ذاكرةسياسة

“دابا بريس” تواصل نشر حلقات الصحافي حفيظ وتفاعله مع حركة 20 فبراير..وحلقة اليوم “أَكْثَرَ بنكيران؟!”

هذه الزاوية، التي وصلت اليوم حلقتها 23، توثق لكتابات صحافي عاش تجربة الصحافة الحزبية، وإن بطريقة نقدية وبكثير من المسافة عن الحزب، من خلال جريدة “النشرة” التي كانت الشبيبة الاتحادية قد أصدرتها، ورسمت لنفسها خطا مشاكسا للخط الرسمي للاتحاد الاشتراكي، ثم انتمى إلى تجربة أخرى، من خلال جريدة “الصحيفة”، التي انخرط عبرها في معركة بناء صحافة مستقلة وحرة، بعيدة عن جبه الأحزاب وألسنته المتعددة، الكابحة أحيانا لصياغة الخبر وصناعة الرأي العام المستقل، وبعيدة بنفس القدر عن سطوة إعلام السلطة.
في هذه الحلقات، تواصل “دابا بريس” نشر الافتتاحيات التي كان محمد حفيظ كتبها قبل عشر سنوات، بجريدة “الحياة الجديدة”، التي أصدرها بعد توقف “الصحيفة”، في إطار مواكبته لانتفاضات ما سمي إعلاميا ب”الربيع العربي” ونسخته المغربية التي أطلقتها “حركة 20 فبراير”، وتفاعله بالرأي والتعليق مع ما تلا ذلك من أحداث وتطورات…
وهي الحلقات التي نتعرف من خلالها على آراء ومواقف إعلامي حرص في تجربته الصحافية على اتخاذ المسافة عن الدولة، بنفس المستوى الذي اتخذها إزاء انتمائه السياسي والحزبي.

محمد حفيظ

الحلقة 23: أَكْثَرَ بنكيران؟!

انتهى الاستفتاء على الدستور. ومر يوم الاستفتاء في أجواء هادئة. فلم يخرج لا «العدميون» ولا «المتشددون» ولا «المتآمرون» ولا «المخربون»، لإفساد هذا اليوم التاريخي المجيد. كل أولئك الذين كانوا، والعهدة على مُطْلِقي الادعاءات، «يهددون» المسار الإصلاحي للبلاد اختفوا عن الأنظار، ولم يعد لهم أثر لا في مركز المدينة ولا في أحيائها الشعبية. وحتى الذين ظلوا يُشَهِّرون بهم ويكشفون خطورتهم على البلاد والعباد سكتوا عن الكلام المباح، وبقي المصوتون بـ«نعم» ينعمون لوحدهم بالشارع العام والخاص، وجها لوجه أمام وزارة الداخلية، التي ظلت ترفع نسبة المشاركة ساعة بساعة إلى أن وصلت إلى النسبة التي أصبحت معلومة.

في الواقع، إن الأمر في غاية الجدية. فلا ينبغي أن نغفل هذه التفصيلة، لما تحمله من دلالة بالغة. انظروا وانتبهوا. معارضو الدستور أو الرافضون لمضامينه أو للمنهجية التي اعْتُمِدت في صياغته أبانوا عن نضج سياسي راق وروح وطنية عالية.

وينبغي أن نعترف أن هذه الروح وذلك النضج كانا من العوامل التي ساهمت في أن يمر ذلك اليوم (فاتح يوليوز) في أجواء هادئة. اتخذوا قراراتهم بكل جرأة وحرية واستقلالية، ودافعوا عن مواقفهم واختياراتهم، ودعوا المواطنين إلى ما يعتقدون أنه الصواب، تحدثوا في وسائل الإعلام واستعملوا الشارع للمسيرات والتجمعات والوقفات، وحين حل موعد التصويت، أوقفوا كل تحركاتهم.


مرة أخرى، عبر شباب 20 فبراير، الذي بفضله تحركت بِرْكة «الإصلاح السياسي والدستوري» في المغرب، عن نضج يفتقده بعض «الكبار» الذين ظلوا يهاجمونه، وسعوا إلى أن يلصقوا به تهما لا قبل له بها.

لقد كان، منذ البداية، ناضجا، حين حرص على سلمية حركته. وكان ناضجا، حين لم ينجر إلى السقوط في ردود الفعل الانفعالية والرد على مختلف أشكال الاعتداء المادي والمعنوي التي تعرض إليها، من التشكيك في وطنيته وفي دينه (وهنا، تحالف ضده «الإسلامي» مع «الحداثي»)، إلى تلفيق تهم الخيانة وتهديد الاستقرار، إلى القمع والعنف الذي مارسته السلطات ضده خلال بعض تظاهراته، إلى تعبئة وحشد «تجار الانتخابات» لتحريك احتياطاتهم الانتخابية و«تهييجها» في مواجهة هؤلاء الشباب، بدعوى الدفاع عن الملك والبلد، بينما هم (تجار الانتخابات) يُسْدُون هذه الخدمات «الجليلة» فقط من أجل الذي يأتي بعد شهور من الآن…

الموضوعية تقتضي أن نسجل هذه المزية (النضج) لفائدة هذه الفئة من المجتمع المغربي التي أحرجت كل النخبة المغربية السياسية وغير السياسية على تقاعسها مثلما فرضت على الدولة أن تسارع إلى فتح ملف ظل مهملا. وهذا السبب وحده كاف لكي تتوقف تلك الأسطوانة المشروخة التي مازال البعض يكررها في مواجهة شباب 20 فبراير والهيئات والفعاليات التي تدعمه

ولعل آخرها ما صدر عن الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الذي يبدو أنه في عجلة من أمره، وبشكل مثير للسخرية وحتى الشفقة، للوصول إلى رئاسة الحكومة.

لقد مر الاستفتاء بالنسبة المعلومة وفي أجواء هادئة، وكان لشباب 20 فبراير دور في ذلك الهدوء. لكن الزعيم الإسلامي لم يرقه ذلك، وحرص على أن يستمر في تخويف المغاربة من شباب 20 فبراير.

فحين حل ضيفا على القناة الثانية في اليوم الموالي للاستفتاء، طلب من «دوزيم»، وبشكل يشبه التوسل، أن تستدعي له شباب 20 فبراير، ليناقشهم في أفكارهم. وكان يُرفق طلبه برسالة تفيد بأنه سيصحح لهم تلك الأفكار. لكن الخطير، والمثير للسخرية والشفقة في الآن نفسه، كان حين أردف قائلا عن شباب 20 فبراير، في صيغة تساؤل يحمل التهمة الشهيرة والبالية في آن: «آش غاديين يكولوا؟! باغيين يحيدو الملكية؟!».

وهَاكُمْ ما جادت به قريحة بنكيران، وهو يوضح ما صدر عنه من تصريحات لصحف وطنية وأجنبية بدت كأنها (التصريحات) «تشكيك في نتائج الاستفتاء على الدستور». لقد وضح لمن يهمه الأمر ما صدر عنه، حتى لا يُفهم كلامُه خطأ، وكان حريصا على أن يتجنب أي خطأ محتمل. لكنه، في نهاية توضيحه، حرص، مرة أخرى، على ألا ينسى شباب 20 فبراير، حين قال: «إنني مقتنع أن الخروج للاحتجاج على الدستور يعتبر اليوم مضيعة للوقت، مع أن القانون يضمن التظاهر والاحتجاج للمواطنين، وأرى أنه من الأجدى رفع شعارات مستقبلية تسير في اتجاه التنزيل السليم لهذا الدستور»!

يختار بنكيران أن يصوت على الدستور «بنعم»، وهذا حقه. لكن الذي ليس من حقه هو أن يطلب من معارضي الدستور أن يساعدوه على «تنزيله»! قد تكون «معركة» بنكيران الوحيدة هي تطبيق الدستور، لكنها ليست بالضرورة هي المعركة الوحيدة لمعارضي الدستور. قد تكون معركتهم من الآن هي النضال من أجل تغيير هذا الدستور، مادام لا يلبي انتظاراتهم.


ليعذرني صديقي الأستاذ مصطفى بوهندي، وليسمح لي بأن أستعير عنوان كتابه القيم «أكثر أبو هريرة»، لأقول: «أكثر بنكيران». فعلا، لقد أكثر بنكيران على شباب 20 فبراير، بل أكثر على الجميع، أكثر على البلاد والعباد، أكثر على من يخالفه الرأي، أكثر في كل شيء، وأكثر في الظهور والكلام والتهديد والوعيد…

7 يوليوز 2011

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى