رأي/ كرونيك

فضيلة الحوار: تذكّر أنا لستُ أنتَ

أحمد بان: الكاتب والباحث المصري

أينما يمّمت وجهك في عالمنا العربي، ستجد مظاهر غياب الحوار بين دولنا، والذي يأتي انعكاساً أميناً لغياب الحوار  داخل القطر الواحد، وأخشى أن أقول إنه يحصل أيضاً داخل البيت الواحد، الذي تربط أعضاءه وشائج الدم والمصير وأشياء أخرى لا تُشترى.

تبدو فضيلة الحوار مهجورة، بالرغم من أنّ تلك الفضيلة تحديداً، هي من أهم العوامل التي أمّنت وصول الغرب  إلى إنجاز ما أنجزه في التنمية الشاملة، والنجاة من ربقة التخلف والفقر والتبعية.

لماذا تأبي النفسية العربية قبول قيم الحوار؟ هل جهلاً بقواعده أم جهلاً بأهميته؟ أم تقديساً للعضلات على حساب العقل؟ بمعنى تغليب منطق القوة على منطق الفهم والاستيعاب والتعاون والشراكة؟

أظن أنّ كل تلك العوامل ربما تقف خلف العداء للحوار، لكن في تقديري أنّ عدم إدراك كثيرين منا لقواعد الحوار، التي عبّدت طريق الغرب للتقدم تكمن في تلك القواعد التي يصح أن نسميها القواعد الذهبية للحوار، فما هي تلك القواعد؟

هي باختصار قواعد تلخصها تلك الكلمات التي عكست خبرة الغرب فيما يلي:

أنا لستُ أنتَ فلا تتعامل معي لحملي على أن أكون نسخة منك، ليس شرطاً أن تقتنع بما أقتنع به فلتبقَ لكل منا قناعاته الخاصة، لكن دعنا نلتقِ في منتصف الطريق، ليس ضرورياً أن ترى ما أراه، فلكل منا زاوية نظر،  الاختلاف سنّة كونية قضاها رب العالمين فاقبلها ولا تكفر بها، من المستحيل أن ترى بزاوية 360 درجة هذا فوق الإمكان.

الغاية من معرفة الناس التعايش معهم وليس تغييرهم، ولو أعطى الله تعالى هذا الحق لأحد، لأعطاه لنبيه الذي خاطبه بقوله تعالى “لست عليهم بمسيطر”، فلا تتطلع لهذا الهدف أبداً؛ تنوع أنماط الناس  ليس شراً كما يعتقد البعض، بل أمر إيجابي يحقق التكامل، ما تصلح له أنت قد لا يصلح له غيرك، الناس يتفاوتون في إدراكهم ومواهبهم وقدراتهم.

أقصر طريق لتغيير نمط الناس الموقف والحدث الطبيعي، قد أتفهم ما تقول، لكن هذا لا يعني قناعتي به، عليك أن تقبل هذا الحد، ليس بالضرورة أن أشاركك الانزعاج لنفس الأمر، شُرع الحوار  للإقناع وليس للإلزام، تذكر ذلك، ساعدني على توضيح رأيي إن كنت تنشد الوصول للحقيقة، لذا لا تتحفز في مواجهتي وتقف عند أقرب معنى للفظة.

أحسن الظن بي وافهم مقصدي، فلا تحكم عليّ من لفظ أو سلوك عابر تتصيد به عثراتي أو تتتبعها، من فضلك لا تمارس عليّ وصاية الأستاذ، بل ساعدني على فهم وجهة نظرك، واقبلني كما أنا حتى أستطيع قبولك كما أنت؛  فالإنسان في العادة لا يتفاعل إلا مع المختلف معه، تأمل معي كيف أنّ اختلاف ألوان هذا الكون يعطيه الجمال الساحر والخلاب.

عاملني كما تحب أن أعاملك، تأمل كيف أنّ فاعلية يديك تكمن باختلافهما وتقابلاهما ،وإلا ما استطاعا العمل أو التصفيق، الحياة تنهض أيضاً على ثنائيات مماثلة “ومن كل خلقنا زوجين اثنين”، لا تسرف في تقدير كيانك؛ أنت في النهاية جزء من كلٍّ في منظومة حياة معقدة، هل رأيت يوماً مباراة في كرة القدم يلعبها فريق واحد، حتى الاختلاف يبقى استقلالاً ضمن المنظومة وهكذا كل الكون، حتى ابنك الذي هو بضعة منك ليس أنت وزمانه ليس زمانك، تعقّل هذا الأمر، حتى زوجتك أو زوجك وجه مقابل وليس مطابقاً لك كاليدين، ولن يكون لكل كيانه.. تذكر ذلك جيداً.

لو اختار الناس الأحادية في كل شيء ما عرفنا الإبداع في العلوم أو الفنون أو الآداب، حين تسرف في وضع الضوابط فأنت تشلّ حركة الإنسان الذي خلقه الله حراً، نحن بشر لنا احتياجات عاطفية ونفسية، منها الحاجة للتقدير والتحفيز والشكر، وليس الحسد والتباغض والكراهية والتنافس غير الشريف، وقد أمرنا ربنا ألا نبخس الناس أشياءهم.

نعم نخطئ لأننا بشر، وذلك طبيعي، لكن تحسّس صوابي وابحث عنه وانظر إلى الجانب الإيجابي في شخصيتي فهذا خير لي ولك، وليكن مبدؤك أن الأصل لدى الناس الخير والحب والطيبة وبراءة الذمة والقصد، فلا تتهم النوايا، ابتسم في وجوه الخلق وأشعرهم بالاحترام والتقدير، وأنّك بحاجة إليهم، فأنا عاجز دون عونك وأنت كذلك.

لولا أنك مختلف لما كنت أنا مختلفاً، ولا يخلو إنسان من حاجة  وضعف “وخلق الإنسان ضعيفاً”، احمد ضعفي وحاجتي فلولاهما ما نجحتَ أنت ولا شعرت بالإنجاز.

أنا لا أرى وجهي بل أنت من يراه، كل منا يرى الآخر في النهاية الذي يبدو مختلفاً، فاحمِ ظهري أحمِ ظهرك.

إن تعاونا معاً ننجز العمل بأقل جهد وبأقصى سرعة، يوجد ما يكفي للجميع، والحياة تتسع لكلينا وأنت، لن تأكل أكثر مما تحتمل معدتك في النهاية، إذا علمت حقك فلا تنسَ حقي، ولو انشغلت بتغيير نفسك ستغيرني حين أنشغل أنا الآخر بنفس الأمر، انشغالك بي لن يغيرني، ولن يغيرك أيضاً، فتقبل الاختلاف وطوّر نفسك، صدقني إن كسرت مجدافي لن تزيد سرعة قاربك.

حقائق ربما تبدو بدهية، وقد يردد القارئ مع نفسه نحن نعرف كل ذلك! لكن هل جمعت الى العلم العمل؟ يبقى هذا هو السؤال.

تخلق بتلك الوصايا وتحقق بها ثم عاين هل تغيرت حياتك للأفضل أم لا؟ ساعد غيرك على التحقق  بتلك السجايا، وتأمل معي كيف ستتغير مجتمعاتنا يوم يصبح الحوار خلقاً راسخاً وفضيلة مشهورة ومتداولة.

حين يشيع صوت الكورال أكثر من صوت المطرب الواحد، أو يتناغم الكورال مع الموسيقى مع المطرب الواحد فلا يزاحم أحدهما الآخر أو يعتقد أحدهما أنه أهم من الجميع.

لن تنعكس فضيلة الحوار على مشهد واحد من مشاهد حياتنا، بل سيكون لها انعكاس أبعد في مسيرة مجتمعاتنا   نحو تقدُّمٍ تأخر كثيراً، ونقطة البدء في ظني هي إدمان الحوار وليس الصراع أو الضجيج الفارغ.

المصدر: المقال منشور في الموقع الإعلامي “حفريات”

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى