ثقافة وفنونرأي/ كرونيك

بونيت يوجه نداء: يا مسرحيي المغرب استيقظوا!!!

في ظل ما تعرفه الساحة المسرحية المغربية من محاولات الإجهاز على مكتسبات القطاع وعلى الحد الأدنى الحيوي لاستمراره، يتداعى كثير من المعنيين في الساحة المسرحية اليوم إلى وحدة الصف ونبذ الفرقة والشتات، وتوحيد المواقف. هذه نداءات محمودة بكل تأكيد. وتنم عن شعور الكثيرين بخطورة المرحلة وما تنطوي عليه من مزالق. غير أن بعضها يغفل، بقصد أو بغير قصد، أن ما يشهده الصف المسرحي من تعدد في التنظيمات الناطقة باسمه، هو تعدد وهمي ونكاد نقول إنه مفبرك، ويتحمل بعض المسرحيين أنفسهم مسؤولية تبعاته السلبية.

هناك حقيقة مؤكدة وهي أنه لا يوجد في الساحة الفنية خاصة، والثقافية عامة إلا مشروع استراتيجي متكامل واحد، هو مشروع النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية، الذي شرعت في بلورته منذ 2008 بعنوان: “الخطة الوطنية لتأهيل القطاع المسرحي”، وقدمته رسميا كملف مطلبي إلى الحكومة من خلال وزير الثقافة الأسبق في فبراير 2012. وفي المؤتمر الوطني السابع لهذه النقابة انبثقت وثيقة توجيهية للعمل النضالي ترسم فلسفة عمل النقابة وأولوياتها ومنهجيتها في الدفاع عن الشروط الأمثل لعمل شغيلة الفنون الدرامية بكل أطرافها (الفنية والتقنية والإدارية). ما عدا هاتين الوثيقتين، لا أعرف إطارا متكاملا للعمل مطروحا اليوم في الساحة الفنية. وأرجو ممن يعرف مثل هذا الإطار أن يرشدني إليه مشكورا.

لماذا تمكنت هذه النقابة بالذات من إنتاج الوثيقتين المشار إليهما أعلاه؟

لأنها، كإطار من إطارات المجتمع المدني، نشأت لتجيب عن سؤال مركزي بدأ يطرح نفسه منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي في الساحة المسرحية: هل مشكلة المسرح المغربي مشكلة ثقافية فقط (جمالية، فنية، تقنية…)، وبالتالي فحلها سيكون تقنيا؟ أم أنها مشكلة سياسية أيضا؛ وبالتالي فحلها لا بد أن يكون سياسيا؟

فهم مؤسسو النقابة أن معضلة المسرح المغربي معضلة سياسية بالدرجة الأولى، والمدخل إلى حلها لا بد أن يكون سياسيا. لا غرابة أن يتفاعل المؤسسون مع المبادرة السياسية التي اتخذها الملك الراحل الحسن الثاني في شكل خطوة تاريخية باتجاه المسرح المغربي، بشقيه المحترف والهاوي. ولعل هذا الأخير كان هو المستهدف الأكبر بالخطوة الملكية، لأنه هو الذي كان يشكل حقا واجهة سياسية تدرك الدولة أبعادها والأدوار التي يمكن أن تلعبها في المصالحة التي عزم عليها الحسن الثاني في 1992.

في ظروف تلك المصالحة نشأت النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية كتجمع مهني ذي وظيفة سياسية بالمعنى العام للكلمة؛ تحمل صوت حركية ثقافية كانت على الدوام في طليعة الدينامية الثقافية الوطنية، وشكلت المدخل الأول للثقافة المغربية إلى الحداثة، قبل كل أشكال التعبير الفني الأخرى. ولقد وفت النقابة بدورها التاريخي، وأخذت على عاتقها أن تكون فاعلا مؤثرا في الحقل الثقافي، ليس فقط من جهة مضامين الأعمال الفنية، بل أساسا من خلال تطوير رؤية شاملة لما يمكن أن تكون عليه السياسات الثقافية التي يحتاجها البلد.

النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية، من هذه الزاوية، هي المعبر عن انتظارات وطموحات المسرحيين في أفقها الشامل. وقد ظلت وفية لنهجها هذا على مدى أزيد من ربع قرن.

ليست النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية دكانا من دكاكين التشغيل، أو تجمعا تافها لقضاء المآرب الشخصية. وليست قبعة يرتديها من يأمل في الحصول على امتيازات. هي إطار يمثل ضمير الحركة المسرحية المغربية، فيما يتجاوز الأفراد ومصالحهم الضيقة.

لهذه الاعتبارات جميعها، آمل من كل ذوي النيات الحسنة، ممن يدعون اليوم إلى توحيد الصف المسرحي، أن لا ينساقوا وراء الفكرة المختزلة التي يتم ترويجها، والتي تفيد ان كل التنظيمات النقابية متشابهة، وأنها تجري نحو نفس الهدف. فهذا غير صحيح. هناك فروق شاسعة بين من يحمل منظورا سياسيا شاملا لمعضلة المسرح والثقافة المغربيين ولأعطاب السياسات الثقافية القائمة، وبين من يراهن على رضى هذا الوزير أو ذاك للحصول على امتيازات لحظية عابرة.

التنظيمات التي تدعو اليوم إلى نبذ الفرقة وتوحيد الصفوف بصيغة رومانسية ينبغي أن تترجم دعوتها هذه في مبادرة تنظيمية ملموسة، تطرح من خلالها ما تعتبره أولويات وحدا ادنى للحوار مع الدولة وبين بقية الجسم المسرحي.

في الموقف الراهن، النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية وضحت أنها ضد الانتهازية وضد تبخيس العمل النقابي، وضد تخريب مكتسبات الفنون الدرامية التي ناضلت أكثر من ربع قرن من أجل ترسيخها؛ وضد العشوائية وتهريب الحوار.

شخصيا، أعتبر أن هذا هو الحد الأدنى الذي يمكن الانطلاق منه. وأنتظر أن أسمع أو أقرأ مبادرات من تنظيمات أخرى لا تنزل عن هذا الحد الأدنى، وترفض الانخراط في مخطط الإجهاز على الثوابت التي تعتبر أساس مصلحة العاملين في القطاع الفني.

عندها فقط يكون لدعوات التوحيد اونبذ الفرقة مضمون سياسي ناجع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى