رأي/ كرونيك

كورونا في زمن الأنظمة القمعية

إعلامية لبنانية، رئيسة قسم الأخبار العربية والدولية في “العربي الجديد”
أعلنت منظمة الصحة العالمية كورونا وباء عالمياً. لم يكن الأمر مستغرباً. سرعة انتشار الوباء في دول كثيرة ونسب الوفيات في بعض الدول كانت كافية لذلك. لكن السؤال الأهم: ماذا بعد ذلك؟ يعيش سكان جميع الدول التي وصل إليها الوباء، أو التي لم تسجل إصابات به بعد، حالة من الهلع، وهو مبرّر في جميع الأحوال. مشهد اصطفاف الناس في طوابير أمام الصيدليات ومحلات التسوق وبيع المواد الغذائية واحد في العالم. يطرح كل فرد على نفسه ماذا لو أُصبت؟ هل ما أشعر به يتطابق مع عوارض كورونا؟
السؤال الأهم والأخطر: هل الأنظمة الصحية في الدول قادرة على مواجهة هذا الوباء؟ حتى اليوم كانت بعض البلدان تعيش حالةً من الإنكار. تساوت دول تُصنّف في خانة أكثر البلدان تقدّماً، مثل بريطانيا وفرنسا، مع أخرى على قائمة الدول النامية، في استسهالها التعامل مع الخطر الصحي المحدق. عدم منع التجمعات الكبرى، مثل حضور مباريات كرة القدم، أو اتخاذ إجراءات وقائية طارئة تطاول الوافدين من الدول الموبوءة أو محاولة تأجيل إدارة الأزمة، جميعها ثبُت أنها لا تزيد الأمور إلا سوءاً، وتنقل أعداد المصابين من العشرات إلى المئات وحتى الآلاف في غضون 24 ساعة لا أكثر.
اليوم الدول مُجبرة، نظرياً، على تسخير جميع إمكاناتها الطبية ومؤسساتها الصحية لاتخاذ كل التدابير المتاحة، ولمكافحة انتشار الفيروس. وإذا كانت بلدان، مثل أميركا، تتوقع إصابة ما بين 70 و 100 مليون شخص على أراضيها، وألمانيا لا تستبعد تعرّض نحو 70% من السكان لخطر الوباء، وبإمكانها تسخير مليارات الدولارات من ميزانياتها في إطار خطط عاجلة لمواجهة كورونا، والتعامل مع تحدّياته الصحية، وحتى تأثيراته على الاقتصاد، فإن القلق ينصبّ على تلك الدول ذات الأنظمة الصحية المتداعية، فهي حتى وإن كانت ترغب في مواجهة الفيروس فإن قدراتها المحدودة قد تحول على الأرجح دون ذلك.
منبع آخر للتوجس مصدره الأنظمة القمعية والتي لا تزال تتعامل مع انتشار كورونا على أراضيها بسرّية، لتخفي حقيقة حجم الإصابات لديها. هذا التعاطي الذي لم يغب عن مسؤولي منظمة الصحة العالمية يتركز حيث الأنظمة الدكتاتورية والقمعية، وهو نهجٌ لا يختلف عن كيفية تعاطيها مع كل قضية/ أزمة تواجهها، سياسية أو اقتصادية أو أمنية، ولكن الخطر هنا أضعاف مضاعفة.
لا تمانع هذه الأنظمة في حجب المعلومات، على الرغم من إدراكها أنه كلما تأخر الاعتراف بتفشّي الوباء تكون الكارثة حتماً أكبر. ما قامت به الصين خلال الفترة الأولى من انتشار كورونا ومحاولة إخفاء ما يجري واعتقال من حذّروا من تطور الوباء، أطباء كانوا أو مدونين أو صحافيين، انقلب عليها، واضطرت، في نهاية الأمر، للاعتراف بحجم الخطر.
ما جرى في إيران مثال آخر. عناد النظام، وتأجيله الاعتراف بتفشّي الوباء حتى ما بعد إجراء الانتخابات التشريعية الشهر الماضي، تحولا إلى وبال. عوضاً عن تفضيل المصلحة العامة وصحة المواطنين، كان الاستحقاق السياسي الأهم، فما الذي يعنيه موت المئات أو الآلاف مقابل المخاطرة بتأجيل الانتخابات لأسابيع أو أشهر، واحتمال تبدل مزاج الناخب بالنسبة إلى نظام في أمسّ الحاجة إلى انتصار سياسي في لحظةٍ صعبةٍ، تلقى فيها ضربة باغتيال قاسم سليماني، وتحاصره الضغوط الدولية والعقوبات؟ ومن الواضح أن السيناريو نفسه يتكرر اليوم في مصر.
محاولات النظام التستر على عدد الإصابات والاعتراف بالأزمة والتذرّع بحالة الطقس لتعطيل الدوام في القطاعين، الرسمي والخاص، جميعها مؤشرات تدقّ ناقوس الخطر بشأن عدم الاهتمام بصحة المواطنين، ليظهر بوضوح أن الوباء سيكون أكثر فتكاً في الأنظمة الديكتاتورية من جهة، وتلك المستهترة من جهة ثانية.
المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى