على وجود الإنسان دهشة استيتيقية من الفكر والجمال، والتفلسف، والحرية، والإشراق.

إنها مسألة صنفت بوصفها ظاهرة تاريخانية كما يقول عبد الله العروي، فهي في أصلها مسألة إبداعية تدل على المعنى الشامل لمفهوم الإنسان المثقف، والداعي، والمغير والمفسر، لا من حيث الصيغة المدرسة التي تتخذ شعار “أنا أفكر، بل تحولت إلى الفن المطابق للواقع.
وهذا الانزياح من المعنى الحرفي “الفنان” إلى المبدع المستنبط من الفن “الواقع” جعل المعنى الابستمولوجي للفن مصدر المعنى كوجود لممكن، وليس الكائن كما صار منفعة فلسفية تجريبية تؤسس ذاتا متكاملة، وتضع الإنسان في الاعتبار أنه فاعل في التاريخ الإبداعي، وليس منفعلا، ولا مستهلكا للأدوار، والوظائف.

إن قصدي هو تجدير الدلالة الإبداعية السائدة للفظة “الفنان” بإخراجها من العادية إلى مستوى تاريخي متحول، حيث تشير هذه اللفظة إلى مستويات، هناك، المبتدئ، والمحب، والمتعاطف، والمتسلط والداهية، والمرتزق، والصانع، والسابك، حيث يجدر بهذه الكلمات أن تدل على معاني التي لا تثوي في قاع فهم عامي بالمعنى المشار إليه، لأن الرهان هو انتحال من طور الارتجال إلى طور الصنعة الفلسفية لسؤال هل أنا … ومن أنا؟ ومن نحن؟ أسئلة تطرح أيضا للتحرر من البراديكم الذات المتعالية، والمنغلقة من أجل بناء “الهوية”.

فالقراءة التأويلية تجعل هذا الطرح يقبل هذا الانزياح كضمير الغائب وكرابطة منطقية وأنطولوجية، ومن ثم تأخذ الهوية الإبداعية خطابا يفرض فسلفة مغايرة كصيغة راهنة الحاضر والمستقبل.

إن الاستمرارية سمحت لنا بالالتحاق بهذا النمط الاستشكالي الذي دشنه هيدجر وفوكو وحنا أرتدت في كتابها The human condition P 10 وHistoire de la sexualité وخاصة في فصل (Le souc de soi) فظل هذا النمط يتحدى الأشكال والأساليب السائدة كما نلاحظ في كثير من الملتقيات حيث تتألف من حركات نزعاتية تقوم بإلغاء أي توافق في الآراء يمكن أن يطرح كبديل أو كأرضية.

لذا اكثرت السريالية، والعبثية والمستقبلية التي تمجد التكنولوجيا وتعمل على تحويل الإنسان إلى أشياء داخل فضاء مغلق، وهذا يعني أنه يقع خارج الواقع، والسبيبة، وخارج الشرعية.

وهذا العمل المدني الذي يؤلف بين هذه الجماعات لا يكون دوما مطابقا للمعنى نفسه، أو الذات نفسها، أو الواقع نفسه، أو الطريقة نفسها في الوجود، فإن ذلك هو الوسيلة التي تقود إلى تدمير العمل الإبداعي، وتحطيم أحلامه ومراميه الوجودية، وبذلك سنجعل منه إنتاجا كباقي الإنتاجات الأخرى التي تتقاسم الواقع، فيظهر في شكل تماثل أو تصور، فإزاء هذا التصور والحكم الفاشل، أصبح العمل الإبداعي يتهاوي بين أيادي الملاعين والمرتزقين، دون البحث عن أسس جديدة يعيد، فالفنان هو الذي يعبد ويبدع الإنسان المعرفي من جديد، يحس ويشعر بجوهر الأشياء، لا من يعدها أو يحسبها، وليست مزية الفنان أن يقول أنا هنا، بلل مزيته أن يخرج هذا الكائن بالقوة إلى فعل الممارسة الإبداعية، ويقول ديكارت في هذا المقام “إننا لا نشاهد أن بيوت مدينة تهدم جميعها لمجرد الرغبة في إعادة بنائها على نظام آخر، أو لتصير طرقها أجمل، ولكننا نشاهد أن كثيرين يهدمون بيوتهم لإعادة بنائها، إنما يضطرون إلى ذلك أحيانا عندما تكون بيوتهم مهددة بخطر السقوط بنفسها، أو غير ثابتة القواعد(1).

وانطلاقا من هذا الطرق المقدم، فإن وضوح العلاقة الصناعية الرمزية لا تكون عبارة عن مغالطة سوفسطائية، بل تتأسس على أسس استدالية وبرهانية تسمح للوعي النقدي بالارتباط النظري والتاريخي للجدل الغير المؤسلم كما عند الفقهاء وبائعوا سكوك البطائق “للفنان – فالإعاقة معذورة لأن الزمان الذي نعيشه زمن اللئام، والإيدلوجيني، كما يقول تيري إيجلتون في كتابه أساطير السلطة(2)، إن الفنان مرتبط بالرمزي، وبالسيناريوهات المرتبطة بالذاكرة وبالنموذج التصاعدي، والتنازلي، لأن إيمانه بالقدرة وكفايته في تأسيس الذاتية، ليس عبارة عن وعاء يملأ كما تقول السلوكية، بل هو بؤرة الإبداع، وسيرورته، حيث يجعله منتوجه يعيش صراعا سوسيومعرفيا قصد تأسيس تمثلات جديدة عبر وسيلتين: الاستيعاب والتلائم كما يقول فريدريك بارليت في كتابه (سيكولوجية القراءة) ص 22.

إن تركيز على الذاكرة لمعرفة عمليات التي تقوم بها الذات العارفة أثناء عملية الإبداع، نحس بأنها تلعب دورا بالتذكر وتندمج مع العالم الداخلي والخارجي مما يكسبها حبكة تاريخانية كمتواليات إبداعية جديدة.

– بداية أشير إلى أن الاهتمام في قضية الثقافة تعبير عن موقف فكري يرى في الثقافة عنصرا أساسيا من عناصر حياتنا التي تشمل جميع جوانب نشاطنا الإنساني وهذا الاتساع في تحديد مفهوم الثقافة يتطلب أن نوحد في قراءتنا لواقع الثقافة الراهن بين أزمة المجتمع بعامة (عامة) وأزمة بخاصة (خاصة) من خلال عرض الجوانب التي تتجسد فيها هذه العلاقة العضوية بين الثقافة وبين مختلف أشكال النشاط الإنساني التي تتشكل فيها مجتمعة مع الثقافة مجمل قضايا بلادنا في الواقع (واقعها الراهن) وفي آفاق تطورها اللاحق – فإذا تناولنا علاقة الثقافة بالسياسة نجد أن الثقافة بالمعنى الحديث بخاصة وفي شروط التبعية والانعثاق بعامة تستدعي السياسة وتتضمنها بل تشكل معها وحدة عضوية غير قابلة للانقسام حيث تلتقي العلاقتان في حقل التحويل المجتمعي حيث تنزع الثقافة إلى إنارة السياسة وتحويلها – وتتطلع السياسة إلى تحويل جملة العلاقات الاجتماعية ومنها العلاقة الثقافية.

إن حضور السياسة بالمعنى المجتمعي (المجتمع) أيضا مقدمة لتهميش الثقافة وتغييبها هنا تتداخل سمات الثقافة والسياسة مع أن الثقافة يجب أن تكون مستقلة عن السياسة. إن وجود السياسة يفترض وجود ذات بشرية حرة وهي حرة لامتلاكها وعيا ثقافيا متطورا – يجعلها قادرة على التميز والمقارنة والرفض والاحتجاج والقبول والاختبار والمبادرة – إضافة لذلك فإن ما يؤشر لوجود الحياة السياسية في مجتمع معين يتحدد بالحركة والمبادرة الشعبية أو بما اصطلح على تسميته بحوارية العلاقات الاجتماعية. وعلى هذا فإن وجود الأحزاب السياسية ليس مؤشرا بالضرورة على وجود حياة سياسية طالما أن المؤشر الحقيقي للسياسة هو الحركة الشعبية. يمكن استنادا لما تقدم الاستنتاج بغياب السياسة أو انطفائها في بلادنا وتفريعها من مضمونها الأساسي القائم على الثقافة والمعرفة ويعود ذلك لعاملين مرتبطين:

 العامل الأول: هو الانهيار للمشاريع الكبيرة ولمرجعيتها الفكرية الأمر الذي حول السياسة بعيدا عن ميدانها الحقيقي وبعيدا عن قوانينها ومعاييرها وإفراغها من محتواها الثقافي والإنساني.

 العامل الثاني: هو غياب الديموقراطية ومصادرة الحريات والإرادة الشعبية وتسخير الأجهزة الأمنية في عمل منظم هادف إلى جعل كل لشيء بما في ذلك الثقافة والمثقفين في خدمة السلطة الدموية.

جدلية العلاقة بين الثقافة والسياسة تستدعي أيضا جدلية العلاقة بين المثقف والسياسي. إن معاناة المثقفين خلال العقود الأربعة الماضية تشير إلى خلل كبير في العلاقة بين المثقف والسياسي على الصعيدين الرسمي وغير الرسمي هذه العلاقة لم تكن متكافئة في أي وقت.
– فالسياسي صاحب القرار يعتقد على قوى تقليدية لا علاقة لها بالثقافة بمفهومها المعرفي وبالتالي فإن السياسي المحترف لا يتعامل مع المثقف بندية، بل يرى أن دور المثقف ينحصر في تبرير السياسة، في حين أن الابتعاد عن السلطة والاحتفاظ بمسافة بين المثقف وبها حلم مطلوب وعقلاني إذ أتيحت الفرصة للمثقف في أن يقيم مثل هذه المسافة. السلطة التي أعنيها ليست مقصورة على النظام الحاكم وإنما يشمل المؤسسة الحزبية حتى لو كانت في صفوف المعارضة والسلطة الدينية وسلطة الرأي العام والتقاليد السائدة وسلطة الخطاب الثقافي نفسه، ولكن السؤال الذي يطرحه أكثر من مفكر هل يستطيع المثقف فعلا لا قولا أن يتحرر من قوة الولاء والتعصب لهذه الجهة أو تلك وهو نتاج هذا المجتمع المتخلف – وهل يستطيع زعمه التحرر من هذا الولاء أن يصعد أمام المحك.

إن استقلال المثقف لا يعني الابتعاد عن العمل السياسي والمفروض أن يستكمل المثقف بالعمل لسياسي ما قد لا يقدر العمل الثقافي على الوصول إليه بالسرعة الكافية من حيث النهوض بأحوال المجتمع فالمثقف المنغمس بهموم عصره والملتزم بواقعه مع حرصه دور كبير في هذا الزمن المتعثر والكئيب.
الاستنتاجات:

1- أزمة الثقافة والمثقف جزء من تجليات الأزمة العامة التي تواجه بلادنا في الوقت الراهن وتشكل انطفاء السياسة المقدمات الأساسية لتهميش الثقافة وتغييبها.

2- الإقرار بضرورة المواجهة يستلزم تحديد الأولويات والتي يمكن تلخيصها في:

 قراءة الواقع وتحليله بدقة من أجل تسهيل تحديد المشكلة وتحديدي أسبابها.

 الانتماء الحزبي العقلاني الواعي الذي يبقي الباب مفتوحا للمساءلة والنقد هو مل يلزمنا وهو ما نحتاج إليه لوقف التدهور ولاستكمال مشروعنا الثقافي السياسي الكفيل بإخراجنا نحو أفق العقلانية والتقدم الاجتماعي والديمقراطية والسلام.

 النضال من أجل إعادة الاعتبار إلى الحياة السياسية أي دور الأحزاب والمؤسسات في حياة البلاد على قاعدة الديمقراطية والحياة السياسية الحزبية لا تقوم إلا على قاعدة الثقافة بكل مكوناتها وعلى قاعدة التعددية.

3- تعد السياسة السائدة والواقع القائم هو عمل ثقافي من طراز رفيع فهذه السياسة يجب أن تكون موضوعا للثقافة أي للمعرفة النقدية تحضى الثقافة ضد إمكانية احترامها.

4- أن لا تتوقف الفاعلية الثقافية عند نقد السياسة السائدة والواقع وإيديولوجياته بل يجب أن تعيد إنتاج ذاتها مما هي ثقافة … حيز معرفي مستقل عن السياسة، موضوعاته تتعداها في سائر الاتجاهات.

5- أهمية التركيز على وجود فجوة بين الثقافي والسياسي ليتسنى للثقافي في إيداع عناصر ضرورية تتجاوز السياسات الراهنة ففي ظل هيمنة السياسي على الثقافي تنعدم وجود هذه الفجوة.

ما مفهوم الثقافة
الثقافة هي الرقي الفكري والأدبي والاجتماعي للأفراد والجماعات، والثقافة ليست مجموعة من الأفكار فحسب، ولكنها نظرية في السلوك بما يرسم طريق الحياة إجمالا وبما يتمثل في الطابع العام الذي ينطبع عليه شعب من الشعوب وهي الوجوه المميزة لمقومات الأمة التي تميز بها عن غيرها من الجماعات بما تقوم به من العقائد والقيم واللغة والمبادئ، والسلوك والمقدسات والقوانين والتجارب وفي الجملة فإن الثقافة هي الكل المركب الذي يتضمن المعارف والعقائد والفنون والأخلاق والقوانين والعادات.

فإنه يمكن استخدام كلمة “ثقافة” في التعبير عن أحد المعاني الثلاثة الأساسية التالية:

 التذوق المتميز للفنون الجميلة والعلوم الإنسانية، وهو ما يعرف أيضا بالثقافة عالية المستوى.

 نمط متكامل من المعرفة البشرية، والاعتقاد، والسلوك الذي يعتمد على القدرة على التفكير الرمزي والتعلم الاجتماعي.

 مجموعة من الاتجاهات المشتركة، والقيم والأهداف والممارسات التي تميز مؤسسة أو منظمة أو جماعة ما.

عندما ظهر هذا المفهوم لأول مرة في أوربا في القرنين الثامن والتاسع عشر، كان يشير فيا يشير إليه إلى عملية الاستصلاح أو تحسين المستوى.

كما هو الحال في عملية الزراعة أو البستنة، أما في القرن التاسع عشر أصبح يشير بصورة واضحة إلى تحسين أو تعديل المهارات الفردية للإنسان لاسيما من خلال التعليم والتربية، ومن ثم إلى تحقيق قدر من التنمية العقلية والروحية للإنسان والتوصل إلى رخاء قومي وقيم عليا إلى أن جاء منتصف القرن التاسع عشر، وقام بعض العلماء باستخدام مصطلح الثقافة للإشارة إلى قدرة الإنسان البشرية على مستوى العالم.

وبحلول القرن العشرين، يبرز مصطلح الثقافة للعيان ليصبح مفهوما أساسيا في الأنثروبولوجيا ليشمل بذلك كل الظواهر البشرية التي لا تعد كنتائج لعلم الوراثة البشرية بصفة أساسية. وعلى وجه التحديد فإن مصطلح الثقافة قد يشمل تفسيرين في الأنثروبولوجيا الأمريكية:

 التفسير الأول: نبوغ القدرة الإنسانية لحد يجعلها تصنف وتبين الخبرات والتجارب بطريقة رمزية، ومن ثم التصرف على هذا الأساس بطريقة إبداعية وخلاقة.

 التفسير الثاني: فيشير إلى الطرق المتباينة للعديد من الناس الذين يعيشون في أرجاء مختلفة من العالم والتي توضح وتصنف بدورها خبراتهم، والتي تؤثر بشكل كبير على تميز تصرفاتهم بالإبداع الوقت ذاته. وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، صار لهذا المفهوم قدر من الأهمية ولكن بمعاني مختلفة بعض الشيء في بعض التخصصات الأخرى مثل علم الاجتماع، والأبحاث الثقافية، وعلم النفس التنظيمي وأخيرا الأبحاث المتعلقة بعلم الإدارة.

الثقافة السياسية هي مجموعة القيم والمعايير السلوكية المتعلقة بالأفراد في علاقتهم مع السلطة السياسية.

مفهوم الثقافة السياسية
لكل مجتمع خصوصية تعكسها ثقافته السائدة بين أبنائه تلك الثقافة التي تطورها مجموعة القيم والمفاهيم والمعارف التي اكتسبها عبر ميراثه التاريخي والحضاري وواقعه الجغرافي والتركيب الاجتماعي وطبيعة النظام السياسي والاقتصادي. فضلا عن المؤثرات الخارجية التي شكلت خبراته وانتماءاته المختلفة والثقافة السياسية هي جزء من الثقافة العامة للمجتمع وهي تختلف من بلد لآخر حتى لو كان شعباه ينتهجان نفس الأساليب الحياتية، وينتميان إلى نفس الحضارة ويتقاسمان الاهتمامات والولاءات.

يقصد بالثقافة السياسية مجموعة المعارف والآراء والاتجاهات السائدة نحو شؤون السياسة والحكم، الدولة والسلطة، الولاء والانتماء الشرعية والمشاركة، وتعني أيضا منظومة المعتقدات والرموز والقيم المحددة للكيفية التي يرى بها مجتمع معين الدور المناسب للحكومة وضوابط هذا الدور والعلاقة المناسبة بين الحاكم والمحكوم. ومعنى ذلك أن الثقافة السياسية تتمحور حول قيم واتجاهات وقناعات طويلة الأمد بخصوص الظواهر السياسية. وينتقل كل مجتمع مجموعة رموزه وقيمه وأعرافه الأساسية إلى أفراد شعبه ويشكل الأفراد مجموعة من القناعات بخصوص أدوار النظام السياسي بشتى مؤسساته الرسمية وغير الرسمية وحقوقهم وواجباتهم نحو ذلك النظام السياسي ولما كانت الثقافة السياسية للمجتمع جزءا من ثقافته العامة، فهي تتكون بدورها من عدة ثقافات فرعية، وتشمل تلك الثقافات الفرعية: ثقافة الشباب والنخبة الحاكمة والعمال والفلاحين والمرأة … إلخ. وبذلك تكون الثقافة السياسية هي مجموع الاتجاهات والمعتقدات والمشاعر التي تعطي نظاما ومعنى للعملية السياسية وتقدم القواعد المستقرة التي تحكم تصرفات الأفراد داخل النظام السياسي، وبذلك يحدث التصرف السياسي في نطاقه، أي أن الثقافة السياسية تدور حول ما يسود المجتمع السياسي، والتي تحدد الإطار الذي يحدث التصرف السياسي لأعضائه حكاما ومحكومين وعلى ذلك لا يمكن تحديد عناصر مفهوم الثقافة السياسية على النحو التالي:

 تمثل الثقافة السياسية مجموعة القيم والاتجاهات والسلوكيات والمعارف السياسية لأفراد المجتمع.

 الثقافة السياسية ثقافة فرعية فهي جزء من الثقافة العامة للمجتمع تؤثر فيه وتتأثر به ولكنها لا تستطيع أن تشد عن ذلك الإطار العام لثقافة المجتمع.
 تتميز الثقافة السياسية بأنها متغيرة فهي لا تعرف الثبات المطلق ويتوقف حجم ومدى التغير على عدة عوامل من بينها: مدى ومعدل التغير في الأبنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ودرجة اهتمام النخبة الحاكمة بقضية التغير الثقافي، وحجم الاهتمام الذي توليه وتخصصه الدولة لإحداث هذا التغيير في ثقافة المجتمع، ومدى رسوخ هذه القيم في نفوس الأفراد.

 تختلف الثقافة السياسية بين مجتمع وآخر كما تختلف من فرد لآخر داخل المجتمع هذا الاختلاف تفرضه عوامل معينة كالأصل ومحل الإقامة والمهنة والمستوى الاقتصادي والحالة التعليمية.

مفهوم السياسة:
السياسة لغويا من ساس يسوس بمعنى قد رأس، واصطلاحا تعني رعاية شؤون الدولة الداخلية والخارجية، وتعرف إجرائيا بأنها دراسة السلطة التي تحد من يحصل على ماذا، متى وكيف، أي دراسة تقسيم الموارد في المجتمع عن طريق السلطة، وعرفها الشيوعيون بأنها دراسة العلاقات بين الطبقات، وعرف الواقعيون السياسة بأنها فن الممكن أي دراسة وتغيير الواقع السياسي موضوعيا وليس الخطأ الشائع وهو أن فن الممكن هو الخضوع للواقع السياسي وعدم تغييره بناء على حسابات القوة والمصلحة.

وتعبر السياسة عن عملية صنع قرارات ملزمة لكل المجتمع، تتناول قيم مادية ومعنوية وترمز لمطالب وضغوط وتتمعن طريق تحقيق أهداف ضمن خطط أفراد وجماعات ومؤسسات ونخب حسب إيديولوجيا معينة على مستوى محلي أو إقليمي أو دولي. والسياسة هي علاقة بين حاكم ومحكوم وهي السلطة الأعلى في المجتمعات الإنسانية، حيث أراد أو لم يرد. وتمتاز بأنها عامة وتحتكر وسائل الإكراه كالجيش والشرطة وتحظى بالشرعية.

ومع أن هذه الكلمة ترتبط بسياسات الدول وأمور الحكومات فإن كلمة سياسة يمكن أن تستخدم أيضا للدلالة على تسيير أمور أي جماعة وقيادتها ومعرفة كيفية التوفيق بين التوجهات الإنسانية المختلفة والتفاعلات بين أفراد المجتمع الواحد،بما في ذلك التجمعات الدينية والأكاديميات والمنظمات.

وأيضا السياسة هي القيام على الشيء بما يصلحه أي المفترض أن تكون الإجراءات والطرق وسائلها وغاياتها مشروعة فليس السياسة هي الغاية تبرز الوسيلة وليست ألعاب قذرة فهذا منطق المنافقين الانتهازيين أما العلوم السياسية فهي دراسة السلوك السياسي وتفحص نواحي وتطبيقات هذه السياسة واستخدام النفوذ، أي القدرة على فرض رغبات شخص ما على الآخرين.

وتعرف السياسة أيضا بأنها: كيفية توزع القوة والنفوذ ضمن مجتمع ما أو نظام ما.

وبهذا فإن مفهوم السياسة يتلخص في كونها مجموعة من القواعد توضع بمعرفة المديرين تطبق في الحالات المتماثلة لتوجيه وضبط الأعمال التي تتم في المستويات الإدارية السفلى فتقلل من الأسئلة التي توجه إلى الرؤساء في المشاكل المماثلة.

فوائد السياسة:
1- تقلل من المجهود الذهني والعصبي للمديرين والموظفين.
2- تترك للمديرين التفرغ للمشاكل الجديدة.
3- تبعث ثقة الإداريين والموظفين في قراراتهم وتصرفاتهم، وتقلل من الشك والتردد.
4- التنسيق والتماثل بين تصرفات مختلف الأفراد، وخصوصا فيما يتعلق بمعاملتهم مع الآخرين.
5-وسيلة من وسائل الرقابة.
أنواع السياسة:
 سياسة الاحتواء: هي السياسة التي دعا إليها سفير الأمم المتحدة،وتقوم على مهاجمة الاتحاد السوفياتي، والاكتفاء بالضغط الاقتصادي والدبلوماسي والعمل المخابراتي.
 سياسة التكتل: هي السياسة التي يسعى كل طرف من خلالها إلى الانضمام والتحالف مع طرف آخر أو مجموعة من الأطراف بهدف كسب حلفاء في جانب من جوانب التعاون،خاصة الاستراتيجية منها كالميادين العسكرية والاقتصادية.
الشروط الواجب توافرها في السياسة:
1- تؤدي إلى تحقيق الأهداف الموضوعية.
2- مرتبطة مع بعضها البعض رأيا وأفقيا.
3- ممكنة التطبيق.
4- مرنة تسمح بالتصرف في حالة حدوث تغيرات وإلا أصبحت تعليمات.
5- محددة الألفاظ والمفهوم.
6- ألا تتنافى مع السياسة العامة للدولة أو قوانينها أو القيم الاجتماعية أو الأخلاق السائدة.
7- أن تكون معروفة ومفهومة من جميع أفراد المشروعة (ولذا يجب أن تكون مكتوبة كلما أمكن ذلك).
أنواع السياسات:
1- السياسات الأساسية: مدونة في لائحة تأسيس المنظمة، وتغيرها يغير من الشكل الجوهري والموضوعي للمنظمة، ويتطلب إعادة تكوينها،وهي واسعة مرنة، يتوقف عليها جميع السياسات الأخرى.
2- السياسات العليا: توضح معرفة الإدارة العليا، وهي أكثر تفصيلا من السياسات ……………
3- السياسات التشغيلية: (سياسة الإدارات) تتعلق بنشاط معين في الشركة.
(الشراء – البيع – النقل – الإعلان)
تأثير السياسة على المجتمع:
إن وجود ثقافة سياسية ناضجة في المجتمع تحافظ على تشكيل شكل الدولة ونظامها السياسي. ففي الأنظمة الديكتاتورية.

تأثير السياسة على المجتمع:
إن وجود ثقافة سياسية ناضجة في المجتمع تحافظ على تشكيل شكل الدولة ونظامها السياسي. ففي الأنظمة الديكتاتورية تتمحور عناصر الثقافة السياسية في الخوف والإرهاب من السلطة، وهناك يكون المجتمع ضعيف الميل إلى المشاركة في صنع القرار، وذلك يعود إلى فقدان الثقة بشخصية وذاتية الإنسان، وأن شراسة تلك الأنظمة لا تتيح الفرصة لظهور المعارضة داخل إطار الدولة. فقد تظهر المعارضة خارج إطار الدولة كإفراز للسطوة والتسلط الديكتاتوري. أما في الأنظمة الديموقراطية فيكون واضح أثر الثقافة السياسية والتنشئة السليمة التي تؤمن بالديموقراطية وحقوق الإنسان، وهي تؤمن بضرورة كرامة الإنسان وحمايته من مظاهر الخطر حتى لو كانت السلطة الحاكمة نفسها.

وهي حريصة على بناء الثقة بين الحاكم والمحكوم، وفي مناخ سياسي ديمقراطي مبني على أساس فكرة قبول الآخر بغض النظر عن توجهاته. وتؤمن تلك الأنظمة الديموقراطية بوجود معارضة سياسية تعمل داخل إطار الدولة ضمن قواعد وأطر سياسية موضوعية تقوم بمهمة الرقابة على سلوك السلطة الحاكمة في المجتمع.
وتساهم الثقافة السياسية في المجتمع بتحديد عناصر القيادات السياسية في السلطة، من خلال الانتخابات البرلمانية والمحلية. بعد أن كانت القيادة السياسية حكرا على حزب واحد وعائلة معينة أو طائفة معينة. وتؤثر التنشئة السياسية على علاقة المواطن بالعملية السياسية وتفاعله معها، فهناك مجتمعات تتميز بقوة الولاء والانتماء للوطن على أساس المواطنة، مما يدفع الفرد إلى المشاركة في الحياة السياسية العامة، ويساهم في النهوض والتنمية للمجتمع وفي بعض المجتمعات يساهم الأفراد في الاغتراب عن وجه الوطن وعدم شعورهم بالولاء والانتماء وينظر الأفراد للنظام السياسي الحاكم بأنه نظام تسلطي يمارس الوصايا على الفرد ويجرده من كل رغباته وميوله وحقوقه الشخصية. ويشكك الفرد بهذا النظام الذي يعتبره مجرد أداة لتحقيق أغراض إيديولوجية لمصلحة النظام وتقوية سلطته.
والتنشئة السياسية السليمة تؤسس للاستقرار السياسي في المجتمع، والتوافق في الثقافة السياسية بين الجماهير والنخب السياسية يساهم في تقريب وجهات النظر ويعزز من حالة الاستقرار السياسي في المجتمع وفي حالة الاختلاف وعدم التوافق بين ثقافة الجماهير والنخب يجعل وجهات النظر بين مفترق كبير وإهمال جانب التنشئة يهدد أمن واستقرار المجتمع.
إيجابيات وسلبيات الأنظمة السياسية:
المعروف أن النظام السياسي هو الطريقة التي يتم بها توزيع السلطة وتحديد العلاقة بين الهيئة التشريعية، التي تتمثل في البرلمان التي تختص بسن القوانين والهيئة التنفيذية التي تختص بتطبيق القوانين والتي تتمثل في كل من رئيس الجمهورية والحكومة.
استنادا إلى هذا يصنف علماء السياسة النظم السياسية المعمول بها إلى ثلاث أنظمة فإذا ثم الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية فإن شكل النظام يكون رئاسيا كما في الولايات المتحدة، أما إذا ثم الدمج بين السلطتين التشريعية والتنفيذية فإن النظام يكون برلمانيا كما في بريطانيا وفي حالة الأخذ ببعض مميزات النظام الرئاسي وبعض مميزات النظام البرلماني فإن النظام الناتج يطلق عليه تسمية النظام شبه رئاسي كما في فرنسا وسويسرا وفلندا وكثير من الدول العربية والإسلامية مثل إيران.
النظام الرئاسي أو السلطة المطلقة للرئيس يسمى نظاما رئاسيا لأن الرئيس هو المسؤول الوحيد كونه منتخبا من قبل الشعب والوزراء مسؤولون سياسيا أمامه فقط وليس أمام البرلمان.
تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية حاضنة هذا النظام وقد انتهجته منذ وقت طويل. ويقول المتابعون لتطور الأنظمة بأن النظام الرئاسي الأمريكي صمم بطريقة تمكن كل سلطة من السلطات من الحد من قدرة السلطتين الأخيرتين على اتحاد القرارات على نحو منفرد. فالسياسات التي يقترحها الرئيس في الولايات المتحدة الأمريكية لابد من موافقة الكونغرس عليها وإصدارها على شكل قوانين. ولا يخرج قانون من الكونغرس حتى يقره مجلسا الكونغرس (النواب والشيوخ) بنفس الصيغة، ولا يصبح القانون نافدا حتى يتم الموافقة عليه من قبل الرئيس وكون النظام الرئاسي يتميز بأنه يقوم على مبدأ فصل السلطات، فإن السلطة القضائية في الولايات المتحدة الأمريكية تتمتع بحرية إلغاء القوانين التي يسنها الكونغرس والقرارات التي يصدرها الرئيس إذا وجدت أنها مخالفة للدستور وتتألق السلطة التنفيذية في هذا النظام من الرئيس فقط الذي يعمل كرئيس للدولة وللحكومة في الوقت ذاته.
ومن الأمور التي تؤخذ على النظام الرئاسي أنه يقرر نظاما يأخذ فيه الفائز بكرسي الرئاسة على شيء، وهو بالتالي لا يسمح بتمثيل مختلف الجماعات الموجودة على الساحة، ويؤدي إلى تركيز السلطة وخصوصا إذا ثم تبنيه في دولة غير فدرالية.
وعندما يكون هناك حزب واحد فقط يسيطر على حياة السياسة أما النظام البرلماني فيتم فيه دمج السلطتين التنفيذية والتشريعية معا وينسب هذا النظام إلى بريطانيا كونه نشأ فيها، وهو الأكثر انتشارا في العالم.
في النظام البرلماني عادة ما يكون رئيس الوزراء أو رئيس الحكومة أو المستشار كما يسمى في الدول الأوروبية، عضوا في البرلمان ورئيس الحزب صاحب الأغلبية. يشكل حكومة ائتلافية ويختارون وزراء في غالب الأحيان من بين أعضاء حزبه في البرلمان أو من أعضاء الأحزاب المؤيدة له.
وتبقى ممارسة السلطة بطريقة فعلية لرئيس الوزراء أو رئيس الحكومة وللوزراء الذين يقومون بتسيير وسير الشؤون العامة تعتبر الحكومة مسؤولة أمام البرلمان فإذا أخطأت يترتب عن هذا إمكانية سحب الثقة منها من قبل البرلمان ولتفادي هذا يلجأ الوزراء الدين أخضعوا إلى تقديم استقلالهم.
ويرى فقهاء القانون الدستوري أن الأنظمة البرلمانية تساعد في الحفاظ على تماسك الدول التي يتصف تركيبها السكاني بالتعددية.
النظام الشبه رئاسي هو نظام خليط بين النظام الرئاسي والبرلماني. يكون فيه رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء شريكان في تسيير شؤون الدولة ويختلف هذا النظام عن النظام البرلماني في أن رئيس الجمهورية يتم اختياره من قبل الشعب، ويختلف عن النظام الرئاسي في أن رئيس الوزراء مسؤول أمام البرلمان ويمكن البرلمان محاسبته وسحب الثقة منه … نشأ هذا النظام في أحضان النظام البرلماني حيث اتجهت بعض النظم البرلمانية المعاصرة إلى تقوية السلطات الضعيفة لرئيس الدولة التي تمارسها عنه الحكومة، وقد بذا في فرنسا دستور 1958 حيث تم العمل لأول مرة بنظام يسيطر فيه الجهاز التنفيذي وأصبحت لرئيس الجمهورية سلطات واسعة فاقترب النظام الفرنسي الذي هو برلماني من النظام الرئاسي وسمي ما وقع بالنظام شبه الرئاسي.
من إيجابيات النظام الشبه الرئاسي هو إعطائه الحكومة حق إصدار القرارات التي لها فاعلية القوانين بشرط موافقة رئيس الجمهورية عليها، ومنحها أيضا الحق في اقتراح القضايا التي يجب مناقشتها في مجلس الشعب ويعطي هذا النظام الحق لرئيس الجمهورية في حل مجلس الشعب ومن جهة ثانية يمكن للمجلس أن يسحب الثقة من رئيس الوزراء أو من أي وزير آخر، كما يعطي لرئيس الجمهورية الحق في فرض قانون الطوارئ والحق في استفتاء الشعب في القضايا الهامة.
ويعطي للحكومة حق إصدار قرارات لها فاعلية القوانين بشرط موافقة رئيس الجمهورية على ذلك. كما يعطيها الحق في اقتراح القضايا التي يجب مناقشتها في مجلس الشعب وتكون المرجعية الدستورية في هذا النظام لمجلس دستوري له صلاحية مراقبة مدى تطابق القوانين الصادرة عن كافة مؤسسات الدولة.
لكن يبقى العائق الأكبر الذي يواجهه هذا النظام هو عندما تتصادم مصالح رئيس الجمهورية مع مصالح رئيس مجلس الوزراء الذي يمثل الأغلبية في البرلمان. وهذا ما عرف بالتعايش في فرنسا، والذي لا يتم سوى باتفاق رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وتفاهمهما لإنجاح سياسة تسيير أمور الدولة.
ومن المشاكل التي قد تنجم عن هذا النظام هي استخدام رئيس الجمهورية لحقه في إعلان حالة الطوارئ لسنوات طويلة وإساءة استخدامه لحق الاستفتاء وبعض هذه الحالات سائدة في كثير من الدول الآن.
ومهما يكن من أمر فالفنان لابد أن ينزل من برجه العاجي لكي ينخرط في أمواج المجتمع، لأنه جزء منه، فلا يمكن أن تستقرئ أي فن بدون رؤية نقدية، وشعرية حداثية تراعى كل جوانب الإبداع.
جسد الفنان كخطاب متمرد:
إن التمرد بشكل عام، يعني رفض لما هو قائم. فهو إذن ذو معنى عام. من هنا، كيف يتمرد جسد الفنان، داخل فضاء طقوسي ما؟.
فهل يتعلق الأمر، بتجديد الطاعة والامتثال والولاء لما هو قائم أم بإعلان الرفض له؟
إن الاحتفال بالفنان هو تلك اللحظة التي تنكسر فيها رتابة الحياة اليومية ومعاناتها. فالإنسان في حياته اليومية يعيش رتابة من خلال سلوكاته وتصرفاته تجاه نفسه، واتجاه الآخرين. هناك “حدود” لا يمكن تجاوزها، على مستوى الممارسة الاجتماعية اليومية. وهي المتمثلة، في كل الممارسات الممنوعة، باعتبارها محرمات (الطابو). لكن هناك لحظات، يتم فيها تجاوز هذه الطقوس، وبالتالي اختراق للمقدس. في هذا الإطار، نتحدث عن تمرد الفنان.
فداخل فضاء الفن، كفضاء طقوسي يقوم الجسد الطقوسي بحركات غير مألوفة في الحياة اليومية. فهو يكتب، يحرق ذاته بالكتابة ويصرخ بشكل مثير، يقوم بحركات لا يقوم بها في الحياة اليومية، ينزع ملابسه المقنعة فهو إذن، يعيش في عالم تختفي فيه الضوابط والقواعد الاجتماعية. داخل فضاء المحتجب، كذلك، كفضاء طقوسي، نلاحظ مجموعة من الممارسات التي تبدو مغايرة في الحياة اليومية. فكأن يكتب أو يرسم أو يغني أو يمسرح ذاته كل هذه الممارسات غير مسموح بها خارج الفن وهذا يبين بشكل جلي، الخروج عن القواعد والضوابط الاجتماعية، وبالتالي اختراق المقدس. إلا أن هذا الاختراق، لا يعني نفيه نهائيا بل، على العكس، هو من أجل تأكيده. فلا يشعر الفنان بممارسة، على أنها مقدسة، إلا عندما يتم اختراقها. إذن فالفن، يلعب دور تثبيت المقدس. يقول روجي كايوا: “…. إذن الفترة المقدسة في الحياة الاجتماعية هي بالضبط تلك التي تعلق فيها القواعد الاجتماعية، وتباح فيها الممارسات بشكل مضمون”(3). ففي الاحتفال، تتقوى وتترسخ ممارسات مقدسة، وتظهر أخخرى للوجود. “والحقيقة أن الاحتفال يقوم دائما من أجل حضور المقدس”(4).
فنية الفن كبعد نفسي:
هناك دلالة أخرى للفن، تتمثل في البعد النفسي. فهذا الجسد الذي يعيش داخل طقس ما، هو جسد يعيش داخل واقع اقتصادي اجتماعي. ومن الطبيعي أن تكون نفسية الإنسان نتاجا، لواقعه الاجتماعي هذا. فهذا الفنان، يعيش حياة مزرية على جميع المستويات. فهو يعيش الحرمان، يعيش القهر والاضطهاد وكل ما يسلب إنسانيته. ومن ثمة، فلابد وأن يكون متوترا نفسيا، في هذا الإطار، يأتي الفن ليكسر هذه الرتابة، ويعطي نفسا جديدا لهذا الإنسان. الجسد الطقوسي، إذن من خلال حركاته المتجاوزة لحدود الضوابط والقواعد الاجتماعية، يفجر كل مكبوتاته وكل معاناته. فالفن هو وقت الانفعالات الحادة والتحول الشامل للإنسان. يقول روجي كايوا: “في الماضي أو في الحاضر يعرف الاحتفال دائما بالرقص، العناء، ملء البطن بالأكل والشراب(5). إذن فالاحتفال بالفنان يتيح للجسد الطقوسي الفرصة، للتعبير عن معاناته، والرغبة في تحقيق ما يطمح إلى تحقيقه في حياته اليومية. ومن ثمة، فالاحتفال يعيد للإنسان توازنه النفسي والاجتماعي.

إن الفنان يحتل أهمية قصوى داخل الفضاء الطقوسي الجماعي. فهو بمثابة السيد والعبد، وأساس الفضاء الطقوسي وركيزته وأنه الآلية المحققة للذات كتجمع بشري رمزي. وأيضا ما يمنحه شرعيته. سواء في شكله الاستبدالي – الرمزي الذي هو أساس قيام المجتمع. فلكي يكون هناك فن، لابد من حصول الإجماع بين أفراده وكل إجماع يفترض أن يكون هذا الجسد الطقوسي يتبادل عدة علامات طقوسية، داخل الفضاء العمومي، الذي يمكن اعتباره أساس علاقته، ويمكن تحديده كالتالي: الفن تعبير، وتجسيد ورؤية نقدية للخطاب السائد، وبناء جسد طقوسي.

يشكل الفنان نقطة مشتركة بين الجسد الطقوسي والجسد القرباني.
إن مجموع هذه التبادلات بين الجسد الطقوسي والجسد الاجتماعي تفرض ضرورة التساؤل عن علة حضورها وأسسها ومصادرها الرمزية. بناء على ما سبق، فإن جسد الفنان يحضر كاستبدال للجسد القرباني.
إنه وجهه الأصلي، الذي تحول إلى وجه مجازي له، بفعل ضرورات ممحورة حول ضرورة قيام وتأسيس الإجماع البشري”(6). ففي الأصل، لقد تعرض جسد الفنان للقتل المؤسس أو العنف الأصلي وذلك ضمن بنية الفضاء، باعتباره نصا ثقافيا يعمل على تحديد التشكيل الثقافي للجسد. لأن الجسد يكون حالة السكون وحالة الحركة، وبين الرغبة وسلطة الإشكال.

أما إذا استعصى إعطاء معنى للفن فإن من الممكن العودة إلى الأجزاء. فقد لا يكون للكل دلالة إلا من خلال أجزاءه، أو قد تختلف دلالة الكل عن دلالة الأجزاء. تلك هي حالة الجسد وحالة دلالاته وأشكاله ومعانيه. وهو لا يصل إلى غاياته إلا من خلال عناصره وأشكال تحققها”. فهل بإمكاننا أن نقرأ الجسد دون أن نقرأ أطرافه؟ هل بإمكاننا أن نكتب عن الرغبة دون أن نتحدث عن أدوات تحققها؟

نحن لا نكتب عن الرغبة، الرغبة لا تدرك، إنها طاقة ذاتية يعيشها الفرد كسر مطلق، لكننا نكتب عن تجلياتها. نكتب عن العيون الشبقة، ونكتب عن الخمر الضامر، ونكتب عن الصدر المكتنز، ونكتب عن تناسق الأطراف وتناثر الشعر. إن هذه العناصر مجتمعة لا تشكل الرغبة ولكنها تشكل الوجود الرمزي للرغبة … ورغم ذلك سنقول عن كل عضو إنه الرغبة”(7).

من هنا فالفن هو كل وهو أجزاء في نفس الوقت. فرغم أنه يولد معطى انفعاليا، غريزيا وثقافيا عاما، فإن هذا المعطى، لا يدرك إلا من خلال الأجزاء، ولا يستقيم وجود هذه الأجزاء، إلا باندراجها ضمن هذا الكل الذي هو الجسد. والعودة إلى الأجزاء تؤدي إلى إدراك تفاوتها في القيمة والموقع والحجم. فهي محكومة بالاستعمالات العملية (النفعية)، والاستعمالات الغريزية، والاستعمالات الثقافية. إن أية حركة معزولة قد تولد نصا متكاملا يقود من الأجزاء البسيطة إلى ما ينظر إليه كتركيب لسلسلة من الإيماءات الدالة على ممارسة معينة: اليد مثلا تدل على التهديد وعلى المنع وعلى العناق، كما تدل على الإشارات الرامزة للفعل الجنسي. إذن فالانتقال من هذا النص إلى ذاك، ضمن النسق الواحد، أو ضمن الأنساق المتنوعة والمختلفة، أمر وارد في كل لحظة.

انطلاقا من الجسد في ذاته، ننتقل إلى الجسد في علاقته بكونه: كونه القريب، أي الأشياء التي تؤثته وتمنحه واجهته وكونه البعيد ثانيا، أي موضوعات العالم التي يتحرك ضمنها. إن الانتقال مثلا من المدن إلى البوادي، ومن الأحياء الراقية إلى مدن الصفيح، يؤدي إلى استشراف تصور جديد للإيماءات والحركات بين ثمة “فإن الإيماءة تتشكل وفق القوانين التي تجعل الكون هندسة فضائية تخفى في ثناياها الأشكال الثقافية المالكة لمفاتيح الإنتاج والتأويل”(8).

بناء عليه، فإذا كانت نوعية الامتدادات تحدد طبيعة الذات المنتجة للإيماءة، فإن نوعية الأشياء – النقطة النهائية للامتداد – تحدد أيضا طبيعة وحجم ونوعية الإيماءة، إننا أمام توافق – جزئي أو كلي – بين الأشياء وبين حجم الإيماءة.

في هذا الإطار، يبقى السكون، ليس إلا اللحظة المبهمة الفاصلة بين إيمااءتين. فهو في الجسد لحظة انتظار: انتظار المعنى واللامعنى وانتظار الشكل واللاشكل، انتظار الفعل واللافعل. إنه، أصل الدلالات المتولدة عن الإيماءات. إنه وضع أصلي في الجسد. إذن فسكون الجسد جزء من إيماءاته. ولن يدرك الجسد، إلا بتكسيره لحالة السكون، إلا باعتباره تنويعا للأشكال، والأشكال هي الوجود المحتمل للإيماءات والأوضاع والرغبة.

وخلاصة القول إن الحديث عن جسد الفنان بهذا الشكل، عن حركاته وإيماءاته، يبقى حديثا عاما، يختلف باختلاف الشروط الاجتماعية. إلا أن الأمر، سيختلف وسيتعقد أكثر، في حالة البحث، في دلالات الجسد الطقوسي.

فالجسد الطقوسي جسد احتفالي. والاحتفالية تحيل على الجماعية بالشكل الذي تصبح فيه دلالات الجسد، تعبيرا عما تعيشه الجماعة ككل. ويمكن الحديث في هذا الإطار، عن جسد جماعي، ما دامت حركات الجسد داخل طقس معين، تكون متشابهة.

الهوامش:
(1)- ديكارت، مقالة في الطريق، ترجمة جميل صليبا، ط 1، المكتبة الشرقية 1970، ص: 94 – 95.
(2)- تيري ايجلتون، أساطير السلطة، ترجمة محمد حبيب، ط 1، 2014، ص: 189.
(3)- روجي كايوا، الإنسان والمقدس، كاليمار، 1950، ص: 127.
(4)- نفسه، ص: 126.
(5)- روجي كايوا، الإنسان والمقدس، كاليمار، ص: 124.
(6)- نور الدين الزاهي، جريدة الاتحاد الاشتراكي، 18 فبراير 1995.
(7)- سعيد بنكراد، مجلة علامات، عدد 4، 1995.
(8)- نفس المرجع السابق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى