مجتمع

التعليم عن بعد.. ابتكار تربوي يتكامل مع التدريس الحضوري لتحقيق غايات العملية البيداغوجية الناجعة

كتب ومقررات مدرسية تتحاور، في سلام، مع الأجهزة الإلكترونية التي كان الآباء وهيئة المدرسين، إلى وقت قريب، يسعون جاهدين لانتشالها من بين أنامل المتعلمين، هي إذن بداية هدنة-شراكة مثمرة من أجل جعل التكنولوجيا الرقمية أداة طيعة لتطوير الممارسة التعليمية التعلمية وتحفيز تعلم ذاتي ناجع.

لم تعد الحواسيب واللوحات الرقمية وحتى الهواتف الذكية غريما للدروس يلهي عن متابعة حصص التعلم، بل أضحت حليفا يستعان به من أجل تلقي الدروس وإرسال الواجبات المدرسية.

كما أن عملية التعلم لم تعد حكرا على فصول الدراسة وقاعات المؤسسات التعليمية، وصارت الدروس متاحة خارج الإطار التقليدي المرتبط بالمؤسسة التعليمية.

فبعد أن لبثت المؤسسة التعليمية ، ولعقود ، محرابا حصريا للممارسة التعليمية والتعلمية، دقت جائحة “كوفيد-19” إيذانا بتفعيل أنماط تعليمية جديدة، بهدف إنقاذ موسم دراسي ألقت ظروف الأزمة الصحية بظلالها عليه، وفتحت الباب على مصراعيه من أجل التفكير في مأسسة الأنماط التعليمية البديلة بشكل متزايد.

يحيل التعليم عن بعد على مختلف أنماط التعلم باستخدام تكنولوجيات الإعلام والاتصال، ومجموع الصيغ التعليمية التي توظف الدعامات الإلكترونية في إنتاج وتبليغ مضامين تعليمية لفائدة المتلقين. ويشمل على الخصوص المضامين السمعية-البصرية الموجهة عبر الإعلام السمعي-البصري، والمضامين الرقمية المتاحة عبر الفصول الدراسية الافتراضية، بشكل متزامن أو غير متزامن.

خطوة أولى ضمن مسار طويل غايته جعل الابتكار التربوي القائم على استخدام التكنولوجيات الحديثة للإعلام والاتصال مكونا أساسيا ضمن منظومة التربية والتكوين المستقبلية. فالزحف التكنولوجي الهائل الذي يطال كافة مناحي الحياة اليومية، من تسوق وعمل وقطاع خدماتي، يجعل من الحتمي توظيف الوسائل التكنولوجية الحديثة في تطوير الممارسة التعليمية، وبالتالي تفعيل جملة من التوصيات المتمخضة عن العديد من الندوات العلمية التي أكدت، خلال السنوات الأخيرة، على أهمية إدماج المكون الرقمي ضمن المسارات البيداغوجية، وساهمت في بلورة مقترحات بشأن رؤى استراتيجية في هذا الشأن.

وإن كانت ظروف الأزمة الصحية المرتبطة بتفشي “كوفيد-19” قد أعطت دفعة قوية لتشجيع انخراط المنظومة التربوية الوطنية في التوظيف المكثف لتكنولوجيات الإعلام والاتصال، وذلك بعد أن حتمت اللجوء إلى التعليم عن بعد بديلا مؤقتا لصيغ التدريس الحضوري، فإن الجائحة أظهرت كذلك التفاوتات التي تطرح بحدة إشكالية الولوج المتكافئ للتعليم.

يقدم الأستاذ الباحث بكلية علوم التربية بالرباط أحمد بلمودن ، في هذا الصدد ، عددا من المداخل لتطوير تجربة التعليم عن بعد بالمغرب، إذ أن العديد من الأساتذة ، في نظره ، لم يكونوا معتادين، خاصة مع بداية انتشار الجائحة واعتماد الدراسة عن بعد، على تقديم مضامين رقمية والتعامل مع الأدوات التكنولوجية، مما يحتم “ضرورة التكوين المستمر في المجال لتمكينهم من مواكبة التطور الرقمي وتملك الأدوات التكنولوجية”.

ويتأتى ذلك ، يوضح الأستاذ في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء ، من خلال الارتقاء بالمعارف وتمكينهم من التحكم في البرمجيات والدعامات الإلكترونية لإنتاج مضامين رقمية. كما يميز في هذا الإطار، بين وسائل التعلم الإلكترونية باعتبارها دعامة للتعلم وفي الوقت نفسه مادة لهذا التعلم.

فالجائحة أظهرت، برأيه، أهمية التأقلم مع استخدام الوسائل الرقمية وتوظيف تكنولوجيات الإعلام والاتصال على مستويين، يهم الأول توفير الموارد الرقمية للدروس، ويتعلق الثاني بتعزيز البنيات التحتية الرقمية التي تتيح ولوجا متكافئا لفائدة هيئة التدريس وأيضا المتعلمين.

كما يؤكد الأستاذ بلمودن على الحاجة لإدماج تكنولوجيا الإعلام والاتصال ضمن جميع المسارات الدراسية، أيا كانت التخصصات، وذلك من خلال انكباب متخصصين على بلورة مضامين ملائمة تساعد المتعلمين على التحكم في الوسيلة الرقمية.

ويشدد على ضرورة التكامل بين التعليم عن بعد الذي يكتسي أهمية، والتدريس الحضوري المتسم بالتفاعل المباشر، والذي يعد أساسيا لتحقيق غايات العملية التعليمية التعلمية، خاصة بالنسبة للمواد العلمية والتقنية.

فالتعليم عن بعد، لا يمكن أن يشكل بديلا عن التعليم الحضوري لما يكتسيه الحضور الفعلي من أهمية ضمن العملية التعليمية التعلمية، ومن ثم يتعين التفكير في أنماط تربوية تتوخى الاستفادة من المزايا التي يتيحها التطور التكنولوجي وتشجيع التعلم الذاتي.

في هذا السياق، تؤكد دراسة نشرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ، مؤخرا ، على ضرورة تحسين جودة التعليم عن بعد، كمكمل للتعليم الحضوري، معتبرة أنه يتعين بناء منظومة تربوية أكثر مرونة وقادرة على التحول السريع إلى التعليم عن بعد خلال الأزمات.

ولئن كان اعتماد خيار التعليم عن بعد ظرفا طارئا أملته إكراهات الأزمة الصحية لتأمين الاستمرارية البيداغوجية، فإن تحقيق التكامل بين هذا النمط المبتكر والتدريس الحضوري يعد ، بحق ، وسيلة مثلى للارتقاء بالمهارات والكفايات التي تحفز المتعلمين على اكتساب التعلم الذاتي، شريطة تعميم الولوج المتكافئ للموارد التعليمية المتاحة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى