رأي/ كرونيك

محاور للنقاش في مغرب ما بعد 2020… محور السياسة… (الحلقة الأولى)

محمد جيك

اخترت العنوان أعلاه، لما له من دلالة أكثر، مقارنة مع عنوان يحيل الى فيروس كوفيد 19. إن وضع تاريخ 2020 سيكون مفيدا جدا، في الوقوف على وضع جديد، مقارنة مع ما سبقه تاريخيا.

لقد أصبحنا نقارن ونحيل الى بعض الأحداث، مقارنة مع سابقتها تاريخيا، إن كانت نفسها أو أقرب في مجالات عدة. لدى يلجأ أغلب الكتاب والمفكرين إلى استحضار أزمة 2008 وأزمة 1929 للإحالة إلى أزمات اقتصادية عرفتها الرأسمالية خلال أزماتها الدورية أو الاستثنائية.

إذن، لهذه الأسباب اختارت أن أضع العنوان أعلاه لهذا المشروع النظري، استجابة لدعوة وزارة التربية الوطنية وكذلك لجنة النموذج التنموي الجديد. سأحاول، من خلالها، أن أتطرق إلى مجموعة من المحاور، التي تستجيب للمعايير المطلوبة من طرف الجهات المعنية، للوقوف على وضع المغرب بعد 2020، وحفاظا على وجهة نظري كما أراها.

إن الحديث عن كوفيد -19 ليس من اختصاصي في هذا الدراسة، لأنه أمر يعود على أصحاب الاختصاص من مختبرات طبية وعلماء الأوبئة، لإن أي انغماس من طرفي في هذا المجال لن يفيد في شيء، وبالتالي سأكون متطفلا عن مجال ليس من اختصاصاتي وأضيع جزءا كبيرا من مجهوداتي دون نتيجة تذكر.
لقد عجت مواقع التواصل الاجتماعي بمئات من المقالات والتدوينات والفيديوهات، تعتبر فيروس كورونا (كوفيد-19) مؤامرة مدروسة ومتعمدة، كانت وراءه، إما أمريكا أو إسرائيل أو الصين… كل واحدة من هذه الخرجات الإعلامية، تحاول تعزيز اتهاماتها للمؤامرة، فزاغت وراء تكهنات وفرضيات واحتمالات لجعل المتلقي مشدودا لأقوى تحليل يتطلع إليه، وبالتالي يكون ضحية إحداها. يتجلى رد فعل المتلقي لتلك الأخبار، بإعادة نشرها وترويجها على أوسع نطاق.

أظهرت، نتيجة ردود فعل المتلقين للأخبار المتعلقة بالفيروس، هشاشة أغلب مستعملي الانترنيت في التصدي للأخبار الزائفة، وبرهنت على عدم قدرة، فئة عريضة منهم، في التمييز بين الأخبار العلمية والأيديولوجية. كما يعتبر مؤشرا على تدني مستوى الغالبية العظمى من المغاربة، في التعامل مع الصدمات الكبرى والأحداث بكل عقلانية وموضوعية. انطلاقا مما سبق فما هو الرد الطبيعي والمنطقي في هكذا أوضاع؟

إن الإجابة على سؤال كهذا، هو التروي وعدم إعادة نشر ما يتلقاه مستعملي المواقع الاجتماعية. لكنه جواب لن يقنع أغلبية الأشخاص ولن يحد من عدم فعل ذلك، لكن الإشكالية المطروحة حاليا، هو اصطفاف أغلب المنحدرين من تجارب جمعوية وسياسية ونقابية وراء ما يتم ترويجه من تلك الأخبار، وبالتالي نجد أنفسنا امام فئة فاعلة في المجتمع تساهم في نشر الأخبار المرتبطة بنظرية المؤامرة، وهذا دليل آخر على تسرع وعدم حكمة و تبصر أغلبيتهم، وإن افترضنا صحة تلك الأخبار، فليس هذا هو وقت خرجات إعلامية سلبية.

إن قضية المعالجة السياسية والنظرية، لخلفية انتشار فيروس كورونا، ليست ضرورية بالمطلق. لأن دورهم، في المرحلة التاريخية الحالية، ليست لتوضيح وتفسير خلفية ظهور الوباء، بل ينبغي أن تنصب مجهوداتهم على دراسة التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والمالية والسياسية والثقافية على البشرية.
إن الجواب الثاني الذي أطرحه، في ظل هذه الوضعية الحالية، لا يخلو من ضعف تحليلي، لكن ربما يحمل بعض الإجابة الضرورية لذلك. إن المؤرخين هم الفئة الأكثر أهمية للرجوع الى كتاباتهم بخصوص الأحداث التاريخية، سواء الإنجازات التاريخية أو الكوارث أو المآسي الإنسانية. عندما انتهت الحروب العالمية، وجد المؤرخون مادة كافية لدراسة مع عاشته البشرية حينها، وكذلك في باقي الاحداث التاريخية الكبرى السياسية والطبيعية.

لذا وجب علينا، انتظار ما ستمدنا به الأجيال المقبلة من دراسات معمقة ودقيقة وعلمية لقضية انتشار الفيروس، لتسمح لتلك الأجيال بنقاش المؤامرة أو غيرها من النتائج التي تفضي بها تلك الدراسات. فلا يمكن حاليا أن نصل الى نفس النتائج، لأن كل المعاهد الجامعية والمؤسسات، غير مستعدة في ظل الجائحة الوبائية، من دراسة الوضع الحالي بما يكفي، واكتفت بمهمة جمع الاحصائيات والأرقام اليومية للضحايا وتأثير الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي على الاقتصاد العالمي، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

بعد هذه الاطلالة، لبعض الإشكالات الجانبية، التي حاولت الوقوف عندها، سأحاول تحديد بعض المحاور الأساسية لمغرب ما بعد 2020، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية… رغم تداخلها على مستوى الصياغة.

أولا المحور السياسي:

تعتبر سنة 2020، سنة الجائحة الوبائية. انكبت جميع مؤسسات الدولة، على قدم وساق، الى التصدي للنتائج السلبية ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه. إذا اعتمدنا على توقعات خبراء الصحة والأوبئة فإنها ستدوم لشهور، وعليه فإن سنة 2020 تعتبر سنة استثنائية سياسيا. فالحكومة لم تكون في المستوى المطلوب تقنيا، نظرا لصعوبة تواصل هياكلها وردود فعل رئيس الحكومة المتقلبة وغير الواضحة وغير المنسجمة، ولا يرقى الى مستوى ردود فعل بعض وزراء حكومته، كوزير التعليم … ووزير الصحة … ووزير الصناعة … ووزير الاقتصاد والمالية واصلاح… ووزير الفلاحة…. وعليه فهناك تفاوت كبير بين أغلب الوزارات، هناك وزراء نشيطين ميدانيا وإعلاميا، ووزراء غائبين نسبيا مقارنة بهم.

يعتبر قرار عودة مئة طالب من العالقين بمدينة ووهان الصينية، من الخطوات الجريئة للدولة وأبانت عن استعدادها للجائحة، بعدها توالت إجراءات حاسمة، بتدخل لملك المغرب، باقتراح احداث صندوق دعم ضحايا فيروس كورونا، واغلاق الحدود الجوية والبرية والبحرية للمغرب في وجه الدول الأخرى، وإلزام الحجر الصحي منذ 20 مارس، وتوقيف الدراسة منذ 16 مارس. إجراءات اتخذت بكل جرأة وحزم، رغم الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية لها. إنها ذات طابع سيادي للمغرب، ولم يكن رئيس الحكومة في مستوى الحدث، لولا تدخل ملك المغرب في الوقت المناسب، كقائد أعلى للقوات المسلحة الملكية. هنا تظهر هشاشة وضعف رئاسة الحكومة في اتخاذ قرارات من هذا الحجم وعدم المامها، بالشكل الكافي، بالحدث الخطير الذي يهدد البلاد. وكمثال على ذلك، لا الحصر، قضية الكمامات.

إن المغرب مقبل على الانتخابات البرلمانية سنة 2021، ولا يفصلنا على ذلك سواء شهور معدودة، ونحن مازلنا في المراحل الأولى لانتشار الوباء، وانطلاقا من هذه الوضعية الاستثنائية أقترح تكوين حكومة وحدة وطنية أو حكومة تصريف أعمال تضم خيرة الكفاءات السياسية والاقتصادية والجمعوية والثقافية والفكرية والمالية والرياضية وحتى من بعض الوزراء الحاليين الذين أبانوا عن كفاءاتهم وممثلين داخل اللجنة الوطنية للنموذج التنموي الجديد وغيرها من الكوادر داخل وخارج المغرب. تساهم في إعادة بناء مغرب ما بعد سنة 2020، حكومة مختارة من طرف الملك بناء على الصلاحيات التي يمنحها له الدستور.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى